كتب واصف عواضة
وزير الاعلام اللبناني،والإعلامي العربي القدير، جورج قرداحي متفائل على حذر.يقول بصريح العبارة:نحن على أبواب جهنم ،فإما أن ندخل إليها صاغرين أو نسد أبوابها ،لكنني آمل بالمصير الثاني لسبب وجيه .فقد لمست من خلال الإجتماعات القليلة لمجلس الوزراء ولجنة البيان الوزاري أن لا متاريس داخل الحكومة ،وأن الرئيس نجيب ميقاتي يتمتع بحكمة وطول أناة ،وهذا ما يدعوني الى نوع من التفاؤل.
أمام مجلس نقابة المحررين الذي حضر بنصاب شبه كامل لملاقاة “الزميل العريق” في وزارة الإعلام،بدا قرداحي سعيدا بلقاء زملاء يعرف معظمهم عن قرب.أشواق وقبلات رغم “الكورونا”،واستطلاع عن الأحوال ،قبل الدخول في “حضرة القطاع الإعلامي” وهمومه ومشاكله.
يسأل قرداحي بداية :هل تصدقون أنني ضد الحريات الإعلامية؟
يضيف:الحملة الإعلامية التي شُنت عليّ بسبب كلامي عن الضوابط كانت ظالمة .كل ما دعوت إليه هو التخفيف من مقابلات تدعو الى الويل والثبور والخراب وعظائم الأمور.فأي حرية تكون بلا ضوابط؟وهل في أرقى الديموقراطيات في العالم حرية من دون ضوابط؟أوليست القاعدة العامة تقول إن حريتك تنتهي عند المساس بحرية الآخرين؟
يخلص الى القول: على كلٍ “المسامح كريم”(وهو إسم البرنامج الذي كان يديره قرداحي في الفترة الأخيرة).أريد مساعدتكم والتعاون مع زملائي جميعا من أجل معالجة هذا الموضوع ،كي نتجنب المس بكرامات الناس .الانتقاد مشروع، لكن السباب والشتائم ليست من شيم الإعلام الراقي.
قبل الغوص في الشأن الإعلامي والعام كانت كلمة للنقيب جوزف القصيفي بدأت ب”نقزة” من الجميع :” لا اهنئك بمنصبك الوزاري.. بل أقول لك إنك إبن العائلة الصحافية والاعلامية الكبيرة التي دخلت ناديها واثق الخطوة، متمكنا من أصولها وقواعدها، وبدأت متدرجا حتى بلغت الصفوف المتقدمة، عدتك ثقة بالنفس، وجرأة في المقاربة ، وتضلع من اللغة وسلامة في النطق، وسلاسة في التعاطي مع الآخرين.
أضاف القصيفي:”إن زيارة مجلس نقابة محرري الصحافة اللبنانية لك اليوم ، وأنت على معرفة باعضائه وطول باعهم في عالم المهنة واخلاصهم في الانتصار لزملائهم ، لن تكون يتيمة، ونلح على أن تستتبع بجلسات عمل لبحث أوضاع القطاع الاعلامي في لبنان، وما يشكو من تعثر في غير مجال.وباختصار إن لبنان بات في حاجة ماسة للحاق بالتطور الاعلامي المتسارع، والمتحول يوما بعد يوم، وأن يدفن إلى غير رجعة قوانين تقادم عليها الزمن، ولا تصلح لعصرنا الحالي”.
يختم القصيفي: نريد لجورج قرداحي أن يخلّف بصمة في وزارة الاعلام، كما خلف في العديد من المواقع التي سبق أن شغلها.ومن موقع الصديق والزميل اقول :إنك أمام التحدي الكبير، وأن الكرة في ملعبك وعليك أن تصوب وجهتها نحو الهدف الصحيح، لتسجل ما ينتظره اللبنانيون منك من نقاط في المرمى الاعلامي. وانه اذا ارتضيت لاحد برامجك عنوان ” المسامح كريم” ، فانك لن تقبل به أثناء ولايتك على وزارة الاعلام، لأنك جئت للعمل، ولن تسامح نفسك إن أعرضت، ولن تعرض”.
يرد قرداحي شاكرا النقيب وأعضاء مجلس النقابة :أرجوكم تجنب كلمة “معالي”.أنا لا أحب هذا التعبير ،فكيف إذا كانت بين زملاء أحباء وأصدقاء. منذ اليوم الأول لتسلمي الوزارة، بدأت العمل بكد ومثابرة وتواصل للبحث عن نقاط الضعف في وزارة الاعلام والمؤسسات التابعة لها،وأنا أقوم بعقد اجتماعات متتالية مع رؤساء الاقسام للاطلاع على واقع هذه الوزارة لدرس الخطط المستقبلية التي سنتبعها..صراحة الوضع محزن .زجاج مكتب سكرتيرتي في الوزارة ما يزال محطما.لأشهر عدة خلت كانت الوزارة بلا مياه لتعطل “طلمبة” المياه.هذا في الشكل ،أما في المضمون ،فالواقع الإعلامي ليس مشرقا.
متوجها الى الحضور:”أنا بحاجة لخبراتكم ومساعدتكم، فأنا منكم والوزير وحده لا يستطيع ان يفعل شيئا، وانا انتمي الى هذه العائلة، الى هذه الاسرة الإعلامية التي ستساعدني على تطوير الاعلام في لبنان والى إرساء قواعد حديثة سواء كانت قانونية او حتى اخلاقية”.
يدخل قرداحي في الجد: “هناك شكوى كبيرة من السواد الاعظم من اللبنانيين من تفلت بعض الاعلام.سنعمل عل درس وإعداد ميثاق شرف اعلامي مع زملائنا الإعلاميين، يهدف الى احترام كرامة وحريات وحيثيات الاخرين، إضافة الى دراسة قوانين اخرى موجودة في اللجان النيابية. اننا مقبلون على مستقبل جديد، فلنرس أنظمة وقواعد للاعلام اللبناني على المدى البعيد.نريد اعلاما على صورة لبنان الذي نعرفه، لبنان الرحابنة وفيروز. فهذا هو لبنان الجميل وليس لبنان الذي يشهد نوعا من التفلت بسبب الظروف التي مر بها بلدنا من كورونا والتحركات الشعبية”.
يأسف قرداحي ل”تضعضع ومصادرة القيم التي تربينا عليها. المبدأ الاساسي للاعلام ،وهو الحرية التي نقدسها، لكن حرية المرء تقف عند حدود حرية الاخرين. وهذا مبدأ عالمي فلا يجوز انتهاك حريات وحرمات الناس والاعتداء عليهم بالشائعات المغرضة و بالشتائم أحيانا. لا يوجد اعلام في العالم يسمح بهذا الامر ،فهناك قوانين تضع ضوابط كفرنسا مثلا التي هي ام الحريات حيث لا يمكن الاعتداء على كرامة الناس والسياسيين”.
يغوص الزملاء مع الوزير في قانون الإعلام المرتجى.يطلب مزيدا من المعلومات حول مشاريع واقتراحات القوانين المطروحة.فالنقابة شاركت في إعداد الكثير منها ،وكان لها ضلع في تصويب الكثير من الأمور في هذه المشاريع والاقتراحات.يصر الوزير على مشاركة أهل المهنة في إخراج هذه القوانين الى النور.
في ختام اللقاء تسأل الزميلة “المشاغبة” سكارليت حداد:لماذا ارتضيت أن تكون وزيرا؟
يرد قرداحي :تعرفون أنني لا ينقصني الجاه ولا الشهرة.وقد تخليت عن عقدي عمل “محرزين”.وعندما طرح إسمي ترددت وفكرت كثيرا.لكنني وافقت على أمل أن تكون لكل منا مساهمة ولو متواضعة،وكل في مجاله،في الإنقاذ ،وأرجو أن نستطيع ذلك.
يقاطع الزميل علي يوسف:على العكس .كل إسهام في الإنقاذ من أي موقع هو عمل أخلاقي ومشرف.
يعلق واصف عواضة:ولكن يا معالي الوزير سوف تعوض خسارتك من الراتب الذي ستتقاضاه شهريا ،وهو نحو سبعمائة دولار(يضحك الجميع).
ينتهي اللقاء بعد ساعة وربع الساحة بمثل الرحابة التي بدأ بها ،على أمل المزيد من اللقاءات ،لعل وعسى يستطيع قرداحي إضاءة شمعة في ليل الإعلام الدامس ،خاصة لجهة الأوضاع المزرية للأسرة الإعلامية في ظل الانهيار الحاصل.
زر الذهاب إلى الأعلى