كربلاء “الحسن”..(عماد عكوش)
بقلم الدكتور عماد عكوش-الحوارنيوز
لم يخرج الامام الحسين (ع) طالبا لسلطة وملك، وهي التي عرضت عليه لو بايع وقبل بما هو معمول به ، بل خرج رافضا للظلم مناديا بالاصلاح في أمة جده، بعد انتشار الفساد وابتعاد الأمة عن الطريق القويم ، ولو انه قال الكلمة لما وصل الينا ما وصل ، ولما خرج على الظلم أو رفضه حتى قولا اي انسان قط بعده ، فلقد كان خروجه حجة على كل انسان بعدم ترك قاعدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتي هي ركن أساسي من اركان الدين المحمدي الأصيل، وتطبيقا لقول الرسول الاكرم (ص): كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .
شهادة الامام الحسين (ع) ثبتت هذه القاعدة وهذا الركن الاسلامي العظيم الذي ان تركه عامة الناس فشل المجتمع وانهارت الدولة التي تقوم أساسا على العدل ومنع الظلم والفساد، واللذين هما سببان أساسيان اليوم وسابقا في أنهيار الكثير من المجتمعات والدول .
الظلم والفساد صبغة اتسمت فيها الكثير من المجتمعات والكثير من العصور، وكانت سببا كما قلنا في انتشار الفوضى وانهيار دول وامبراطوريات. واليوم ليس بعيدا عن الامس، فالظلم والفساد مستمران في نخر المجتمعات ومحاولة استعباد الناس من قبل فئة قليلة مسيطرة ، وصلت الى حد الاستيلاء على الارض وابادة مجتمعات قائمة كما حصل في اميركا ، او السيطرة السياسية المباشرة وسلب موارد دول كما حصل مع جنوب افريقيا ، وحتى غير المباشرة عن طريق تعيين الرؤساء والسلطات لتحكم لصالحهم كحال معظم دول العالم اليوم، ابتداء بالدول العربية وصولا لدول اميركا اللاتينية ودول افريقيا ، والهدف دائما السيطرة السياسية لسلب موارد هذه الشعوب واستعباد البشر ليكونوا مجرد ادوات في الانتاج لمصلحة فئة قليلة .
كم يشبه ما فعله السيد حسن نصر الله بما فعله جده الحسين، والذي يحمل في طياته أبعادًا تاريخية وأخلاقية عميقة ، فكما خرج الحسين عليه السلام على الظالمين مطالبًا بالحق والإصلاح ، وقف السيد حسن أيضًا ضد الظلم والفساد في زمانه رافضا لنفس الظلم والفساد . إن الخروج على الظالمين ليس مجرد فعل ثوري ، بل هو دعوة إلى استعادة الحقوق لأصحابها ، وهو ما جعل الحسين رمزًا خالدًا للمطالبة بالعدالة الحقة.
لقد رفض الحسين المغانم والمكاسب المادية التي عُرضت عليه مقابل سكوته عن الظلم ، تمامًا كما رفض السيد حسن الإغراءات والمنافع ومئات مليارات الدولارات التي قُدمت له وكما كانت المبادئ والإصلاح غاية الامام الحسين (ع)، وهدفه أن يعيد للناس حقوقهم المهضومة ، هي ايضا كانت غاية السيد حسن من خلال أعادة الحقوق لأصحابها الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم . في النهاية ، بقي الحسين وحيدًا مع قلة من المؤمنين يقاتلون معه بعد أن تخلت عنه الأمة ، كذلك كان السيد حسن يقف مع قلة ممن آمنوا بقضيته العادلة وأمة المليار تقف متفرجة، لا بل بعضها ساند وساعد على الظلم وعلى قتل الابرياء .
استشهاد الامام الحسين (ع) لم يكن نهاية ، بل كان بداية لخلود قضيته ، فقد ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأمة ، وكما نادى الحسين (ع) في يوم عاشوراء “هل من ناصر ينصرنا”، ليُبرز عظمة التضحية في سبيل الحق ، ولتكن حجة على جميع المسلمين بالدعوة الى نصرة الحق وتطبيق ركن اساسي من اركان الدين ، كذلك كان السيد حسن في كل مناسبة يضع الحجة على الشعوب المستضعفة ويناديها للخروج على الظلم ووقف الفساد فيها ، وكان الامام الحسين واضحا في طرحه بالقول الشهير “ألا ترون أن الحق لا يُعمل به”؟، وهو التساؤل الذي طرحه على أصحابه ، كان السيد حسن واضحا في طرحه لمظلومية الشعب الفلسطيني ولكل شعوب المنطقة المحرومة من أدنى حقوقها وهو حق العيش بكرامة .
لم يهب اصحاب الحسين الموت في سبيل هذه القضية، وكان عنوان المعركة قبل بدئها “ألسنا على حق.. أذا لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا” ، كذلك كان السيد حسن ورفاقه مخلصين لهذاالشعار فبذلوا المهج في سبيل هذه القضية .
رحم الله الشهداء السعداء ، وكلنا أمل بأن تستيقظ هذه الأمة من غيبوبتها يوما ما، فتكون كما وصفها رسول الله “كنتم خير أمة أخرجت للناس” ، وحتى ذلك اليوم سنبقى نراهن على القلة القليلة من المؤمنين الحسينيين الذين سيرفضون الظلم والفساد في كل عصر وزمان .