كتبت علويةهاشم فياض – الحوارنيوز
دعيهم، أزيلي ستر الظلام*…
يرتعدون في سرّهِم
هم الكاذبون!
هل أجمل من “شمس”؟( اسم بطلة الرواية)
دعيهم في جهلهم يعمهون
دعي “شمس” تعاني أدران النفوس جيداً كي تزول
وعددي … عددي الآلام ما شئت وما شهدته العيون
هكذا العدل يكون.
أنا أخطيء وأخطيء كثيراً وقبلها المسيح قال: “من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر”. وفاء أخضر تدسُّ يديها في الجمر وتكتب عن الراجمين رواية من عمق الأنا لأنها تجرؤ أن تكتب ذاتها.
إنها رواية عن الطريق قبل “فوات الحياة”. هي محاولة لفكّ رموز التمرّد وشيفرات التزمّت. تسأل: “أين رسائلك يا الله”؟ أينك يا الله!؟
أنا لا أجد غير مأزومين يعانون من أزمة هوية، فتقول: “القيم الحقيقية هي التي تحافظ على الحياة وتُحسّنُ شروطها”، لكن أين هي؟ كلها غائبة!! وتجزم بأننا “نحتاج سُلّم قيم جديد يخدم الحياة ولا يخنق الأحياء!”
ف”هذا العالم كلّه من نظام أقرب إلى التزمت القاتل/ فوضى/ همجية/ حرب/ فقر/ خوف/ يُتم/ قهر، حتى أمي وأبي يتيمان من قبل أن يتفتح وعيُهما!”
و”كلُّ الطرق من بكاء وموت” … لكنها لا تنسى أن تؤكد أنها عاشقةٌ للفرح والحياة.
وفاء أخضر الخضراء بفكرها هي مناصرة جديدة وبقوة للإنسانية وليس للمرأة فقط، أنتَ لا تشعر أنك تقرأ في كتابها عندما تفتحه لكنّك تسمع صوتا كأنها تكتب بلسانها، هي الباذخة بالتعب، المدجّجة جعبتها بالمآسي، هي اللاذعة بحُسنها وحزنها وبصمتها، فكما ستروّن في صمتها أكثر مما قيل في العلن. في فواصل فصولها عبارات مكتومة أكثر من تلك المكتوبة.
إنها الحادة كسوط، المؤلمة كالموت، الصادقة كالأولياء ولعلّنا جميعاً نشاطرها نزعة الحزن تلك رغم أننا مُدهِشون بالإنكار، تتقن الذهاب الى أقصى الحزن في سرد الخيبات ولعلّه سرٌّ من أسرارها أنها تبوح لنا بأسرارنا وخطايانا ونحن الذين تربينا أن يخيفنا تفشي السرّ.
تلومون على الحلكة سوادها، فعندما “تضيق القلوب تضيق الدنيا”.
لأنها كانت “تبحث عنها ككل الذين يسيرون على طريق الوعي في عيون الآخرين” لتتشكل صورة ذواتهم فاصطدمت بالقبح المؤذي.
أرادت أن “تكون بغباء نظيفة/ خيّرة بإبتسام/ ويدا ممدودة أبداً،” لكن في الواقع استنتجت أنها “ليست الأم تيريزا ولا تريد أن تكون.”
هي لم تتأخر لتدرك “أن الفكر ليس دوماً مبدأ العمل” عند العالمين و”أننا كائناتٌ في أحسن الأحول تعمل وفقاً لميولها ورغباتها”وكلّ ما نحاول جاهدين أن نهرب منه، نلقاه، لأن الفرق شاسع بين ما نؤمن به وبين ما نحفظه عن ظهر واجب وموروث.
أنا أخطيء نعم وأتألم أكثر بسبب هذا الخطأ وهذا الألم الشديد وحده ما يُصقِل معدني إلى الذهب المصفّى ويجعل وعيي وعياً حياً ناطقاً فاعلاً “غير مستلب ولا مشوه “وإلا قولوا لي كيف يتساكن الظلم والقرآن معاً في بيت واحد؟ وتريدوني أن أقول هو ذا ديني؟
كيف يمكن للشيطان أن يكون الوصي في بيت الله ويغتصب العذارى؟
كيف يمكن لصفعة على وجه بريء شقي أن تكن محرّك قلبه لآداء الصلاة؟ … وتريدوني أن أقول هو ذا يقيني؟
وفاء أخضر تكتب لتقول: من يقتات بذر الخوف صغيراً يتحول لُغماً مع الوقت، لا سلام له!
وفاء تكتب عن عقدة الذنب في حمل القضايا… عن دواعش هذا العصر.
وفاء تكتب عن ابنة الفقر الذي أذلهم عند أول حساب. عن ابنة الشوق أحلامها وضيّع زبد الكتاب. هي ابنة الضيق الذي خانها خوفاًمن العقاب. هي ابنة العفة التي صنعت منها الحبيب وكان الحب ثلجاً وذاب.
هل من حل بدون اقتراف الاعترافات؟ أم نحن مفطورون على النفاق؟
هذا الكتاب هو رحلة في عوالم الذات ولَدَته بفعل المخاضات التي تراها ونراها وتموت طي الكتمان حتى وجدت سبيلاً ممكناً في رحم يدي وفاء.
هل فعلاً “المرأة عددا وليست مدداً”؟ هل يجوز للإنسان، مطلق إنسان، أن يتمنى أن يعود حراً لكي يبقى على إنسانته؟
تطرأت الكاتبة لموضوع مهم عندما تفقد المرأة صدقها وتكون موضع شبهة، وهي بريئة منه، تتكسر سفن قلبها ولا ترسو على برّ بلا طائل يتبرر يذكر.
“اكذبي يا شمس هذا هو الذكاء الإجتماعي. اكذبي وقاومي الموات، كوني إمرأة عادية، لا مكان في هذا العالم، ولا للنساء العاديات. عالم المعاهدات، المساومات، الاحتياجات والجسد. اخرجي من نفسك وادخلي العالم. “
هي تقول هذا لتستفز الانسان فينا لا لتحفزنا على الخضوع والخنوع، فهي الشغوفة بالحياة؛ فعلم النفس والفلسفة لم يكونا خيارين لمهنة ترى في داخلها ملاذاً لها البتة، بل كانا امتداداً لعقل متلهّف للمعرفة متضوّر جوعاً للكتب. هي الباحثة اللاهثة لفهم الوجود، يؤرقها الوعي وتنتشي به كلما بانت الرؤى.
قضاياها على بساطتها تثير ذرعاً في نفوس الضعفاء، جريئة لأن الحق متى صرت له مطالباً لا يمكن أن تنتصر له إلا بالقوة. هي أشجع من الجرأة، متى تشرح الأخطاء تشرح لما وكيف ومتى تحدث، فإذا لم نفهم من أين تؤكل الألباب والقلوب فمن أين لنا أن نصحح شكل الضحكة، لون الجرح، ورنّة التشوهات.. “أنا أخطيء كثيراً” ليست كما زعموا: ميثاقاً يبرر الخطايا، بل هي رسالة تسلط “شمسا” على الأجساد والأرواح وظلالها المهترئة،فلا تكن كمن قال لا إله … وقبل أن يكمل قالوا: كفر.
رغم كل شيء، وفاء مسكونة بالله والحب وكل الذين يعرفونها يدركون ذلك. وكما تقول شمس أو هي نفسها متماهية معها: “أحببت المسيح كثيرا وعشقت محمّداً…
أنا أسعد لما أقرأ أو أسمع فكرة من نور” وتوضّح الدين السياسي والإجتماعي ومظاهره، هو” طقوس كالصلوات بغير حضور، قلوب ملؤها الخوف والغضب كقلب أبي”.
في الختام:
أجد اختصار الرسالة، ما قالتِ “لحُسنِ الجمال” في الرواية: “هل سنقف وجهاً لوجه أمام الله ؟ هل ستغفرين لي لأنك من حُسنٍ كثير وجمال أكثر؟
لو فقط نفتح قلوبنا ونحرر عقولنا.
لا بد من ضوءٍ وطريق.”
•قراءة نقدية لرواية الكاتبة وفاء أخضر، ألقيت في حفل التوقيع الذي أقيم في مركز مؤسسة سعيد وسعدى فخري الإنمائية – الزرارية بتاريخ 15/7/2023