كنيسة الفقراء في سن الفيل..وشبح “سفر برلك”(ناجي أمهز)
بقلم ناجي امهز
في أحدى ضواحي سن الفيل توجد كنيسة صغيرة بحجمها، كبيرة بمحبتها لكل من حولها، اسمها كنيسة الصليب الارثوذكسية .
وبالرغم من قلة الموارد، وخاصة ان المؤمنين الذين يقيمون الصلاة في هذه الكنيسة هم من الطيبين الفقراء الذين يصلي الله بقلوبهم، قبل ان يرفعوا ترانيم اصواتهم الخاشعة، الا انهم اغنياء بأيمانهم الإنساني وفيض بسط أيديهم، لكل من يطرق باب كنيستهم، وحتى من لم يطرق باب الكنيسة فانهم يطرقون بابه ليقولوا له خذ ما لدينا واذكرنا بصلاتك، كيفما كانت صلاتك.
راعي الكنيسة صديق قديم، وانا اعتز وافتخر بصداقته. بالأمس اخبرتني سيدة عن امر خير قام به، فاتصلت به لأشكره، وكان الحديث طويلا، لكنه مؤلم للغاية، حديث يجعلك تقول الف مرة “لا مش معقول الله يساعد الناس يا رب دخليك”.
يا شعب لبنان ،والله لنترحم على أيام مجاعة “سفر برلك ” لان بهيديك الأيام كان في محبة واخوة ووحدة إنسانية، كانت السياسة بعد ما جزأت الناس وقسمتها مذاهب متقاتلة. كانت الزعمات من الناس مش على الناس، كانت الكنائس مثل المساجد والمساجد مثل الكنائس، كانت كل الناس تدعو الرب ان ينقذ كل الناس، اليوم الكل يستنجد بربه كي ينصره على الآخر، صار في رب شيعي ورب سني ورب مسيحي، مع العلم ان الملحدين يؤمنون ان اصل الانسان من مصدر واحد.
يا شعب لبنان،
ارجوك ابتعد قليلا عن ضجيج السياسة، فقط لتسمع، او اقله، من بعيد تشاهد المشهد كاملا. نحن امام انهيار اقتصادي كبير، لن يفيد كل هذا الاصطفاف السياسي الحاد وان الحق مع فلان او علان.
نحن بحاجة الى وحدة الجميع لنتجاوز هذه الازمة، وعلينا ان نعرف ان غالبية هذه الطبقة السياسية هي كالمرض، تنمو وتتوسع وتفتك أكثر وأكثر بنا كلما اصطففنا سياسيا وطائفيا.
هل تذكرون القصة الشهيرة عن البطريركية الأرثوذكسية التي فتحت أبوابها في دمشق، لإطعام الجياع والوافدين من بيروت دون تمييز بين دين او مذهب ، وكيف اضطر البطريرك غريغوريوس حداد عندما ارتفع سعر القمح الى رهن أوقاف البطريركية والأديرة كلها وباع مقتنيات وأواني الكنائس الذهبية والفضية ليشتري القمح كي ينقذ الناس من شبح المجاعة القاتل.
هل تتذكرون ماذا فعل البطريرك حداد، امام ابونا الخوري الذي يوزع الأرغفة عندما اشتكى من كثرة عدد المسلمين، حيث رفع البطريرك الرغيف وسأله؛ هل كُتب عليه للمسيحيين فقط؟
فأجابه: لا
فَقَال: عليك توزيع الخبز بمعدل رغيف يومي لكل من يريد، وبقي الامر على هذا الحال حتى لم يبق شيء من أملاك البطريركية الا وباعه او رهنه البطريرك حداد لإطعام الجياع.
في أحد الايام طلب متسوّل من البطريرك حسنة فسأله أحد الإكليريكيين المرافقين له عن طائفته ، فإنتهره البطريرك قائلاً: هل تمنع عنه الصدقة إذا كان من طائفة غير طائفتك؟ ألا يكفيه ذُلاً أنه مدّ يده اليك لتُذِلَّه بسؤالك عن عقيدته؟!
عند وفاة البطريرك شارك في تشييع جثمانه 50 ألف مسلم، بكاه المسلمون قبل المسيحيين وكانوا يلقبونه ب “أبي الفقراء”.
الا يكفينا فقرا وذلا وتعتيرا وان نسأل بعضنا عن طوائفنا، ونحن جميعا من طائفة الفقراء.
لا حولا ولا قوة الا بالله العلي العظيم.