قمة بغداد:مؤتمر الاضطراب والضياع..والنيات الحسنة!(علي يوسف)
كتب علي يوسف:
حين تنعقد قمة في بلد عربي اساسي واستراتيجي كالعراق من دون دعوة سوريا إليها ويخلو بيانها الختامي من عنصرين اساسيين: الأول القضية العربية المركزية فلسطين، والثاني الانسحاب الاميركي من افغانستان وتداعياته.. نكون امام قمة خارج التاريخ وخارج المشكلات وبالتالي خارج المعالجات.
ويصبح السؤال لماذا إذن انعقدت القمة على شكل قمة اقليمية زائد واحد هي فرنسا؟؟
وتتفرع من هذا السؤال اسئلة عدة مثل:
– لماذا انعقدت القمة الآن؟
– إلى ماذا يؤشر اسماء الحضور وأسماء الغياب؟
– هل هي قمة أمن اقليمي؟
– هل هي قمة تعاون اقتصادي؟
– هل هي قمة معالجة للمشكلات الاقليمية الكبيرة بين الدول المشاركة؟
– هل هي قمة تعاون اقتصادي وتنمية؟
– هل هي قمة استعادة الدور الاستراتيجي للعراق في المنطقة؟
وإذا كان سر نجاح أي قمة هي استجابتها لحاجات الأمن القومي أو استجابتها لحاجات الأمن الاقتصادي أو استجابتها لتطورات استراتيجية في المنطقة أو في العالم، فإن هذه القمة بهذا المعنى خلت من أي عنصر من هذه العناصر مما يجعلها ظاهرة اعلامية لاجتماع دول (باستثناء ايران) تعاني من اضطراب ناتج عن الانسحاب المذل لراعيها الأميركي من افغانستان وضياعها في تلمس استراتيجيات جديدة يصعب الوصول الى اتفاق حولها بفعل التناقضات العديدة والتورط الكبير في التبعية للراعي الاميركي الذي لم يعطها أي اعتبار في قراراته حتى من باب إعطاء العلم والخبر. ناهيك عن التنسيق ووضع الاستراتيجيات للمرحلة المقبلة.
ولا بد من الاشارة هنا الى أن الحضور الايراني هو خارج سياق الواقع الفعلي للقمة ،وهو فقط من باب مراعاة لوجودها الاقليمي المؤقر الذي يصعب استثناؤه خصوصاً بالنسبة للعراق. ومن هنا يمكن فهم خلو البيان الختامي للقمة من ما ورد في كلمة الجانب الايراني في القمة.
الواقع والقمة
لا شك بأن القمة تنعقد في ظل واقع عربي واقليمي ودولي يتميز ب :
1- الإنسحاب الأميركي المذل من افغانستان من دون أي تنسيق أو تعاون مع شركائها في الدول الأقليمية وحتى الدولية كاوروبا مثلاً، وما يمكن ان يؤدي اليه هذا الانسحاب وإعادة سيطرة طالبان على افغانستان من تطورات اقليمية تطال معظم الدول الاقليمية التي كانت داعمة للاحتلال الاميركي لأفغانستان.
2- تعثرعودة العمل بالاتفاق النووي والرد الايراني برفع نسبة التخصيب الى مستويات عاليه وغير متوقعة.
3- عجز دول التحالف العربي والاميركي واوروبي في تحقيق أي انجاز في حرب اليمن بل حصول العكس. وبعد الأثمان الكبيرة التي دفعت من قبل هذا التحالف.
4- تمكن الصين وروسيا من احداث خرق كبير في العلاقات والمصالح الدولية أنهى عصر القطب الواحد، بل وتراجع الدور الاميركي أمام التمدد الصيني والروسي سياسياً واقتصادياً وحتى أمنياً في العالم.
5- تلمس بداية الانهيار الكامل لمشروع نشر الارهاب والتفتيت في دول الممانعة وخصوصاً في العراق وسوريا ولبنان.
6- تراجع الدور الاسرائيلي كشرطي في المنطقة وتحوله من دور مهدِّد الى نظام مهدَّد بفعل تطور قدرات المقاومة. وتورط انظمة عربية في التطبيع مع العدو الاسرائيلي على طريق “رايحين والناس راجعة”.
7- ازدياد الأزمات الاقتصادية في المنطقة رغم وجود الثروات الكبيرة المالية والبشرية وذلك بفعل حرب اليمن والحرب على الأرهاب والخلافات والصراعات وانتشار الفساد بفعل الديموقراطيات المشوهه التي أدت الى الفلتان الأمني والاقتصادي.
خارج الاستجابات
في ظل هذا الوضع هل فعلاً تشكل هذه القمة استجابة للأمن الاقتصادي أو الامن القومي أو التعاون المشترك…؟؟..
وبالتأكيد يمكن الجواب أنها لا تستجيب لأي من القضايا الاساسية والمصيرية المطروحة. فعلى صعيد الحضور نرى تغييباً لسوريا التي تحتل موقعاً استراتيجياً في الاقليم بغض النظر عن المواقف السياسية منها. كما نرى تغييباً للبنان الذي بات بوجود المقاومة لاعباً استراتيجياً في المنطقة على الأقل على صعيد الأمن القومي كما نرى تغييباً لدول عربية اساسية في المغرب العربي ذات تأثير كبير اقتصاديا وعسكرياً وهي جزء من الأمن القومي.
وعلى الصعيد الدولي نرى حضوراً لفرنسا فقط التي تراجع دورها في المنطقة بفعل تبعيتها السياسية للولايات المتحدة الاميركية ونرى غياب واضح للصين وروسيا اللذين باتا لاعبين اساسيين اقتصادياً – امنياً في المنطقة ويتعاظم دورهما بوضوح في مقابل التراجع الاميركي. وطبيعة اختيار الحضور على هذا النحو تبين القصور السياسي الاستراتيجي وغياب النظرة المستقبلية بحيث تبقي القمة في اطار محاولة تلمس الماضي بدل ان تكون محاولة لتلمس المستقبل.
والطبيعي أن السبب في ذلك هو التبعية المؤمنة للسيطرة الاميركية وعدم توافر القرار السيادي المستغل لعدد كبير من الدول المشاركة.
ويمكن التأكيد بلا أي شك أن هذه القمة لم تستجب لا للأمن القومي ولا للأمن الاقتصادي والاجتماعي. فكيف يمكن لقمة اقليمية أن تستجيب للأمن القومي خارج وضع استراتيجية لقضية فلسطين المركزية الاساسية في الأمن القومي العربي وباتت استراتيجية للأمن القومي الاقليمي بعد دخول النظام الايراني كعامل أساسي وحاسم في موضوع تحرير فلسطين من الاغتصاب الاسرائيلي. وعدم الاستجابة للأمن القومي يجعل من أي توافق أو تحالف أو استراتيجيات أو اتفاقيات بين الدول محاولات فاشلة وخاضعة للتغيير بعوامل دولية أو اقليمية أو داخلية.
وكيف يمكن لقمة اقليمية ان تستجيب للأمن القومي خارج وضع استراتيجية لوقف حرب اليمن ولمعالجة المشكلات والحروب في ليبيا والاضطرابات في غيرها من الدول في المشرق والمغرب العربي.
كما يمكن القول ان أي استجابة للامن الاقتصادي والاجتماعي لا ترتكز الى استجابة للأمن القومي هي استجابة هشّة لا تستند إلى قواعد صلبة وتتأثر بالصراعات الدولية والاقليمية على انواعها. وهي بالتالي لن تحقق أي استقرار يفترض أن يكون الهدف الأساسي منها. وأكبر مثال على ذلك هو حجم الازمات الاقتصادية التي نعيشها عربياً واقليمياً رغم الثروات الكبيرة التي تتميز بها المنطقة.
وإذا كانت القمة لا تستجيب لا للأمن القومي ولا للأمن الاقتصادي والاجتماعي ولا للواقع المستجد اقليمياً ودولياً فهل يمكن اعتبارها خطوة جزئية هدفها محاولة تهدئة الصراعات واستعادة دور العراق الاستراتيجي في المنطقة؟؟
على الرغم من أنه يمكن الى حد ما الموافقة المتحفظة على هذه النظرة الجزئية إلا أننا نرى أن التحفظ ناتج عن أن هذا الهدف قد لا يصمد أيام أو فترة قصيرة بفعل المرحلة التي وصلتها التطورات والتي هي بحاجة الى مراجعة شاملة ورسم استراتيجيات كبيرة تتلمس مرحلة التغيرات الكبرى القادمة بفعل تعديل التوازنات والتي يمكن أن ترسم عالم جديد في الاقليم جغرافيا وسياسياً واقتصادياً وأمنياً.