بقلم غسان بيضون*
أقرّ مجلس النواب مؤخراً قانون “سلفة الكهرباء” بقيمة 300 مليار ليرة أشيع أنها 200 مليون دولار. وقد جاء ذلك بتزامن ملفت مع إقرار قانون “استرداد الأموال المنهوبة” وبموازاته، ومع ما رشح من كواليس الجلسة حول التمييز بين الاحتياطي بالليرة وتوظيفات المصارف الإلزامية بالدولار لدى المركزي، ليبدو وكأنه يندرج في سياق التمهيد لنفي علاقة أموال المودعين بدولارات مصرف لبنان واحتياطيه الناتج عن هذه التوظيفات.
وقد توجسنا أن يكون في ذلك جسّ لنبض المودعين وقدرتهم على الاعتراض، تمهيداً للاسترسال والتمادي في هدر المزيد من أموالهم في حرّاقات معامل وبواخر الكهرباء. وقد تلا ذلك تصريح الحاكم وإعلانه عن عدم قدرة المركزي على الاستمرار في سياسة الدعم، ودعوته الحكومة إلى التصرف والإسراع في عملية الترشيد قبل أن يضطر إلى التوقف عن الدعم. وقد أكد ذلك في الاجتماع الذي عقدته اللجنة الوزارية لترشيد الدعم، حيث أوضح أن الاحتياطي القابل للاستعمال شارف على الانتهاء، ولن يستطيع الاستمرار في تأمين الدولارات المطلوبة لدعم استيراد السلع الأساسية لأكثر من شهرين كحد أقصى. وقد اعتدنا على مواعيده وإنذاراته الملتبسة والمثيرة للشك والجدل!
مع إقرار السلفة لمحروقات الكهرباء، انطلق الجدل حول مشروعية تمويلها واستمرار الدعم من أموال المودعين باعتبارها ملكيّة خاصّة يحميها الدستور في المادة 15 منه. وبالتزامن مع كذب نيسان تقاطعت مواقف كل من حاكم المركزي وجمعية المصارف ونقيب المحامين، لتبدو وكأنها من باب الحرص على حقوق المودعين وحمايتها، فيما هي تنطلق من مصالح خاصة، ليس إلا:
الحاكم ليحمي نفسه من الضغط الفرنسي المعترض على استمراره ويطالب بتغييره وتعيين بديل يستجيب لمقتضيات تيسير أمور التدقيق الجنائي، وفي ذات الوقت يمكن أن يندرج في باب محاكاة الرغبة الأميركية والتناغم معها في تصعيد مفاعيل الحصار المالي والاحتقان الاقتصادي والانفجار الاجتماعي، من باب الضغط وابتزاز البلد لتسهيل إخضاعه وإسقاطه في شباك التسويات الإقليمية وشروط نجاح مشاريعها.
أما المصارف بمطالبتها تحرير فائض توظيفاتها الإلزامية بالدولار لدى المركزي، الناتجة عن العمل بالمادة 76 من قانون النقد والتسليف وتعميم مصرف لبنان رقم 87 تاريخ 20 أيلول 2001، فالغاية الحقيقية منها هي تأمين السيولة اللازمة لها لتلبية طلب الحاكم ،منها تأمين زيادة الـ 3 % على أموالها الخاصة من الخارج، دون أي اهتمام آخر، ولو كان لهذه المطالبة وجه إيجابي وعلاقة بحقوق المودعين لأدرجت ضمن مبرراتها ،أقله تنفيذ قانون الدولار الطالبي.
أما نقيب المحامين فربما انطلق في موقفه من الرغبة بتعزيز مستقبله السياسي على خلفية السعي لحماية أموال المودعين ومناصرة قضيتهم المحقّة، فيما جميع الوقائع والمؤشرات والتحليلات تنذر بنتائج خطيرة سوف تترتب عن عدم تأمين الكهرباء وتؤدي إلى الموت بكل ما للكلمة من معنى، ما لم تجد الحكومة مصادر بديلة لتمويلها ،بدلا من اشتراط تفسيرات للدستور تجيز لها تفعيل أدائها كحكومة تصريف أعمال.
في رأينا أن مضامين تصريح الحاكم وكتب جمعية المصارف ونقيب المحامين، انطوت على كلام حق يراد به باطل، وليس حماية أموال المودعين، والأرجح أن تبقى هذه الأموال في مهب ريح السياسة والأقوياء في طوائفهم والهدر والفساد!
*مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه
زر الذهاب إلى الأعلى