قراءة قانونية في ترسيم الحدود البحرية
كتب د.خضر ياسين:
في العام ٢٠١٣ أعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني ان التقديرات تشير الى أنه لدى لبنان حوالي ٩٥،٥ تريليون قدم مكعب من الغاز و ٨٦٥ مليون برميل من النفط في حوالي ٤٥% من مياه لبنان الاقتصادية، فشكل هذا الأمر دافعآ للبنان من أجل المباشرة بتحديد مناطقه البحرية وخاصة المنطقة الإقتصادية الخالصة، وهذه المنطقة تقع بعد المياه الاقليمية للدولة، والمياه الاقليمية للدولة تمتد إلى (١٢) ميلا بحريا أي (٢٢,٢) كلم.
وفي العام ١٩٨٢ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تنص على أن المنطقة الاقتصادية الخالصة تمتد الى (٢٠٠) ميل بحري من خط الأساس( اي ٣٧٠ كلم). ففي حين تمارس الدولة كامل سيادتها على بحرها الاقليمي، يعترف لها القانون الدولي بحقوق سيادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، كإستكشاف الموارد الطبيعية واستغلالها، واقامة الجزر الاصطناعية والمنشآت واستعمالها، البحث العلمي البحري، حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها.
في هذا الاطار، لبنان دولة ساحلية على البحر الابيض المتوسط، وبموجب المادة (٧٤) من اتفاقية قانون البحار(١٩٨٢) التي تم اقرارها في مونتيغو في جامايكا بتاريخ ١٠/كانون الأول/ ١٩٨٢، والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ ١٦/تشرين الثاني/١٩٩٤، فإنه يتم تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاحقة عن طريق الإتفاق على اساس القانون الدولي من أجل التوصل الى حل منصف.
ولبنان وقبرص دولتان ذات سواحل متقابلة تتداخل مناطقهما الإقتصادية ما دفعهما الى توقيع اتفاق حول تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، وهذا الاتفاق تم توقيعه بتاريخ ١٧/ كانون الثاني/ ٢٠٠٧. ومما ورد في المادة الأولى من الاتفاق المذكور أنه يتم تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين بالاستناد الى خط المنتصف الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الطرفين كما هو معرّف ومحدد وفق النقاط المحددة من (١) الى (٦) المبينة في قائمة الاحداثيات الجغرافية الملحقة بالاتفاق والتي وقع عليها الطرفان. والمادة الخامسة منه تنص على أن الاتفاق يبرم وفق الاصول الدستورية المتبعة في كل بلد، ويصبح ساري المفعول عند تبادل الطرفين وثائق الإبرام.
من جهة ثانية تم بتاريخ ١٧/كانون الاول/ ٢٠١٠ توقيع اتفاق بين قبرص والكيان الإسرائيلي لتحديد المنطقة الإقتصادية الخالصة لكل منهما، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ ٢٥/شباط/٢٠١٠ ،وأودعت نسخة منه لدى الأمم المتحدة، علمآ أن المادة الثالثة من الاتفاقية الموقعة بين لبنان وقبرص تنص على أنه إذا دخل أي طرف من الطرفين في مفاوضات تهدف الى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الآخر والتشاور معه قبل التوصل الى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى اذا ما تعلق التحديد بإحداثيات النقطتين (١) و (٦). والكيان الإسرائيلي اعتمد في اتفاقه مع قبرص على النقطة (١).
في هذا السياق سبق للدولة اللبنانية أن أودعت بتاريخ ١٩/تشرين الاول/٢٠١٠ لدى الأمم المتحدة الإحداثيات الجغرافية للجزء الجنوبي لمنطقتها الاقتصادية الخالصة التي تمتد من النقطة(B1) وموقعها رأس الناقورة الى النقطة (٢٣)، والموقف اللبناني يعتبر أن النقطتين (١) و (٦) الوارد ذكرهما في الاتفاق مع قبرص نقطتان مؤقتتان، بينما الاتفاق القبرصي- الاسرائيلي اعتمد النقطة (١) أساسآ للتحديد دون مراعاة الموقف اللبناني الذي لا يوافق عليها، وبذلك اقتطع الكيان الاسرائيلي مساحة قدرها حوالي (٨٦٠) كلم٢ من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان، ما دفع بالدولة اللبنانية الى الاعتراض لدى الامم المتحدة على الاتفاق القبرصي- الاسرائيلي عن طريق وزارة الخارجية والمغتربين بتاريخ ٢٠١١/٦/٢٠ حيث ورد في الاعتراض: ان النقطة (١) هي نقطة مشتركة بين لبنان وقبرص فقط، وهي نقطة غير نهائية، وبالتالي لا يمكن اعتبارها نقطة انطلاق بين قبرص واي دولة اخرى، في حين اعتمد الاتفاق القبرصي- الاسرائيلي على النقطة المذكورة، كما وجهت وزارة الخارجية والمغتربين بتاريخ ٢٠١١/٥/١٩ رسالة الى جمهورية قبرص تعترض فيها على الاتفاق الموقع بين قبرص والكيان الاسرائيلي حول تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة.
حسب السوابق الدولية في النزاعات بين الدول حول الحدود البحرية والثروات البحرية، فإنه يتم تسويتها من خلال سلوك طريقين: الوسائل القضائية، والوسائل غير القضائية، وتتمثل الوسائل القضائية باللجوء الى محكمة العدل الدولية التي تعتبر الأداة القضائية للأمم المتحدة، أما الوسائل غير القضائية في ما يتعلق بهذا النوع من النزاعات عادة تكون أجدى من الوسائل القضائية، وفي هذا الإطار يمكن اللجوء الى مجلس الأمن أو الوساطة، وهذا الاسلوب الأخير هو الذي تم اختياره في ما يخص ترسيم حدود لبنان البحرية والذي أعلن عنه ظهر أمس رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري.