بقلم د. حيّان سليم حيدر
وقد أقرّت الحكومة الموازنة، أو أنّها لم تُقِرّها… ولكن؟ ولمناسبة مناقشة موضوع الكهرباء اليوم.
ليس بإسم خبراء لبنان في كلّ شيء، في كلّ موضوع في كلّ زمان، وفي النهاية في لا شيء،
ليس بإسم المسؤولين، أحزابًا وزعامات وطوائف وجماعات، وبالنهاية مسؤولين عن لا شيء ولا أحد،
ليس حتمًا بإسم الظالمين المنتفعين المحتكرين، ليس بإسم المقاتلين،
بل بإسم المحرومين المظلومين البُلُهاء. بل بإسم المقتولين، وبالوكالة عن الشعب المقهور والمحروم والمغبون (يمكن لنا إبراز هذه الوكالة عند الطلب)… سأقترح موازنة للدولة من بند وحيد: __________________ كهرباء 24/24 ___________________
وبكلّ فجور سأقول: نعم. الكهرباء هي أهمّ من كلّ البنود، جميعها، التي أصبحت لازمة مملة لموازنات الحكومات على مرّ الأزمان وفي كلّ الدول.
وسأبرْهِن لكم بالأدلّة المُذِلّة المُعاشة. إنّ الموازنة المقدّمة حاليًّا تُلَمْلِمْ أرقامها إلى مجموع يتجاوز ال 12 مليار دولار أميركي والأمر يتكرّر سنويًّا. أمّا تأمين الكهرباء لكلّ لبنان 24/24، وهذا الإنفاق يمكن أن يخدم لمدى 30 عامًا على الأقل، فيكلّف مليارا ونصف مليار من الدولارات في أفضل المواصفات و”الأحوال” الإقتصادية، أو..؟ 2 مليار بعد “فتح” مجال العمولات والسمسرات، ألّا غِنى عنها، وأخواتها.
والبراهين تتدحرج. وبعيدًا عن البنود التي لا نفع منها وما أكثرها، لنركّز على الأساسيات:
– في وزارة الصحّة: الكهرباء أهمّ من رصد موازنة “عامرة” للوزارة تُخصّص للعمليات الجراحية والمستشفيات والأدوية المزمنة والسرطانية وما شابه ،على رغم شعورنا الإنساني مع المرضى المعنيين ورغم بكاء كلّ وزير عليها وعليهم، وهذه وظيفته (البكاء). ذلك لأنّ توفير الكهرباء من شأنه في أولى فوائده إلغاء إستخدام المولدات في الأحياء والزواريب والمنازل ومن على السطوح كبديل “مشكور”، والمُقْتَرَح يخفّف، ومباشرة، من تلوّث الهواء والأجواء وبالتالي يحدث تلقائيًّا تحسّنًا في الأوضاع الصحية العامة التي تُرْصَد لها موازنات تُهْدَر عامًا بعد عام. وهذا حلّ متجدّد كلّ عدةّ عقود من الزمن ومستدام في مقابل الهدر البديل المتجدّد سنويًّا والمستدام أيضًا. هي (الكهرباء) إذن، هي درهم الوقاية الشهير الذي يُغْني المحتاج مباشرة والذي يقهر قنطار العلاج الذي طالما يدرّ المنافع الجهوية والزبائنية على القِلّة القليلة من الناس.
– في وزارة التربية: الكهرباء توفّر في إحتياجات المدارس والجامعات والمعاهد التربوية وغيرها، على صعيد المؤسّسات والشركات كما وعلى مستوى الأساتذة والتلاميذ والأهل، فإلى الدولار التربوي ومنصّاته… وبالتالي الكهرباء تخفّف من المبالغ المرصودة في موازنات وزارة التربية والتعليم العالي وتعفينا من نحيب الوزير، وهذه وظيفته أيضًا (النحيب). هي (الكهرباء) إذن “القرش الدوّار” الذي متى جُمِعَ يوفر التريلّيونات من الدراهم.
– في وزارة الإتصالات: الكهرباء هي العنصر الأساس في تشغيل هذا القطاع من وزارة وإدارات ومؤسّسات تابعة وهيئات وشركات ومن ثمّ أفراد، وبالتالي فهي تخفّف من المبالغ المرصودة في الموازنة لهذه الخدمات ومن المصدر، من عند صانعي الخدمات وموزّعيها، إلى المستهلك، أي فاتورة المواطن الشهرية. والقرش يدور بوتيرة أسرع هنا لاهثًا وراء تطوّر التكنولوجيا. وصراخ وزير الإتصالات، وهذه وظيفته (الصراخ)، لا يغيّر في الأمر واقعًا.
– في وزارة الطاقة، أمّ الكهرباء: لا حاجة للإسهاب في هذا المرفق وفيه مؤسّسة كهرباء لبنان وسائر المصالح ومعامل الإنتاج المعنية وخطوط النقل ومحطات التحويل والتوزيع والشركات العاملة والإمتيازات والأجهزة التابعة. وقرش توفير الكهرباء هنا يقهر قرش (البحر) المنتفعين من غيابها ويُلْغي منصّات الدولار، هذا الإختراع اللبناني ألّامثيل له في العالم. ولن يغيّر في فضاحة الأمر الشروح العبثية الفنية والتقنية ألّانهاية لها لـِ”البديهيات المستحيلة” لوزير الطاقة، فهذه وظيفته “الوطنية” (الشروح العبثية).
– ولأنّ الشرح يتكرّر في كلّ وزارة وبند وشأن نقول: في إدارة شؤون البلاد: الكهرباء عنصر أساس وكلفة غيابها عالية جدًّا، وهي غائبة في أغلب الأوقات، في كلّ من الدوائر الرسمية، رئاسات، وزارات، برلمان، إدارات ومؤسّسات عامة، قوى عسكرية وأمنية، قضاء… إلى آخر منظومة الدولة. ولا ننسى وزارة الإقتصاد وحماية المستهلك ومطابقة المواصفات إلخ… وبالتالي توفيرها 24/24، أي درهم الوقاية، لكلّ ما ومَن سبق ذكره وغيرهم يوفّر قنطار العلاج في موازنات الإدارات المعنية فيخفّض إحتياجات الدولة والعجز معًا (ولا يفوتنا التذكير بالبطاقة التمويهية المنسية). هل يصعب على القارىء فهم هذا الشرح ؟ هل تريدون منّي أن أعيد الشرح كي يفهمه المعنيون؟
– ومن القطاع العام إلى القطاعات الإنتاجية: الكهرباء أساس في الإنتاج الصناعي، وغيابها حائل رئيس دون منافسة الإنتاج اللبناني المتضائل أبدًا مع الخارج. وكذلك الأمر إلى حدّ كبير في الزراعة. وأكثر من ذلك في قطاعي السياحة والخدمات. وبالتالي تأمينها 24/24 يرفد الناتج القومي الذي إنهار عاموديًّا من 52 مليار إلى 21 مليار.
وبوجود الكهرباء لا حاجة لنا لفذلكة موازنة تبرّر “فُرْسانها”.
إذن ؟ الكهرباء ثمّ الكهرباء… إلى آخر المعزوفة التي باتت مملّة جدًّا جدًّا ومنذ عقود ومرّت.
لهذه الأسباب الدامغة ولغيرها لا تتّسع لها هذه الشاكية نقول: نعم لبند وحيد في الموازنة: الكهرباء، إنتاجًا وتوزيعًا وتأمينًا 24/24 لكلّ مكان وكلّ قطاع وكلّ مواطن… نعم لمعامل إنتاج كهرباء على أنواع وقودها ومصادرها، غاز ومشتقات نفطية ونووي وطاقة شمسية وريحية وفي كلّ المناطق. وليكن شعارنا: “وجعلنا من الكهرباء كلّ شيء منتج وكلّ وفر في الموازنة” !
هكذا نتجنّب جلسات البكاء والنحيب في عودتنا إلى مشارف طريق ما قبل النهوض بالبلاد والعباد. هكذا نكتم أصداء الصراخ والوعود بالتخطيط للإنتقال من ليبان أوف (LebanOFF) إلى ليبان أون (LebanON).
وليس أخيرًا، سيكون من أهمّ إنجازات توفير الكهرباء 24/24، على غرار “طبيعة” كلّ دول العالم، أنّها ستحلّ مشكلة مشاكل لبنان الكبير منذ كِبَرِه، وأعني بذلك المادة 95 التي يمكن تسميتها فذلكة الدستور اللبناني (منذ العام 1926). فعندما تتوفّر الكهرباء للجميع وفي جميع المناطق بأسعار “إقتصادية” كلّ الوقت، ومن دون أيّ تبرير غير ضروري، سيزول مع ذلك الصراع الحزبي/الطائفي/الزعاماتي على مَن أمّنها ومَن عطّلها (من لوازم “ما خلّونا”) ومَن إستفاد من صفقاتها المتكرّرة والمتعاظمة سنة بعد سنة وبالتالي تصبح الطوائف/الزعامات خارج هذه اللعبة. وهذه طبعًا معركة كبرى.
ومِن الآخر. إقتراحي هو الآتي: إمّا تصدروا موازنة ببند وحيد يؤمّن توليد وتوزيع الكهرباء 24/24 ، وبسرعة، وتعملوا على تنفيذه، مع إلغاء سائر البنود، أو … وفي حال بقي المنتفعون من غياب الكهرباء هم الغالبون في وجه المتضرّرين من ذلك، عندها عليكم، حضرات نوّاب الأمّة جمعاء (بحسب المادة 27 من الدستور)، أنّ تعمدوا إلى تعديل الفقرة الثانية من المادة 95 (*) بحيث تقرأ:
المادة 95- ——– – وفي المرحلة الإنتقالیة: تُمَثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكیل وتشغيل وتوزيع كلّ من: الجهد في الكهرباء (110 أو220 فولت،Volt (، والتردّد (50 أو 60 هيرتز، Hertz)، وخطوط النقل (طاقة 60 أو 220 كيلوفولت، KiloVolt)، وقوة الأمبيرات ((Ampere، ومحطات التحويل والتوزيع، والمجالس والهيئات والمتعهّدين التابعين، الموظفين والمياومين وجباة الإكراء والذين بالفاتورة كلّها وكلّهم وفقاً لمقتضیات الوفاق الوطني، وتكون هذه المنافع مناصفة بین المسیحیین والمسلمین دون تخصیص أیة منفعة لأی طائفة مع التقید بمبدأي التوازن في القسمة والتعاون في المغنم. (ملاحظة: يمكن إعتماد هذا النصّ لتوزيع كل مرفق ومنفعة وسلطة عامة على الطوائف بصورة عادلة… وبصورة مؤقتة في المرحلة الإنتقالية الأبدية)
تُصبحون على نور.
__________________________________________
(*) المادة 95- على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بین المسلمین والمسیحیین اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقیق إلغاء الطائفیة السیاسیة وفق خطة مرحلیة وتشكیل هیئة وطنیة برئاسة رئیس الجمهوریة، تضم بالإضافة إلى رئیس مجلس النواب ورئیس مجلس الوزراء شخصیات سیاسیة وفكریة واجتماعیة. مهمة الهیئة دراسة واقتراح الطرق الكفیلة بإلغاء الطائفیة وتقدیمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفیذ الخطة المرحلیة.
– وفي المرحلة الانتقالیة: أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكیل الوزارة. ب- تلغى قاعدة التمثیل الطائفي ویعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكریة والأمنیة والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضیات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فیها وفي ما یعادل الفئة الأولى فیها وتكون هذه الوظائف مناصفة بین المسیحیین والمسلمین دون تخصیص أی وظیفة لأی طائفة مع التقید بمبدأي الاختصاص والكفاءة.