كتب علي يوسف :
من يُتابع المواقف السياسية في لبنان الذي يضم ١٢ طائفة ومئات الاحزاب والتيارات والتجمعات، والذي يضم مقاومة حررت البلد من اعتى جيش احتلال وهي الافعل استراتيجيا على المستوى الاقليمي واكثر …. يظن ان هذا البلد يتمتع بغناء فكري متنوع يجعله عصيا على ا ي ازمة …
وقد يكون من المستغرب وصول البلد الى هذا الدرك من الازمات وعلى مختلف الصعد السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية ،الا ان المفارقة قد تكون صادمة حين نعلم انه ما من قوة سياسية في لبنان لديها مشروع انقاذي، وان الكل يقف عاجزا في ظل تقاذف شعارات لا مضمون لها إلا تسعير خلافات بغطاءات مختلفة، منها “سياسي” ومنها ماهو انتمائي ومنها ماهو طائفي او مناطقي او قطاعي وغيرها من تبريرات الصراع “المشروعة” !!!!!
وبخلاف حزب الله الذي يقول انه يعمل على و ضع تصور سياسي واقتصادي واجتماعي يُفترض اعلانها قريبا، بحيث يُمكن حينها مناقشتها وابداء الرأي حولها. .فإن أيّا من القوى السياسية الاخرى لا يرى على ما يبدو حاجة للبحث عن حلول انقاذية باستثناء الدخول الجزئي في التسابق على الدعوة للإستجابة لشروط صندوق النقد الدولي ،بهدف الدخول في برنامج للصندوق لضخ قروض جديدة للبنان تزيد قروضه، ولكن على “أمل ان يؤدي ذلك الى اعادة تحريك عجلة الاقتصاد عبر اعادة الثقة بلبنان من قبل الدول المانحة بغطاء رضى الصندوق”…
وعلى رغم اهمية “محاولة “حزب الله إلا انه يجب مساءلته من باب الانصاف ماذا كان ينتظر طوال الفترة الماضية ،وهو يرى تسارع الانهيار الذي كان يستهدف دوره الوطني والاقليمي وتحول الى استهداف لبنان وشعبه كعقاب لعدم مواجهة المقاومة ودورها؟؟؟؟
هل كان حزب الله يعتقد ان “حملات التوعية” وتحدي استيراد المازوت من ايران لإظهار القدرة على مواجهة الحصار الاميركي الاسرائيلي كافيان لاقناع كل الشعب اللبناني بالعدوان الاميركي واعتماد خيارات استراتيجية اخرى؟؟؟؟
واذا كان لنا انتقاد على طريقة تصرف حزب الله فوضع القوى السياسية والمجتمعية الاخرى يتراوح للأسف بين المشاركة ومباركة الحصار ونتائجه على الشعب اللبناني ،وبين العجز السياسي والاقتصادي والاجتماعي وصولا الى مواقف التنصل من المسؤولية وتحميلها للغير واعتبار ان ذلك يعفي من وضع مشروع للانقاذ والعمل لاعتماده ….!!!!!!
الا ان تفسير المواقف على هذا النحو فيه الكثير من البراءة غير المقبولة والحقيقة ،تقضي بتأكيد ان المشاركين في الحصار من مسؤولين في مصرف لبنان واصحاب المصارف وبعض رؤساء الاحزاب والفاعليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلامية، هم بكل بساطة يُمكن اعتبارهم عملاء ويجب محاكمتهم على هذا الاساس من باب الانصاف ….كما ان القوى “المتفرجة” بغض النظر عن احجامها وفاعليتها تُظهر ان اهتماماتها لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية وان مصالحها في مكان آخر هي على الاقل جيوبها ومنافعها…..
وللاسف لم تقدم ولا جهة اوهيئة على وضع مشروع انقاذي باستثناء المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي اقدم سابقا وفي بدايات الازمة على وضع تصور تم وضعه في الحفظ لاستكمال مشروع الحصار ..!!
اما قمة الديماغوجية فهي الشعارات التي كانت تطرح لتبرير الازمة كالفساد مثلا …. ووضع القوانين “لمحاربة” الفساد وكأن اصدار هذه القوانين ،على اهميتها ،تعالج الازمة، او مثلا قانون رفع السرية المصرفية وكأن المشكلة الآن هي هذه السرّية وان رفعها يُعالج الازمة….. او مثلا البحث الذي لم ينته حتى الآن حول الكابيتال كونترول بعد ان ذهب وضاع الكابيتال وتمت سرقة مايزيد على ٩٠ في المئة من الودائع الصغيرة ،وما يفوق ٧٠ في المئة من الودائع المتوسطة او مثلا استعادة الاموال المنهوبة وهو شعار فارغ يعرف من يرفعه انه اشبه بدعابة …. حتى وصل السخف الى حد ان احدهم ،ويُسمّى زعيم، ان يقول ” انتخبوني رئيس وبيتغيّر كل شي” !!!!!!!……كما ان القوى ” التقدمية والاشتراكية ” مازالت تعتبر مثلا ان الضريبة التصاعدية هي اعلى ابداعاتها مع طروحات الدعوة الى العدالة الاجتماعية من دون ان تنتبه الى ان الضريبة التصاعدية باتت من الماضي وان الضريبة التصاعدية الاقتصادية الاستثمارية هي المستقبل، وان العدالة الاجتماعية تحتاج الى مشروع اقتصادي مجدي وليس شعار ابراء ذمة …
ولاشك أن الحكومة هي الوحيدة التي وضعت تصورا للإنقاذ، الا ان الحقيقة ان هذا التصور هو بكل بساطة مشروع انصياع لشروط صندوق النقد الدولي الذي يستكمل افقار الشعب اللبناني كعقاب له على عدم مواجهة المقاومة ….انه بكل بساطة “تصديق “على افقار الشعب اللبناني ….
ان لبنان يحتاج الى مشروع سياسي اقتصادي مالي اجتماعي، وليس الى شعارات او الى مشاريع انصياعية لن تؤدي الا الى زيادة القروض والاعباء، والا كيف نفسر اين ذهبت مشاريع باريس ١و٢و٣ وكل المشاريع المماثلة التي تفتقد الى مفهوم الامن القومي ….
ان كل مشروع اقتصادي او مالي اوسياسي لا يأخذ بعين الاعتبار الامن القومي وفقا لرؤية محددة، هو مشروع فاشل ولا يؤدي الا الى زيادة الازمة وتعميقها وصولا للفوضى الشاملة التي تسعى اليها الولايات المتحدة الاميركية والكيان الغاصب …..
لبنان والمنطقة بل والعالم ايضا وصل الى بدايات مرحلة جديدة، وعند التغييرات الكبرى من لا يكون على الطاولة يُقطع رأسه .. ولا يمكن الجلوس على الطاولة من دون رؤية للامن القومي …..