إقتصادمصارف

قرار إعادة تقييم الأصول المصرفية :تحسين محاسبي ..والمودع هو الخاسر الأكبر( عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

 

في خطوة ليست مفاجئة ، أصدر وزير المالية في 5 آب 2025 قراراً يسمح للمصارف اللبنانية بإعادة تقييم العقارات والأصول المتملّكة استيفاءً لدين ، وفق أحكام المادة 154 من قانون النقد والتسليف ، وانسجاماً مع القانون رقم 330/2024.

حمل القرار طابعاً تقنياً يعكس محاولة حكومية لتحديث ميزانيات المصارف من خلال تعزيز رساميلها ، وسط مشهد نقدي متقلّب وضغوط متصاعدة من صندوق النقد الدولي لإظهار بعض “الحوكمة المالية”.

من الناحية المحاسبية ، يُعد القرار منطقياً ، فاعتماد قيم تاريخية للعقارات في بلد تراجعت فيه العملة الوطنية بنسبة تفوق 95% لم يعد يعكس أي منطق اقتصادي، وبالتالي فان السماح بإعادة التقييم بناءً على أسعار القيمة السوقية الحالية وبسعر صرف رسمي موحد وفق فترات محددة يمكن ان يساهم في توحيد المقاربات بين المصارف ويمنع التلاعب بالميزانيات والتقارير المالية الصادرة عن المصارف .

كما أن إدراج فروقات التقييم ضمن حساب الرساميل الخاصة (الحساب 103) من دون السماح بتوزيعها ، يوفّر تعزيزاً لرساميل المصارف على الورق ، بما يريح مؤشرات كفاية رأس المال ويساعد في تلبية بعض متطلبات الرقابة الدولية وخاصة متطلبات بازل 3 النهائية والتي يشار اليها احيانا ببازل 4 بشكل غير رسمي .

لكن رغم هذه الإيجابيات، يطرح القرار مجموعة من الأسئلة الجوهرية حول الأثر الحقيقي على الأزمة البنكية . فالقرار لا يولّد سيولة جديدة ، ولا يغيّر شيئاً في قدرة المصارف على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المودعين. هو ببساطة تحسين محاسبي، لا أكثر.

بل أكثر من ذلك، فإن خطر تضخيم التقييمات العقارية يبقى قائماً ، خاصة في ظل ضعف الرقابة واحتمال ضغوط المصارف على الخبراء لإبراز أرقام أكبر من الواقع ، ما يخلق فجوة إضافية بين القيم الدفترية والسوقية الحقيقية ، ويهدد بشفافية القطاع العقاري ، كما ان عدم إدراج الفرق في الكلفة الفعلية لأغراض التفرغ العقاري قد يؤدي إلى ارتباك في المعالجة الضريبية، وربما حرمان الخزينة من إيرادات مستقبلية كان يمكن تحصيلها.

من ناحية اخرى هذا القرار لا يشمل التحقيق في العقارات التي تم بيعها من قبل المصارف خلال السنوات الخمس السابقة، اي خلال فترة الازمة، وبالتالي هناك امكانية كبيرة لتهريب الكثير من السيولة من خلال عمليات بيع وهمية قامت بها المصارف .

ان الرابح الأول من هذا القرار هو القطاع المصرفي ، الذي بات يمتلك أداة جديدة لتحسين صورته أمام الخارج ، من دون أن يضخّ دولاراً واحداً في الاقتصاد. ويستفيد مصرف لبنان من تخفيف الضغط عن النظام ، على أمل تحسين المفاوضات مع صندوق النقد.

أما الخاسر الأكبر فهو المودع اللبناني ، الذي يرى قرارات متتالية تصبّ في مصلحة المصارف من دون أن تعيد له حقوقه ، فيما تبقى الخسائر معلّقة ، بلا توزيع عادل أو خطة تعافٍ شاملة.

في النهاية ان هذا القرار هو قرار تقني ومطلوب من حيث الشكل ، لكنه يندرج في إطار “الهندسات المحاسبية” لا الإصلاحات المالية الحقيقية، وبالتالي فإن تحسين الدفاتر والارقام المحاسبية لا يصنع نظاماً مصرفياً سليماً، ولا يعيد الثقة المفقودة. وحدها المقاربة الشاملة، التي تبدأ بتوزيع الخسائر بشكل منصف، وتُقرّ بخسائر المصارف والمصرف المركزي، يمكن أن تشكّل حجر الأساس لأي نهوض مستقبلي.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى