ثقافة

قصة جيلنا مع الادب الروسي /السوفييتي* (طلال الإمام)

 

طلال الامام /السويد –الحوار نيوز

قصتنا وقصة جيلنا مع الادب الروسي /السوفييتي  قصة عشق لا تنتهي، شهدت صعوداً ونزولاً. قصة عمرها أكثر من خمسة عقود، ولها جملة أسباب، فقد كانت رفوف المكتبات المنزلية لأبناء جيلنا، وواجهات المكتبات العامة تمتلىء بأعمال الأدباء الروس: تلستوي، دوستوفيسكي، ليرمنتوف، بوشكين، مكسيم غوركي، جنكيز ايتماتوف، رسول حمزاتوف وغيرهم… لم يكن الدافع آنذاك ثقافياً بحتاً، إنّما مزيج من السياسة والثقافة…

بدأ الأدب الروسي في نهاية ستينات القرن الماضي ينتشر في سورية في أوساط الشبيبة التقدمية ويلهمها، فقد قرأنا: “الفولاذ سقيناه”، “آنا كارنينا”، “الحرب والسلم”، “أبطال قلعة بريست”، “الأم”، وسلسلة “مدافعون عن وطنهم السوفييتي”، طبعاً بالإضافة إلى أعمال كلاسيكي الفكر الماركسي. وقد لعبت وزارة الثقافة السورية دوراً مميزاً في انتشار الادب الروسي عبر دعم ترجمات العديد من عيون الادب الروسي، واقامة معارض للكتاب السوفييتي في دمشق العاصمة والمدن السورية الاخرى، وعرض أفلام في التلفزيون ودور السينما، وتقديم مسرحيات لأدباء روس. هذا فضلاً عن دور الأحزاب التقدمية في تشجيع جمهورها الاطلاع على هذا الأدب… لعبت مجمل هذه العوامل دوراً ايجابيا في إغناء ثقافتنا العربية وثقافة الشبيبة بشكل خاص… أي كان لها دوراً تنويرياً… وانعكس ذلك في تأثر العديد الكتاب السوريين في مختلف ألوان الأدب في تلك الفترة بشكل واضح جداً بالأدب الروسي، وأفكاره من حيث المواضيع التي يطرحونها: بث الروح النضالية، الوطنية، الإنسانية، قضايا الصراع الطبقي (الفقر، الظلم،)مساواة المرأة بالرجل وحقوق الطفل وسواها…

يمكن إضافة تجربتي الشخصية في هذا المجال. عملت بعد ان أنهيت دراستي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو (كلية الآداب) في مكتبة ودار توزيع ميسلون المعروفة في دمشق،  كانت مكتبة ميسلون تعج يومياً بطلاب جامعة، موظفين، عمال، مثقفين يترددون لشراء عيون الأدب الروسي؛ وهذا يؤكد مرة أخرى على دور هذا الادب الايجابي في تنمية الوعي لدى الشبيبة والمجتمع وتلبية بعض حاجاتهم الروحية. إنّما مع بداية تسعينات القرن الماضي وانهيار المنظومة الاشتراكية بدأت رياح استهلاكية تعصف بمختلف جوانب الحياة في العالم، ومن ضمنها سورية طبعاً. وبدأ الاهتمام بالأدب الروسي يتراجع على حساب تصاعد كتب دينية /أصولية، أو استهلاكية (ابراج، الحظ، تعلم فنون الطبخ، الازياء وما شابه ذلك). استمر التراجع المؤسف لدرجة أغلقت كثير من المكتبات التي كانت منارة للأدب الطليعي والانساني أبوابها، وتحولت إما الى محل بيع أحذية، أو مأكولات، أو تصريف عملة… إنّه أمر محزن للغاية…

من جانب آخر لابد من الاشارة إلى أنّ كثيراً من الأجيال التي ترعرعت في ظل الثقافة السوفييتية /الروسية سواء ممن درس في الجامعات والمعاهد الروسية، أو تربى على تلك الثقافة بقي مخلصاً لها ويعمل ضمن ظروف صعبة للغاية على متابعة ذلك النهج عبر ترجمة اعمال روسية للعربية ( كما يفعل الأساتذة: شاهر أحمد نصر, عاطف البطرس، د. ثائر زين الدين، والأديب والشاعر أيمن أبو الشعر… والقائمة تطول)، واستمرار التواصل مع المؤسسات الثقافية الروسية. وأتمنى أن يقوم المركز الثقافي الروسي في دمشق بتفعيل جهوده في هذا المجال، ويدعم أي نشاط يرمي الى تقوية وجود الثقافة الروسية في سورية… ولوزارة الثقافة دور مهم طبعاً في هذا المجال… أعتقد أن هكذا عمل يحتاج الى دعم مؤسسات، لا يمكن لأفراد القيام به وحدهم مهما بذلوا من جهد… ختاما أعدّ جيلي محظوظاً لأنه عاش في مرحلة ازدهار الأدب السوفييتي- الروسي في سورية كما وفي البلدان العربية الأخرى. إن التعاون الثقافي بين سورية وروسيا ليس وليد بضع سنوات، إنما جذوره راسخة وعميقة في تاريخ العلاقات بين البلدين والشعبين الذي نأمل ان يستمر ويتطور”.

 

*مداخلة قدمتها بطلب من الصديق شاهر احمد نصر حول تأثير الادب الروسي /السوفييتي على جيلنا، جيل السبعينات من القرن الماضي ،تم تقديمها  الى المؤتمرين العلميين العالميين اللذين عُقدا في جامعة موسكو في شهري نيسان، وأيلول 2022

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى