كبرياء.. أم سعادة؟
أسباب وعوامل كثيرة من سياسة واقتصاد وفكر ودين وفنّ وادب وميول و رؤى، تفرّق وتقسّم الناس الى احزاب وفرقٍ وتيارات وجماعات .
أحد اسباب الإختلافات المجهولة وغير المقروءة يتمحور حول الأولوية عند المرء والشعب بين الكبرياء والسعادة.
عندما ثار فلاديمير اوليانوف في روسيا كان همّه الاوّل كبرياء العامل ضد الاستغلال وكبرياء الشعب الروسي ضد الذل والخنوع والفقر على ان تكون السعادة هدفا للنضال.
عندما نهض الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو 1952 في مصر كان كبرياء مصر وكبرياء الأمة العربية اولوية ضد هيمنة الانكليز والفرنسيين وردّ فعل طبيعي على ظلم نكبة 1948 وقيام ما يسمى بدولة اسرائيل،بالتأكيد كانت نوايا الرئيس جمال عبد الناصر سعادة شعبه انما الامور كانت تفرض تقدم كبرياء الامة على السعادة.
عندما قاتل الفيتناميّون بشراسة الاحتلالين الفرنسي والاميركي لبلادهم ، لم تكن الوعود بالسعادة الاوروبية-الاميركية هدفهم بل كان كبرياء فيتنام هو الهدف الاوّل للحياة وليست السعادة.
عندما قرّر الرئيس ياسر عرفات ومعه الأحرارحمل البندقية والثورة حتى النصر من اجل تحرير فلسطين ،رافضا كل العروض والاغراءات التفاوضية، كان يقدم كبرياء التاريخ لشعب ولأمة على هدف متأخر عنوانه سعادة الشعب الفلسطيني.
حين قاتل الجزائريون ضد ضمّ فرنسا الغنية لبلادهم الى سيادتها و رفاهيتها ، قدّم الثوار كبرياء الجزائر كأولوية على سعادة ورفاهية شعبهم.
حين وضع الإمام السيد علي الخامنائي رسالة رئيس وزراء اليابان جانبا وردّد ما قاله جدّه في كربلاء بما معناه:
"مثلي لا يبايع مثله"
كان يقدّم كبرياء الجمهورية الاسلامية على ما عداه من وعود في السعادة والرفاهية إن عدّل الاتفاق النووي و رفع الحصار الاميركي.
نقول هذا، لان البعض عندما يتناول عهدا او حقبة تاريخية لقائد نسمعهم يشككون ويبدأون وينهون حديثهم بعبارات مثل:
بسبب أممية وشيوعية لينين غرق الروس بالفقر، بسبب عروبة عبد الناصر شحد الشعب المصري، بسبب ثورية عرفات و رفضه للمفاوضات تشتت شعبه وعاش في المخيمات ،لو بقيت الجزائر مقاطعة فرنسية لعاش الجزائريون اليوم كفرنسيين برفاهية وسعادة، ماذا نفع التحرّر الفيتناميين ، لو بقي الاميركي لعاش اليوم الفيتنامي وفي يده أيفون وقرب بيته رانج روفر، ماذا سينفع ايران تحدّيها لاميركا ولإسرائيل، لتمشي بفلكهما كدول الخليج وعندها يتنفس الايرانيون الصعداء ويعيشون بفرح وغنى كالخليجيين.
من ثقافة الرأسمالية المتوحشة المبتذلة تقديم الرفاهية والسعادة والغنى كيفما اتفق وبأحقر الوسائل على ما عداها من امور أخرى، بل هي تحتقر وتهزأ من عبارات كبرياء وكرامة وشرف واخلاق و قانون وعهود و شخصية الاسبرطي للرئيس ترامب الفظة والوقحة لأكبر برهان ولاصدق تعبير عن احتقاره للكبرياء ولنكثه للعهود و لسلوكه المشين ولتقديمه المصلحة والسعادة لشعبه على كل مصداقية وكبرياء.
لذلك نستغرب عقلية الحاكم في الدول الرأسمالية التي تنحو الى اللامنطق في السياسة الخارجيةرغم كل الاثباتات والدلائل الواضحة للظلم، ليس المنطق والحق الذي يحكم عقلية الحكام هناك بل تقديمهم لمصالح بلادهم من اجل رفاهيتها وسعادتها على كل الامور الاخرى كالحق والعدالة والتضحية والكبرياء ، لذلك تاتي مواقفهم مستغربة وظالمة ،والمضحك انهم انفسهم حين يتركون الحكم يصبحون متعاطفين مع القضية الفلسطينية، ما معناه انهم يعلمون ماذا يفعلون ويعون تماما عقلية الحكم،
فإن كان شعارنا سابقا:
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة (الكبرياء، الحق، الكرامة، الشرف).
فإن شعارهم :
لا صوت يعلو فوق سعادة ورفاهية ومصالح شعوبنا.
كبرياء ام سعادة هذا هو السؤال؟.
الكبرياء قرار جبار ومسيرة شاقة جداً تتطلب رجالا ونساء واطفالا عقائديين مستعدين للتضحية بلا حدود، اما تقديم السعادة فشرطها الاستسلام ودربها درب خنوع وسحق للشخصية الفردية والجَماعية واستعداد للعبودية الاقتصادية المقنعة .
التآمر على فقرك ليس صدفة عبر عملاء اقتصاديين وسياسيين بل لإقناعك ان كبرياءك وعزتك وعنفوانك يقفون عقبة امام سعادتك و رفاهيتك وحياتك.
الشجعان واصحاب المروءةوالشرف يقدمون دائماً الكبرياء، ولو تسبب ببؤسهم وسجنهم و بموتهم، اما الانتهازيون والانانيون والجبناء والاتكاليون والانبطاحيون فيقدمون السعادة على الكبرياء.
السعادة وهم ولو اخذت اشكالاً متعددة مؤقته.
الكبرياء حقيقة ولو تلوّن بالعذاب.
لا تندم على تقديمك في يوم من الايام لكبريائك على سعادة محتملة في وظيفة او في منصب ممزوج بالاهانة، لا، لا تندم، بئس المال والمنصب اللذين سيقهرانك ويشعرانك في داخلك بالمهانة والذل .
إبق حرّا ومت بكبريائك فالحياة ليست للحقراء.
السعادة وهم اما انت فحقيقة.
الخيار لك، كبرياء ام سعادة؟