كتب مارسيل خليفة – سيدني استراليا
“قل العابر أن يعود
نسي ظلّه هنا
وحين نأى هدأت الريح “
يستدرج ” وديع سعادة ” أيّامه إلى الصمت، كيّ يقيس فيها ما تملك أن تقول، وكيف تفحص في مرآتها درجة الوضوح في البوح بما يجول. وكلما تعيّن المجاز في ملكوت الصمت خرج من غموض السكون إلى صورة مدركة .
في البدء كانت قصيدة وديع سعادة شغف أثير لا ينتهي في مسرح الكلمات الرحب. ومنذ سنين حوّل “الشاعر” صمته الساطع إلى قصيدة خرسٌ لفظيّ .
فلا العالم اليوم طوع بَنَانَه، ولا الخيالات عجين إمكانه، ولا الممكنات وصيفات تضفي إكليل التمكّن على ما يشاء .
في صمته غزل الممكن اللا نهائي للحياة.
جمرة المعاني المتقدّة ، تحت رماد الحاضر .
كعبة المطلق المنصوبة في النسبيّ .
لهفة العاشق العابر اللا محدود .
لا يريد ” سعادة ” أن يتعالم وأن يتحالم بعد وجبة أيام موجعة في الهجرة، وحمّام أسئلة من جحيم موت القصيدة. ولن تكون الكتابة ممكنة حتى لو أمكن تحرير الممكنات من زنازين الرأس واللسان وحرّاس الحقيقة المارقة .
القصيدة الصامتة أم صمت القصيدة ما استحال على الخيال في لغة تعقل المعنى وتُلقي بشاعرها في غياهب الأيام .
وديع سعادة ذاق مرارة عذاب الألم منذ أبصر النور في “شبطين” ببلاد البترون ، فكان شاعراً بالفطرة . فكتب بخط يده ديوانه الاول: ليس للمساء إخوة ثمّ توالت الدواوين وصولاً الى منفاه الأسترالي – القسري حيث لم تسعفه القصيدة فترسَّلْ .
لم يضع منه المعنى العميق ولم يُعِدْ له زفافاً لغويّاً يليق به . فلربما لن يداهمه ثانية . ولربما إن أتاه بوهج أقّل . . ولهذا يدوّن اليوم قصيدة صمته حين يفجئوه صمته كيفما اتفق .
يسجنه في زفرة ويدَع ترويضه للآتي : للحظة تكون فيها اللغة طليقة اليومي وقيوده ، فيسمو بصمته فوق معدّل مألوفه من الكلام .
يا وديع ، لا تصدِّق أن بينكما ما يقيم للفصام فلسفة وعرشاً وإن يكن الكلام وراء ستار وجهك الضاحك . وما الكلام إلاّ صمتك وقد أفلتت أنّاك من عقالك ليكون الصمت ما تكون ، وتكون الصمت حين يكون .
صمتك لحظة مختلسة في ملكوت الشعر. فهو إن عَلاَ على الشيئيّة والتعيّن المادي، نَاظَرَ الموجود في وجوده كما يناظر الفراغ والموت والعدم وبياض القصيدة الأبدي . إنه اللغز الذي طارد كلماتك .
ولا سبيل لديك إلى الصمت إلاّ أن تغمده في السؤال اكثر ثمّ اكثر .
يا شاعر الموت الذي يعصف او يعوي .
يا زوبعة جنون مفتون في شظيّة قصيدة تحرق او تدوّي .
تمنحنا اليوم قصيدة صمتك – قبلة او محنة – تهزمنا مرتين في الكلام وفي الصمت
أنتعل خطوك ولا تنتظر وانطلق حاملاً على كتفيك ألواح قصيدة صمتك .
لا تُصغ في النهاية إلى أحد .
كن أنت نفسك وانطلق .
انطلق الى نفسك .
والقصيدة ما بقي لك بعد أن ينتهي في الرأس هذا الحطام .
” لم يكن المصطفى ولا السيّد، ولا سفينة له ولا هيكل ولا تلاميذ. ولو سألوه ما كان سيجيب. لم يكن يعرف جواباً. كان يعرف فقط أن الهبوب يجرف كل شيء الأسئلة والأجوبة والكلام، ويصمت “
زر الذهاب إلى الأعلى