الحوارنيوز – صحافة
تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:
كثيرة الرؤوس العائمة التي تبشرنا، بكل ما أوتيت من الصراخ، بأن الأمبراطورية الأميركية على قاب قوسين أو أدنى من السقوط، كما لو أننا لسنا الدول الرثة والشعوب الرثة، بتفككنا القبلي أو الطائفي أو الأخلاقي.
لا شك أن مصير أميركا في الداخل الأميركي، لا بأيدينا ولا بأيدي غيرنا. دورية “فورين أفيرز” وغيرها من دوريات النخبة، بدأت تحذّر من الغروب الأميركي. الباحثة ايمي زيغارت تطرقت في مقالة مطولة في الدورية اياها، الى “أسباب اضمحلال القوة الأميركية التي كانت المعرفة أبرز الأسس التي قامت عليها”. لتضيف “لقد خارت قوى هذه الأمبراطورية عندما فقدت المعرفة”.
الباحثة في معهد هوفر وفي معهد الذكاء الاصطناعي في جامعة ستانفورد، لاحظت أن “قوة الأمم ظلت تنبثق على مدى قرون، من موارد ملموسة يمكن للحكومات ادراكها وقياسها والتحكم بها. أما اليوم فهي من الموارد غير الملموسة، مثل التقنيات التي تعمل على تفعيل النمو الاقتصادي، والاكتشافات العلمية، والامكانات العسكرية مثل الذكاء الاصطناعي، ما يجعل صعباً على الحكومات السيطرة على هذه الموارد بسبب طبيعتها، وسهولة انتشارها عبر القطاعات وعبر الحدود”.
للمثال، الأميركيون لا يستطيعون استعادة المعرفة التي اكتسبها مهندس بيولوجي صيني من أبحاث ما بعد الدكتوراه التي أجراها في الولايات المتحدة، لتخلص زيغارت الى “أن المعرفة هي السلاح المتنقل الأكثر تأثيراً”.
الباحثة تحدثت عن الاحتقان المالي الذي تواجهه الادارات الأميركية، والذي بدأت نتائجه تنعكس على الايقاع التكنولوجي، لا سيما في ما يختص بأنظمة الأسلحة الضخمة الباهظة التكلفة، ما يستدعي من صانعي السياسات التفكير بطريقة جديدة حول البدائل التي تشكل القاعدة الفلسفية والعملانية للقوة الأميركية.
رأت أن الانتشار الأميركي حتى في ثنايا الكرة الأرضية، تأتّى عن التداخل الديناميكي بين القوة الصلبة (الأرمادا العسكرية والاستخباراتية) والقوة الناعمة (أسلوب الحياة Lifestyle). الآن هناك مشكلة في مجال الابداع. تصوروا أن الولايات أميركا تحتل، وفي احصاءات عام 2022، المرتبة 34 في متوسط الكفاءة في الرياضيات خلف سلوفينيا وفيتنام. وفي المرحلة العليا سجل فقط 7 % للمراهقين الأميركيين كأعلى مستوى في الكفاءة في الرياضيات، مقارنة بـ12 % لكندا، و23 % لكوريا الجنوبية.
هنا كعب اخيل في تلك الأسطورة الأميركية، والذي قد يفضي الى اخراج الولايات المتحدة من مقصورة القيادة مع التطور المثير في التكنولوجيا الصينية والهندية، وحتى في دول أقل حجماً بكثير، بالتداعيات العاصفة على صعيد المعادلات والعلاقات بين دول العالم.
كلام عن حتمية الانحسار الأميركي في الشرق الأوسط، بعدما كتب الكثير عن أن الجميع سواء الحلفاء أم الأعداء في هذه المنطقة، يعملون بصراعاتهم العبثية، أكانت بخلفية أمبراطورية أو بخلفية قبلية، لحساب أميركا. وحين تهتز أميركا أو تتصدع في الداخل، لا بد أن تهتز أو تتصدع في الخارج.
أسئلة قلقة بدأت تظهر في الشرق الأقصى وفي الشرق الأوسط، حول تداعيات أي تراجع في القوة الأميركية. “اسرائيل” الأكثر حساسية حيال المسألة. الغروب الأميركي يعني الغروب “الاسرائيلي”، هذا ما حذر منه اليساري يوري أفنيري أن “لا تكون دولتنا الابنة الهجينة لأميركا”.
ولكن كم من عرش عربي سيظل على حاله إذا تغيرت المسارات الاستراتيجية في المنطقة، التي عجز أركانها عن التمثل بالمناطق الأخرى في العالم، وانشاء منظومة اقليمية تقول بالتكامل السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، لاحتواء أخطار لا بد أن تنجم عن الصراعات الكبرى حول الشرق الأوسط. ماذا عن التكامل التكنولوجي؟ وقد استنفدتنا ثقافة الحلال والحرام بتلك الشعائر، والطقوس التي تعود بنا الى العصر الحجري، حتى لتشعر بالغثيان من كلام بعض الفقهاء بالتأثير الصاعق على الأدمغة، والذي يتوجه الينا كقطيع من السلاحف البشرية لا ككائنات بشرية.
كلبنانيين وكعرب هل يمكن أن نتغير ونخرج من عالم الأقبية أو من عالم الأبراج، لنباشر البحث عن أفق مشترك كورثة لتراث فذ ظل يتآكل ونتآكل معه على امتداد ألف عام؟
سيّان بقيت أميركا أم ذهبت، بقيت “اسرائيل” أم زالت، كعرب يا لنا من موتى!! موتى بخمسة نجوم…