الحوار نيوز – خاص
يُمسك أبو مُحَمَّد بقايا شعر رأسه يتنهد ويقول: أحلى الأيَّام، الأيام التي مَرَّت، وأجْمَلُها على الإطلاق ذكريات الدراسة، وأنا أستغرب كيف يشكو أولادنا دائماً من المدرّسين والمدارس.
يَضْحَكُ أبو مُحَمَّد فجأة، يلتفت إليك بعد أن يضرب على ركْبَتَيْه بنشوة، وَيُضيف: سأروي لك قصة ما زالت حاضرة في ذهني حتى هذه الساعة.
كان والدي يرحمه الله قاسياً جداً معي، وكان دقيقاً للغاية، وكُنتُ أحاذِر كثيراً أن يَعْرِف قِصَص “شيطنتي” في المدرسة. أذكر أنّه على أثر إحدى هذه “الشيطنات” طلب مني ناظر المدرسة، وكان حديث العهد فيها، أن أحضر ولي أمري. صُعقت للطلب وخَرَجْتُ من المدرسة أُفتِّش عن طريقة للتخلص من هذه الورطة.
سَرَحْتُ في شوارع المدينة على غير هدى إلى أن لفت نظري بائع متجول في عُمرِ والدي في ذلك الوقت. كان رجُلاً مربوعاً قوي البنية يُوزّع ابتساماته على اليمين والشمال. فجأة “حَبكِت معي”، تَقَدَّمتُ منه بِكُل أدب وَرَوَيْتُ لَهُ قِصَّتي.
ضحك وقال: أين المدرسة؟
قلت: ليست بعيدة من هنا.
قال: سر أمامي وأنا أتبعك لنرى كيف “نحلّها” مع هذا النَّاظِر “الخبيث”.
ما أن وَصَلْنا حَتَّى غَيْرَ الرَّجُل من سُحنَتِهِ وأمسكني بيدي بقُوَّة وقال للنَّاظِر : أخبرني بِرَبِّكَ ماذا فعل إبني كي أتولى تأديبه أمامك كي لا يُعيدها أبداً..
وهنا ابتدأت مسرحيّة ذَكَّرَتني بقتل يوليوس قيصر … النَّاظِر يَشرَح وَأكُف صاحبنا الثقيلة والقوية تنهال على وجهي، تفصل بينها اللعنات.
كانت هذه “العلقة” آخر عهد لي بالشيطنة. ومُنْذُ تلك الفترة وأنا كما تعهدني أُقلب الأمر ألف مَرَّة قبل أن أُقْدِم على عَمَلٍ ما.
ضَحِكْت قائِلاً: “ما قَصَّر”… ولكِن قُل لي ماذا حَدَث بَعْدَ ذلِك؟
قال: دَخَلْتُ إِلى الصَّفَ بِوَجْهِ مُتورّم ،وَخَرَجَ صاحبنا يَكْبِتُ قهقهات مُجَلجلة.
قلتُ: وَهَلْ التقيت بالرَّجُل مَرَّة ثانية؟
قال: لا بل قصدته فقال لي ضاحكاً :يا بني لقد أحْبَبْتُكَ وَأرَدْتُ أن أكون فعلا بمثابة والدك، وأَقْدَمْتُ فعلاً على عَمَل “الواجب” الذي أتصور أن والدك كان سيقوم به !!