قضايا الأمة وضرورات الدين والسياسة..ومقولة الإمام شمس الدين (فرح موسى)
د.فرح موسى – الحوار نيوز
يسأل أحد الإخوة عن الضرورات التي تمنع كثير من العلماء من القيام بواجبهم في دفع المظالم،أو في نصرة أهل الحق،مسوغًا ذلك بما طرحه الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه”خيارات الأمة وضرورات الأنظمة”.فهو يرى أن العلماء لا يمكنهم تجاهل الضرورات الحاكمة على كثير من الأنظمة لجهة وجود معاهدات والتزامات تحول دون القيام بالنصرة على الوجه المطلوب.فالعلماء هم الذين يقدرون الضرورات بقدرها؛ويفترض بالناس أن يكونوا على وعي بما تقتضيه المرحلة والظروف،فليس لأحد من الناس أن يأخذ على كثير من العلماء متهمًا إياهم بالتقصير،أو بالخيانة في الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني!؟
إن الإجابة على هذا التساؤل تبقى رهن الوعي بما طرحه الإمام شمس الدين رحمه الله في التسعينات من القرن الماضي،ونحن كان لنا شرف مناقشة الإمام في أطروحته،وقد صدر لنا كتاب في حينه تحت عنوان “ضرورات الأنظمة منذ ثلاثين سنة”،حيث كنا نشغل مركز التحرير لمجلة “القرار”،ونتابع بحوث الإمام الدينية والسياسية،ولسنا نلوم السائل على ما طرحه طالما أن الغاية هي التعرف على حقيقة الموقف المتعلق بالأوضاع الداخلية للشعوب العربية والإسلامية،ولم يكن الإمام شمس الدين في أطروحته لاحظًا لواقع أن الأنظمة تصافح العدو،أو تطبّع العلاقات معه!وهذا ما ينبغي توضيحه قبل الحديث عن مسؤولية العلماء ودورهم في نصرة قضايا الأمة والدفاع عن حقوقها المشروعة في فلسطين.
فالإمام شمس الدين هو صاحب العنوان الديني السياسي الشهير:”إن أحدًا في الدنيا لا يملك شرعية أن يزيل هوية التراب الفلسطيني من كونه فلسطينيًا فيكون إسرائيليًا…”.هذه هي الأطروحة الحقة التي يجب التوقف عندها،والتفقه فيها على نحو يجعل منها عنوانًا لكل مرحلة بمعزل عن الظروف والمعطيات لكونها تعبر عن حقيقة الموقف الديني الثابت والراسخ، ولا يمكن لأي نظام مهما بلغ شأنه أن يترك فلسطين وأهلها ليكونوا عرضة للعدوان والتهجير!؟
لقد طرحت أسئلة كثيرة حول جدوى طرح الإمام لمسألة ضرورات الأنظمة،وقال في لحظة علمية حاسمة، عبرنا عنها في كتابنا،أن العلماء لا يمكنهم أن يحوّلوا الأمور عن وجهتها،بحيث يسوّغوا للأنظمة ما تراه مناسبًا،سواء في الدين،أو في السياسة،وعليهم تقع مسؤولية الوعي الديني بالقضية الفلسطينية،فهي قضية مقدسة تعني الأمة في وجودها ودورها،وفي كل عباداتها،وإن أي مشروع يُخرج هذه القضية عن كونها كذلك،بأن يجعل منها مجرد قضية سياسية أو إنسانية،فهو مشروع لا قيمة له لا في الأرض ولا في السماء.وهكذا نرى أن التلبس بالضرورات لأجل التماهي مع أطروحات السلام،أو التطبيع،فهو لا يعبر عن مضمون أطروحة الإمام رحمه الله،وهو كما قلنا تلبيس على القضية وتشويه لها من حيث كونها أطروحة جاءت لتمنع من الحروب الأهلية،وتقدير الأمور وفق قاعدة حفظ النظام العام،التي تأتي في رأس أولويات اهتمام الفقيه في أزمنة كادت تتلاشى فيها معاني الحوار والوحدة وحماية السلام الأهلي،وإن أي تسويغ لهذه الأطروحة وفق ما تراه الأنظمة لذاتها من دين ورؤية سياسية،فهذا مما لا ينبغي أن يعبأ به في ظلال الدعوة إلى السلام مع العدو أو التطبيع معه.
فالضرورات إنما تخدم الأمة في علاقاتها مع أنظمتها الحاكمة.أما أن تكون مسوغًا للأنظمة في ترك الأعداء يقتلون الشعب الفلسطيني، فهذا مما لا تقوم له ضرورة،ولا تدعو له ديانة،لأن فلسطين وقدسيتها كانت وستبقى شرطًا لقدسية تحرك كل شعب وكل أمة،فإذا ما أردنا أن نحقق لأنفسنا معنى الدين والهوية،وأن نعطي لوجودنا معنى الحياة،فلتكن فلسطين قبلة،ولا ينبغي أن تنسى الأنظمة أنها كانت كذلك وقد صلى رسولنا محمد (ص) إلى القبلتين ما يعني ضرورة أن تبقى فلسطين وجهة وهدفًا مقدسًا،فلا التطبيع ولا السلام يعطي للأنظمة أحقية أن تبرم في الأرض ما لا ترضى عنه السماء،ولن يبقى لوجودها معنى،إن هي تراخت عن قدسية الجهاد من أجل فلسطين!؟ فأي ضرورة هذه تمنح النظام العربي ،أي نظام عربي،أو إسلامي،فرصة أن يفوز بالسياسة على حساب الدين والقداسة.فالضرورة لا تعني تهويد فلسطين،ولا التآمر مع العدو،ولا تغيير منهجيات الدين والحياة لأجل الفوز برضاه،فكل ضرورة تقدّر بقدرها،إلا أن تمنع إصلاحًا،أو تحقق إفسادًا،فتسقط عن أن تكون ضرورةِ لتكون خيانةً في الدين والدنيا…والسلام.