قراءة في توزع الاستثمارات الصينية في العالم:السعودية تتصدر اللائحة (محمد صالح الفتيح)
د. محمد صالح الفتيح – الحوارنيوز
نشرت جامعة Fudan الصينية دراسة حول حجم الاستثمارات التي تنفذها الصين ضمن مبادرة الحزام والطريق (المعروفة إعلامياً بطريق الحرير الجديد).
بحسب الدراسة انخفضت الاستثمارات الصينية في روسيا في النصف الأول من 2022 إلى الصفر ، وذلك بالمقارنة مع ملياري دولار في 2021 ومابين 5 إلى 6 مليارات سنوياً في السنوات السابقة. بالمقابل تصدرت السعودية قائمة متلقي المشاريع والاستثمارات الصينية بحوالي 5.5 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام. كان العراق تصدر القائمة في 2021 بحصوله على حوالي 10.5 مليار دولار من الاستثمارات والمشاريع الصينية.
ما يغيب عن القائمة هي بعض دول المنطقة التي أكثر سياسييها الحديث في السنوات القليلة الأخيرة عن التوجه شرقاً والتبشير بالاستثمارات الصينية. لا توجد أي بيانات حول أي استثمارات صينية في لبنان، أو في سورية. العقوبات تلعب دوراً مهماً بطبيعة الحال في ثني الشركات الصينية عن الاستثمار في مثل هذه البلدان، ولكن المسألة أبعد بكثير عن العقوبات. فالاستثمارات والمشاريع الصينية تتدفق للبلدان القادرة على سداد القروض الصينية أو حيث تحقق تلك المشاريع جدوى اقتصادية مباشرة للصين. بمعنى إن الصين إذا ما بنت محطة كهرباء في بلد ما، فيجب أن يكون عمل هذه المحطة مجدياً اقتصادياً وأن تكون الحكومة المحلية قادرة على رد القرض المستخدم في بناء المحطة أو، في الحد الأدنى، تستطيع الصين بيع الكهرباء المنتجة من تلك المحطة بشكل مربح.
لا يمكن في لبنان مثلاً أن يبنى مشروع كهربائي يبيع الكهرباء للمستهلك بسعر التكلفة. الخزانة اللبنانية تحملت الفساد الكبير المحيط بهذا الملف لاعتبارات داخلية معقدة، منها اعتبارات المحاصصة. كذلك فإن هناك بلدانا أخرى لا يدور الحديث فيها سوى عن بناء الأبراج والتجمعات السكنية الفارهة رغم أنه، من المنظور الاقتصادي البحت، لا يوجد مستفيدون محتملون من هذه المشاريع. الصين نفسها تورطت ببناء العديد من المدن الحديثة على أراضيها والتي تحولت لمدن أشباح لا يوجد من يسكن بها، فهل ستتورط وتبني مدن أشباح في بلدان أخرى؟
من المؤسف – من بين عشرات الأشياء المؤسفة – أن تلك البلدان التي يكثر المبشرون فيها بالاستثمارات الدولية وبناء المدن الفارهة، لم يخرج فيها مسؤول واحد يتحدث – ولو بكلام عابر – عن التوقعات بحاجة قطاع الكهرباء بحلول 2025 أو 2030 (علماً أن أغلب دول المنطقة باتت تتحدث عن خططها حتى 2040 و2050). فالحديث عن هذه الحاجة المستقبلية سيعني بطبيعة الحال التساؤل عن المشاريع التي يجب تنفيذها، ولكن كل هذا تفاصيل تافهة بالمقارنة مع الحديث عن الأبراج الفارهة.