إقتصادمحليات لبنانية

قراءة في رد صندوق النقد الدولي على مشروع الفجوة (عماد عكوش)

 

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز

 

بعد رد صندوق النقد الدولي على مشروع الحكومة لمعالجة الفجوة المالية ومشكلة الودائع وحيث كان من المُفترض أن يناقش مجلس الوزراء هذا الأسبوع مشروع قانون الفجوة المالية واسترداد الودائع خلال جلستين متتاليتين لإقراره وإحالته إلى مجلس النواب، اصبح هذا الامر غير ممكن هذا الاسبوع بانتظار معالجة بعض الثغرات التي وردت في الرد ، وتقليص الأعباء على الدولة ومصرف لبنان في مقابل زيادتها على المصارف.

لقد أظهر تقرير رد الصندوق أنّ الصيغة الحالية لمشروع القانون تعاني من ثغرات جوهرية ، سواء على مستوى تشخيص الخسائر، أو آلية توزيعها، أو حماية حقوق المودعين، ما يستدعي تعديلات بنيوية تضمن معالجة شاملة ونهائية للأزمة دون تحميل الدولة أعباء مالية مفتوحة.

أولًا: تحديد حجم الخسائر وتشخيص المخالفات

يشير التقرير إلى غياب واضح للمعايير المحاسبية التي سيجري اعتمادها في تدقيق حسابات مصرف لبنان والمصارف التجارية. ويُعد هذا النقص خطيرًا، إذ إنّ تحديد حجم الخسائر بدقة هو المدخل الأساسي لأي عملية إعادة هيكلة جدية.

ويؤكد التقرير على ضرورة اعتماد المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية  IFRS) ) إلى جانب إجراء عمليات تدقيق مستقل من قبل شركات دولية ذات مصداقية ، بهدف تعزيز الشفافية وتقليل المخاطر القانونية المحتملة.

كما يثير التقرير إشكاليات قانونية محورية ، أبرزها:

  •      غياب آلية واضحة لاحتساب الخسائر.
  •      عدم تعريف مفهوم “الفوائد المفرطة” ومعايير قياسها.
  •      تداعيات تطبيق المادة 113 من قانون النقد والتسليف على رسملة مصرف لبنان، في ظل العجز البنيوي للدولة عن إعادة رسملته. 

ثانيًا: تقاسم الخسائر وتراتبية امتصاصها  Burden Sharing) )

  ينتقد التقرير بشدة الصيغة الحالية لمشروع القانون، معتبرًا أنّها تُحمّل المودعين الخسائر في مرحلة مبكرة، في مخالفة صريحة لمبدأ تراتبية الدائنين المعتمد دوليًا.

ويشدد على أنّ المسار الصحيح يجب أن يبدأ بـ:

  •      الاعتراف بالخسائر في رساميل المصارف أولًا.
  •      تحميل المساهمين كامل الخسائر قبل المساس بحقوق المودعين.
  •      إخضاع المصارف غير القابلة للاستمرار لإجراءات الحل (Resolution) وفق قانون BRL.

كما ينتقد التقرير ما يُعرف بـ“تنظيف المخالفات بالتوازي”، معتبرًا أنّه يؤدي عمليًا إلى نقل الخسائر من المساهمين إلى المودعين. ويوصي في هذا السياق بـ:

  •      إخضاع المصارف حصريًا لنتائج التدقيق.
  •      تعيين جهة مستقلة لمعالجة المخالفات بدل إدارات المصارف نفسها.
  •      تصنيف المخالفات في مرتبة أدنى من حقوق المودعين وأعلى من رأس المال.
  •      منع خلق رساميل إيجابية وهمية (CET1) يستفيد منها المساهمون على حساب المودعين.

ثالثًا: حماية المودعين

يؤكد التقرير أنّ المودعين في المصارف التي تُظهر ملاءة مالية إيجابية بعد التدقيق يجب أن يستعيدوا ودائعهم كاملة، دون أي اقتطاع. كما يلفت إلى ضرورة توضيح كيفية التعامل مع الدائنين الثانويين بما يتماشى مع التسلسل القانوني للحقوق.

رابعًا: إشكاليات قانونية وتنظيمية إضافية

يسجّل التقرير غياب تمييز قانوني واضح بين:

  •      حسابات “الفريش دولار”،
  •      والحسابات بالعملة المحلية،

وهو ما يخلق ضبابية قانونية ويهدد مبدأ المساواة بين المودعين. كما يدعو إلى تعليق بعض مواد قانون BRL  مؤقتًا، تفاديًا لأي تعارض قانوني مع عملية التدقيق وإعادة الهيكلة.

خامسًا: آلية دفع الودائع

ينتقد التقرير اعتماد تعريف موحّد للمودعين على مستوى النظام المصرفي ككل بدل اعتماد مقاربة مصرف – بمصرف. ويرى أنّ هذا النهج:

  •      يخالف مبدأ “لا دائن أسوأ حالًا”.
  •      يضر بالمودعين من الفئات المتوسطة.

كما يوصي بمرونة في وتيرة السداد ، بما يتناسب مع القدرة الفعلية لمصرف لبنان ، تفاديًا لأي تعثر مالي جديد.

سادسًا: الشهادات المدعومة بالأصول  ABS))

يطرح التقرير تساؤلات جوهرية حول الشهادات المدعومة بالأصول، لا سيما:

  •      كيفية ضمان تحمّل المصارف نسبة 20% من مسؤولية السداد.
  •      قدرة مصرف لبنان على الحفاظ على مستوى كافٍ من السيولة.
  •      مدى جدوى أو خطورة استخدام جزء من احتياطي الذهب لدعم هذه الشهادات.

سابعًا: ضمان الودائع

يلاحظ التقرير غياب أي توضيح بشأن:

  •      ما إذا كانت الضمانات الجديدة ستشمل فقط الودائع الجديدة.
  •      مصير الودائع القديمة في حال تصفية المصارف.

كما يشدد على ضرورة تقدير الكلفة المالية الفعلية لهذه الضمانات، في ظل الوضع الحرج للدين العام وميزانية مصرف لبنان.

ثامنًا: ملاءة مصرف لبنان وقدرته التشغيلية

يشكّك التقرير في قدرة مشروع القانون، بصيغته الحالية، على:

  •      إعادة رسملة مصرف لبنان حتى مستوى الصفر على الأقل.
  •      تأمين سيولة كافية لسداد الودائع.
  •      ضمان إيرادات مستدامة تُمكّن المصرف المركزي من القيام بمهامه الأساسية.

يخلص التقرير إلى أنّ الصيغة الحالية لمشروع قانون تنظيم القطاع المالي واسترداد الودائع:

  •      تنقل الخسائر إلى المودعين في مرحلة مبكرة.
  •      تفتح الباب أمام مخاطر قانونية ومالية جسيمة.
  •      لا تضمن معالجة نهائية ومستدامة للأزمة المصرفية.

ويؤكد أنّ أي حل عادل وقابل للاستمرار يجب أن يقوم على:

1.    تحميل المساهمين الخسائر أولًا.

2.    احترام التراتبية القانونية للدائنين.

3.    اعتماد الشفافية والمعايير الدولية.

4.    حماية المودعين، ولا سيما الصغار والمتوسطين.

5.    منع تحميل الدولة التزامات مالية مفتوحة وغير قابلة للتحمل.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى