محمد صادق الحسيني
كل الأنباء التي كانت ترد من إسلام آباد إلى عواصم مهتمة بالشأن الباكستاني، كانت تشي بأن ثمة تحولات كبرى في طريقها للوقوع في باكستان، والتي تراوحت بين اغتيال رئيس وزرائها عمران خان ، او الاطاحة به بانقلاب عسكري ، حتى استقر الامر على سيناريو حجب الثقة عنه في البرلمان..!
وكان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قد كشف مؤخراً عن خطة اميركية اعدت ضده في الخارجية واجهزة المخابرات الاميركية للاطاحة به.وقال عمران خان بان “دونالد لو ” مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون جنوب اسيا واسيا المركزية هو من كان المكلف بتنفيذها..!
وطبقاً لمصادر مقربة من المسؤول الباكستاني فان دونالد لو ، وفي اجتماع له في الخارجية الاميركية مع سفير الباكستان في واشنطن حصل قبل مدة بعيدا عن الاعلام ، حذر سفير اسلام اباد ، مما أسماه “تمادي عمران خان في سياساته المعادية لواشنطن وتلك المتفهمة لسياسة روسيا والصين ، ما يجعل استقرار باكستان بوجود عمران خان غير مضمون..!”
هذا اللقاء في الواقع كان بمثابة الشرارة التي اشعلت الازمة الاخيرة للحكم في الباكستان،الامر الذي جعل عمران خان يطلب من اجهزة المخابرات المتعاونة معه مراقبة تحركات السفير الاميركي في اسلام اباد.
وهنا اكتشف عمران خان ، لقاءات بالجملة وبشكل مكثف تعقد بين قادة المعارضة الباكستانية بالاضافة الى عدد كبير من النخب والصحفيين الموالين للغرب مع السفيرة الاميركية هناك ،وان محور اللقاءات يدور حول مستقبل الحكم من دون عمران خان.ولما تمكن عمران من تجميع تسجيلات لتلك اللقاءات ووثائق تدين المعارضة قرر ان يبدأ المعركة هو قبل ان يبدأوها ضده.
فبعدما تأكد له أن السفيرة الاميركية طلبت منهم العمل على اسقاطه في البرلمان من خلال سحب الثقة ، وعبر قيادة الجيش إبلاغه ان يخيروه بين الاستقالة او الاسقاط بالبرلمان ، قرر اللجوء الى كشف المستور علنا اولا ، وذلك لحماية نفسه في الشارع ، ومن ثم اللجوء الى سلاح الصلاحيات حسب المادة الخامسة التي تمنع تدخل الاجانب في شكل نظام الحكم.
في هذه الاثناء ابلغ قيادة الجيش رفضه للاستقالة.ولما حان موعد طرح الثقة في البرلمان المتشظي والذي باتت تملك المعارضة اغلبيته بسبب الدعم المالي المكثف من قبل السفارة الاميركية وسفارات عربية انتزعت منه حتى “حركة القوميبن المهاجرين” التي مقرها كراتشي، والتي كانت متحالفه مع حركة “انصاف” التي يراسها عمران خان ، قرر الرجل حل البرلمان مهددا المعارضة بالكشف عن لقاءاتها مع السفيرة الاميركية ، مستبقاً الخطوة باجتماع طارئ مع مجلس الامن القومي الباكستاني الذي اضطر للوقوف معه حسب المادة الخامسة التي تدين اي تدخل خارجي كما اسلفنا.
وبهت الذي كفر ، كما يقال، ووقع بيد المعارضة التي اصبحت امام امر واقع لا فرار منه.وحصل ان نال دعم وزير القانون وكذلك رئيس الجمهورية لخطوته الحاسمة والقاضية على احلام المعارضة.وبهذا يكون الرجل وطبقا للدستور الباكستاني قد استطاع ان يربح الجولة الاولى بامتياز.
هو الان رئيس وزراء مؤقت لمدة ١٥ يوما، على ان يتم بعد ذلك وطبقا للدستور ايضا ،الاتفاق مع المعارضة على اختيار رئيس وزراء مؤقت كذلك لمدة ٣ اشهر وظيفته الاشراف على الانتخابات فقط ،والذي يجب ان يكون غير منخرط في العملية الانتخابية حسب الدستور .
ويعتبر هذا الوضع الان هو الوضع المثالي لعمران خان من حيث التجييش والحشد الشعبي بعد ان اصبح بطلا قوميا نسبيا ، ورفع شعار الموت لاميركا ، هو وبعض نوابه في قلب البرلمان ، بعد ان كان مثل هذا الشعار لا يسمع الا في الشارع ومن قبل احزاب وطنية او دينية من نوع مختلف ، من بينها الاحزاب الشيعية القوية الميالة لثقافة المقاومة وايران، وهوما سيجعله يربح الانتخابات القادمة بشكل كبير، وربما ينال الثلثين ايضا حسب مصادر قريبة منه ، بالرغم من انه لا يحتاج الى النصف زائدا واحدا لتشكيل الحكومة المقبلة.
امتلاكه لهذا التقدير للموقف وللوثائق التي تدين قادة المعارضة ، ورؤية ثاقبة لتحولات العالم ،خصوصا انطلاقا مما يحصل في اوكرانيا ، هو الذي جعله واثقا من نفسه لاطلاق اقواله الشهيرة للاميركان، والتي عمت مدن الباكستان عشية جولة المبارزة الاخيرة بينه وبينهم وهي :”لسنا عبيدا عندكم، والشعب اختار الاسلام مقابل اميركا ، ولن تتمكنوا من اسقاطي ، وانا عائد للحكم بقوة اكبر…!
وكان زعيم حركة “أنصاف” قد خسر الاغلبية النيابية مؤخراً مقابل تزايد شعبيته في خارج البرلمان ، وذلك على خلفية تصادمه مع الادارة الاميركية في سياستها الباكستانية عموما ،سواء في ما يخص الداخل حيث عززت واشنطن دعمها لخصومه في تحالف مشرف – زرداري- فضل الرحمن الوهابي المرتبط بالسعودية ، مرورا بالملف الافغاني ، الذي جاء على حساب الدور الباكستاني التقليدي فيه ، وصولا الى المنعطف الاخير الذي ما زال يتفاعل بشدة في المسألة الاوكرانية ، حيث اصبح الطرفان على طرفي نقيض ، لاسيما بعد رفضه الانصياع للموقف الاميركي المعادي لروسيا والصين ، والذي بدأ عمران خان يرى فيهما مع ايران مثلثا دوليا صاعدا يمكن الرهان عليه لصياغة عالم بديل متعدد الاقطاب.