قراءة مسبقة: الدستور السوري الجديد والمعضلة الكبرى أمام “سوريا الجديدة “(واصف عواضة)
كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز
ليس بالأمر الهيّن الإنتقال من نظام علماني إلى نظام إسلامي أو ديني محافظ ،فكيف إذا كان الأمر “بين ما بين” ،أي محاولة المواءمة بين النظامين ،كأن تحكم جماعة دينية دولة بنظام علماني. وعليه سوف يواجه “السوريون الجدد” هذه الحالة عندما يشرعون في إعداد دستور بلادهم للمرحلة المقبلة ،بعد تعليق الدستور الذي كان يحكم سوريا لأكثر من ستة عقود. وليس سرا أن هذه المعضلة سوف تكون أكبر العقبات التي ستواجه المستقبل السوري.
ولعل هذه المعضلة كانت من أبرز العقبات التي واجهت سوريا منذ العام 2011 ، حيث عقدت عشرات اللقاءات وجرت مئات المحاولات للخروج بدستور يوفق بين النظام والمعارضة،مع العلم أن “السطوة الدينية الإسلامية” لم تكن المهيمنة على هذه المحاولات ،حيث كان معظم المعارضين من أهل العلمنة.
وحيث أن الفصائل التي سيطرت على سوريا اليوم وتمكنت من إسقاط النظام ،تحمل لواء الإسلام ،فلا نظن أنها ستتنازل عن الشريعة الإسلامية لصالح الدولة اللادينية، وإلا ستفقد مبرر وجودها، في حين أن معظم الإئتلافات السورية الأخرى لا تستسيغ العيش في دولة دينية خالصة.ومن هنا أهمية المواءمة بين النظامين.
وغني عن البيان أن النسيج الاجتماعي والديموغرافي السوري ،هو نسيج متعدد الطوائف والأعراق ،ولكل منها نظريته ورؤيته للنظام السياسي العتيد. ويقدر عدد المواطنين السوريين اليوم بنحو 28 مليون نسمة ،يعيش في الخارج منهم أكثر من عشرة ملايين ، بين لاجئين ومغتربين.
التوزيع الطائفي
وتتوزع النسب بين السوريين على النحو الآتي:
- السُنّة يشكلون الأغلبية في سوريا، بنسبة تتراوح بين 65%-70% من السكان.ويتوزعون بين عرب وأكراد وتركمان.
- العلويون يشكلون حوالي 10%-13% من السكان. ويعيشون بشكل رئيسي في الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس) ومناطق أخرى.
- المسيحيون نسبتهم تتراوح بين 7%-10%. ينقسمون بين طوائف عدة (الأرثوذكس، الكاثوليك، السريان، الموارنة، البروتستانت). وتتركز تجمعاتهم في دمشق، حلب، حمص، وحماة، إضافة إلى بلدات مسيحية كـ”صيدنايا” و”معلولا”.(انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرات المتنوعة).
- الشيعة (الإثنا عشرية والإسماعيلية) يشكلون حوالي 2%-3% من السكان.ويتمركزون في دمشق ومناطق مثل نبل والزهراء (حلب) ومنطقة سلمية (حماة).
- الدروز نسبتهم حوالي 3%-4%. يتمركزون في جبل العرب (محافظة السويداء) جنوب سوريا.
- اليزيديون أقلية صغيرة جدًا، معظمهم في مناطق الجزيرة السورية (الحسكة).
التوزيع العرقي
- العرب يشكلون الأغلبية بنسبة 85%-90%. وينتمون إلى مختلف الطوائف (سُنّة، علويون، مسيحيون، شيعة).
- الأكراد يشكلون حوالي 7%-10% من السكان. يتركزون في الشمال الشرقي (الحسكة، القامشلي) ومناطق عفرين وعين العرب (كوباني).
- الآشوريون/السريان/الكلدان ،ونسبتهم أقل من 1%-2%.
ويتمركزون في الحسكة وبعض المناطق في حلب.
- التركمان نسبتهم حوالي 2%-3%. ويعيشون في مناطق حلب واللاذقية والقنيطرة.
- الشركس والأرمن ونسبتهم صغيرة (أقل من 1%).الأرمن يتمركزون في حلب ودمشق، والشركس في القنيطرة وريف دمشق.
وفي ظل هذا النسيج السكاني ،ليس من اليسر إنجاز دستور جديد ،إلا إذا فرضته الغالبية السنّية،لكن هذه الغالبية ليست متجانسة سياسيا وثقافيا ،حيث تتشكل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار سياسيا ،ومن أقصى الإعتدال إلى أقصى التطرف دينيا.
ومع ذلك لا يمكن لسوريا أن تعيش بلا دستور جديد،وهنا يبرز التحدي بين قواها السياسية لإنجاز هذا الدستور في فترة زمنية معقولة ومقبولة.
وثمة ثلاثة نماذج في المنطقة حصلت فيها تغييرات جذرية حتمت إعداد دساتير جديدة، ويمكن للسوريين أن يستوحوا منها نظامهم السياسي ودستورهم الجديد.وهذه النماذج هي:
- النموذج التركي الذي يقوم على نظام رئاسي ،حيث يحكم حزب إسلامي (العدالة الإسلامية) نظاما علمانيا لم تستطع تركيا التخلص منه على الرغم من المحاولات التي جرت للخروج على “شريعة أتاتورك” السياسية. وقد اضطر حزب العدالة مرغما الإنصياع لمبادئ العلمانية التي يعيش الأتراك في ظلها .
- النموذج العراقي الذي الذي يقوم على النظام البرلماني الفيدرالي وتوزيع السلطات بين الطوائف(الرئاسة للأكراد، ورئاسة البرلمان للسنّة،ورئاسة الحكومة للغالبية الشيعية بما تعني السلطة التنفيذية من مميزات) .وقد منح العراق حكما ذاتيا للأكراد في شمال البلاد، بما يشبه دولة شبه مستقلة لها رئيسها وحكومتها وبرلمانها الخاص.
- النموذج الإيراني الذي يقوم على جمهورية إسلامية تنتهج الشريعة ،ويشرف عليها مرشد أعلى،ورئيس من الغالبية الشيعية هو رئيس السلطة التنفيذية يراقبه برلمان يتمتع بصلاحيات واسعة.
هذه النماذج الثلاثة ستكون بلا شك في ذاكرة السوريين المولجين صياغة الدستور ،وعليهم أولا أن يختاروا طبيعة النظام السياسي قبل الولوج إلى مضمون الدستور.ويبدو النظام العراقي الأقرب إلى هذه الذاكرة ،للمقاربة بين الطوائف والأعراق التي يتشكل منها النسيج السوري: نظام برلماني يصار خلاله إلى توزيع المناصب الثلاثة بين السنة والعلويين والأكراد،في سوريا موحدة تعتمد الفيدرالية المثلّثة.
مبادئ أساسية
إلا أنه لا بد من مبادئ أساسية يفترض بسوريا الجديدة أن تعتمدها أيا كان نظامها السياسي المقبل .
وكان المعارض المعروف أنور البنّي قد طرح سابقا مجموعة من هذه المبادئ التي تستحق التوقف عندها،وقد عرضها على القوى والأحزاب والشخصيات المعارضة، وتم تبنيها والتوقيع عليها من قبلهم جميعا في مؤتمر نبذ الطائفية المنعقد في القاهرة عام 2012.
وجاءت هذه المبادئ تحت عنوان “القيم التوافقية العليا-
القواعد المؤسسة للدستور والقوانين”،وهي:
1.سوريا دولة ديمقراطية تعددية مدنية غنية بتنوعها القومي والديني والطائفي تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وهي وحدة جغرافية سياسية ذات سيادة كاملة تعتمد مبدأ المواطنة المتساوية وهي جزء من منظومة عربية وإقليمية ودولية ترسم سياستها بما يحقق المصالح العليا للشعب السوري ويصون وحدته وأمنه.
- سوريا دولة قانون ومؤسسات، ووطن لجميع أبنائها وبناتها، تُحقق مبدأ فصل السلطات، جميع المواطنون/ات متساوون/ات أمام القانون ولهم/ن نفس الحقوق وعليهم/نّ نفس الواجبات، ولا يجوز التمييز بينهم/نّ بسبب الدين أو العرق أو القومية أو الجنس أو الرأي السياسي.
- السيادة للشعب يمارسها عبر انتخابات حرّة ومباشرة وشفافة، تعتمد على مبادئ المساواة والحرّية والعمومية والاقتراع السرّي، ولجميع المواطنين/ات حقّ المشاركة السياسية وتولي المناصب العامة دون تمييز، وحقّ الانتماء إلى المجموعات والجمعيات والأحزاب السياسية السلمية وتشكيل النقابات التي تعبر عن مصالحهم.
- لجميع المواطنين/ات حقّ الرأي والمعتقد والفكر والتعبير عن آرائهم/ن علانية، ولهم/ن حقّ تداول المعلومات بحرّية والتظاهر وممارسة شعائرهم/نّ بشكل سلمي، ولا يجوز إجبار أي مواطن/ة بالقسّر على ممارسة أو الامتناع عن ممارسة فعل سلمي يتعلق برأيه/ها أو اعتقاده/ها، ولا محاسبته/ها أو التضييّق عليه/ها بسبب ذلك، ولا يجوز الحضّ على الكراهية أو العنف بين الطوائف والأديان والقوميات أو النيل من الوحدة الوطنية.
- لجميع المواطنين/ات حقّ التمتّع بالعدالة، وحصوله/ها عليها ضمن وقت معقول، والتقاضي أما قاضيهم/نّ الطبيعي، والسلطة القضائية يجب أن تتمتّع بالاستقلالية التامّة والحياد والنزاهة، باعتبارها الدرع الحامي والضامن للحرّيات العامة والحقوق، وحقّ الدفاع حقٌّ مقدّس لا يجوز انتهاكه، وللجميع على قدر المساواة التمتع بالحماية القانونية، وكل متهم/ة برئ/ة حتى تثبت إدانته/ها.
- الحياة حقٌّ مقدّس، وللجميع حقّ التمتّع بالحرّية والسلامة الشخصية، ولا يجوز انتهاك الحياة الشخصية، ولا يجوز توقيف أي شخص أو تحري مسكنه/ها إلا بمذكرة قضائية، كما لا يجوز تعريض أي شخص للتعذيب والإيذاء البدني أو المعنوي أو المعاملة الحاطَّة بالكرامة الإنسانية.
- لكل المواطنين/ات حقّ التنقل واختيار مكان العيش، ولا يجوز إبعاد أي سوري/ة عن بلده/ها، ولا يجوز تحديد إقامته/ها أو منعه/ها من السفر إلا بقرار قضائي، ولجميع المواطنين/ات الحقّ بالعمل وبحد أدنى من الأجر العادل، بما يكفل له/ها ولأسرته/ها حياة كريمة وبظروف تضمن السلامة والصحة.
- الثروات الطبيعية ملك للشعب لا يجوز التنازل عن ملكيتها، ولكل مواطن/ة الحقّ بالتملّك، وتحمي الدوّلة الملكية الماديّة والفكرية، ولا يجوز نزع الملكية إلا للنفع العام ومقابل تعويض عادل.
- التعليم والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والبيئة النظيفة حقٌّ لكل مواطن، والتعليم مجّاني وإلزامي حتى انتهاء مرحلة التعليم الأساسي، وتعمل الدّولة على تحرير المجتمع من الجوع والأمِّية، وتوفير التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل متوازن وعادل في كل الجغرافية السورية.
- لكل طفل من أب أو أم سوريين الحقّ بالجنسيّة والنسّب دون تميّيز بسبب العرق أو الدين أو القومية أو الجنس، وعلى الدولة بمساعدة الأسرة والمجتمع حماية حقوقه/ها واتخاذ التدابير اللازمة لحمايته/ها.تقوم المحكمة الدستورية العليا المكونة من قضاة وخبراء/ات قانون مستقلين/ات بالرقابة على انسجام الدستور والقوانين الصادرة مع هذه المبادئ وعدم مخالفتها له.
في الخلاصة،
ثمة مخاض دستوري أمام سوريا الجديدة ،والأمل أن تكون الولادة من دون آلام وأوجاع ،وهذا يعتمد على وعي السوريين ،لأن ما عاشته وتعيشه سوريا يكفيها من الآلام والأوجاع ، وصار ضروريا أن تخرج من أزماتها ومشاكلها المزمنة. والشعب السوري الشقيق يستحق الحياة الكريمة بعد المعاناة الطويلة.