|
هدى سويد ـ إيطاليا – الحوارنيوز
نادرا ما تمر الأعمال الأوبرالية في إيطاليا، من دون أن تكون أوبرا “كسارة الجوز” مواكبة لفترة الأعياد الميلادية ( تستمرلغاية السادس من يناير) التي صادف عرضها هذا العام في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر على مسرح كارلو فينيشي في مدينة جنوى الإيطالية ، ضمن أعماله الأوبرالية الموسمية التي تعرض مرة واحدة شهريا، ما بين الشهر العاشر من عام 2024 ولغاية الشهر السادس من العام الجديد 2025،وقد خولني اشتراكي السنوي من رؤيتها بكل ما حملته من سحر .
للتطرق إليها لا بد من الإشارة إلى الحكاية. فما هي قصة الكسّارة وما هي العلاقة بينها وبين شجرة الميلاد وبالتالي بالمسرح والباليه؟
يعود تاريخ قصة كسارة الجوز في أوروبا الممثلة بدمية (يتم استخدامها وتعليقها على شجرة الميلاد أو للتزيين في المحلات والأماكن العامة) إلى القرن السابع عشر والتاسع عشر كما يُقال.
لم يكن للفكرة علاقة بالأعياد ،إنما انطلقت أرضيتها من قرية إلمانية صغيرة “إرزجيبيرج” (في جبال أوري على الحدود مع الجمهورية التشيكية) عبرحرفي إلماني هو فيلهلم فوشتنر، يعيش وحيدا دون عائلة أو أصدقاء مما جعله ذا شخصية قاسية ، يمضي الميلاد بتكسير جوز أشجاره بصعوبة للافتقار حينها إلى الكسّارة المعروفة ، لذا سعى فيما بعد وبالتعاون مع نحاتين من قرية “سيفان” في المنطقة نفسها لإيجاد وسيلة أسهل، فتم ابتكار كسارة الجوز الحديثة على ما هي عليه اليوم، وبالتالي الشخصية المعروفة زينة هذه الأعياد ، أي بنحت خشبي اتخذ شكل دمية لجندي بالوان مشعة بقبعة حمراء وزرقاء وسروال أسود أو أبيض، ذات فكين وأسنان قوية قادرة على كسر الجوز والمكسرات . بعد ذلك قرر القروي توزيعها على فقراء القرية غير القادرين على الحصول عليها ، ما جعله محبوبا في قريته، وبالتالي باتت الدمية رمزا ميلادياــ بمختلف الأحجام تصل إلى أكثر من 40سم ــ لتزيين الشجرة أو وضعها عند مدخل البيت أو في ركن ما طلبا للحماية والحظ ، الرأفة والأمان ، تحديدا في التقاليد الألمانية بفضل انتشارها في الفولكلور والثقافة الشعبية وتحويلها لاحقا الى رسم كاريكاتوري للأطفال بهدف غرس الوعي والتعاون واستخدام دمى الميلاد كأداة سردية .
من جهة أخرى يُحكى أيضا أن أصولها تعود لمجموعة عسكريين في القرية نفسها ،اعترضوا على دفع الضرائب المتزايدة والمرتفعة باستمرار مطالبين بتخفيضها ، فابتدعوا فكرة الجندي الخشبي الذي مع تحقيق مطالبهم بات رمزا لجلب الحظ ، وإن يعتقد كثيرون أن الرمز هذا كانت ولادته في خرافة الأطفال “كسارة الجوز وملك الجرذان” التي كتبها أرنست هوفمان سنة 1816 التي استلهم منها المؤلف الموسيقي الروسي تشايكوفسكي للمرة الأولى سنة 1892 ،العمل المسرحي الشهير لرقص الباليه على إيقاع موسيقاه .
على مسرح كارلو فنيشي كان للحضور موعد أقل ما يمكن وصفه بالساحر، حيث تم عرض الحكاية ضمن عملين فنيين موسيقيين لتشايكوفسكي ، قام بأدائهما حوالي 20 راقصا وراقصة لفرقة الباليه الوطني الأرمني ، أما الأوركسترا الموسيقية فكانت بإدارة فرقة المسرح الإيطالية.
أول ما يمر في البال عبر الفضاءات المسرحية الربط بحكاية الجميلة النائمة من جهة بينما الجندي الخشبي بدمية بينوكيو، ولا بد من القول ان تشايكوفسكيي عمل مع ماريوس بيتيبا مصمم رقصات الباليه بشفافية سردية تطويرية لبنيتها ، خالية من ثقل القصة وجمودها إن جاز التعبير، بتوجهه نحو جمهور الشباب بما يحمله من حب ، تصورات وخيالات وردية ، ولذا إيقاع راقصي الباليه تم بحبكة تسري في مغامرة ساحرة لطفلة تلقت هدية عبارة عن دمية كسارة الجوز في فترة الميلاد فأهملتها خلا ل سهرة جمعت ضيوفا ، خلال ذلك وبينما ترقد في أحلامها يدور ملك الجرذان لكن الدمية تستعيد الحياة وبالتالي يستطيع الجندي بالتعاون مع الطفلة ـ الشابة التي تستفيق من سباتها لتلقى أميرها الأزرق بتعاونها مع الدمية وبهزيمة الجرذان.
لا يمكن بالفعل وصف مدى القدرة المهنية الفنية لراقصي باليه الفرقة الأرمنية، وكيف بالفعل الراقص الذي يؤدي دورالجندي الخشبي لا يمكن سوى الشعور معه أنه دمية خشبية يحرك الراقصون أطرافها كدمية بينوكيو ، معهم ومع خطواتهم الأشبه بالنسمات ولمس أطراف أصابعم وأقدامهم للأرض، ينتقل المشاهد مع اللوحات الكوريغرافية وألوانها الميلادية الشفافة الخالية من الحوار، إلا حوار الجسد اللحن والموسيقى الرائعة على مدى ساعتين ، إلى فضاءات خفيفة ، طائرا تاركا ثقله أرضا.