قراءة في الموقف الروسي مِنْ الاعتداء الاميركي على الحشد الشعبي في العراق: رسائل الى الحلفاء
بعد الاعتداء بساعات، سارعت روسيا ومن خلال تصريح رسمي، الى القول بأنَّ امريكا لم تُعلِمها، او تُحيطها علماً بالضربات الجوّية التي نفّذتها ضَّد مواقع الحشد الشعبي وعلى الحدود العراقية السورية، في القائم .
المتابع السياسي للأحداث، ولأول وهلة، يستغرب التصريح، و سرعتهِ، ما كان لزاماً على روسيا، أو متوقعاً منها، أنْ تكون أول دولة تتناول الاعتداء وتنأى عن معرفة وقوعهِ. لماذا إذاً، سارعت روسيا الى تبني هذا التصريح الرسمي؟ ماهي الرسائل السياسية لهذا التصريح؟
ساحة الحدث و جغرافيته هو العراق، وعلى الحدود العراقية – السورية ، وهدف الحدث هي قوات حشديّة تُحارب داعش وعلى الحدود المذكورة، وتارة تطارد داعش داخل الأراضي السورية. إذاً ساحة الحدث هي ساحة استراتيجية لأمريكا كما هي لروسيا .
التصريح الرسمي الروسي يكشفُ مدى التنسيق الميداني الامريكي – الروسي على الساحة، ويوضحّ بأنَّ الحدود العراقية السورية هي أيضاً مشمولة بهذا التنسيق.
دقّة التنسيق الميداني بين الطرفيّن (امريكا و روسيا ) ، تؤكد رساخة و قوة التنسيق السياسي بينهما، و الضامن لمصالحهما، في الساحة الاستراتيجية (العراق و سوريا ) ، ولولا رساخة و قوة التنسيق والتفاهم السياسي بينهما ،لما نَعِمَ التواجد العسكري المتطور لهما على الساحة السورية بخلّوهِ من الاشتباك والضرر ولو عن طريق الخطأ ، ولسنوات ! بل ،نقول أنَّ هذا التنسيق والتفاهم بينهما ، على الساحة السورية و العراقية ، قادا الى الوصول الى انفراجات و حلول ، وخاصة في سوريا .
روسيا تدرك جيداً بأنَّ حلفائها مِنْ الدرجة الأولى في الساحة (سوريا ، ايران ،حزب الله ) على علم و اطلاع بالتنسيق الروسي – الامريكي ، وهؤلاء يعلمون او يعرفون بأنَّ الطلعات الجوية الأمريكية الحربية في الساحة السورية وعلى الحدود لا تتمْ الاّ بعد إعلام الجانب الروسي، لتفادي ايّ ضرر او اشتباك خاطئ .
التصريح الروسي جاء بمثابة رسالة الى الحلفاء الأساسيين (ايران ،سوريا ،حزب الله )، مفاده بأنَّ روسيا ليس لديها علمْ !
التصريح الروسي الرسمي جاء بمثابة برآة ذمة روسية للحلفاء الأساسيين وللحشد الشعبي و للعراق مِنْ المشاركة في الاعتداء و من دماء الشهداء الذين ارتقوا !
لأنَّ علم روسيا و معرفتها بالاعتداء وإخفائها الامر او الإهمال في إيصاله الى مَنْ يهمه الامر هو مشاركة في الاعتداء ! لذا أجهرتْ روسيا علناً ورسمياً بعدم علمها واطلاعها المُسبق بالضربة الجويّة .
التصريح الروسي الرسمي يدلُ على أمرٍ آخر .
يدلُ على أنَّ روسيا اعتادت على إعلام حلفائها و خاصة سوريا قبل كل اعتداء أمريكي او اسرائيلي على مواقع عسكرية سورية ، وهذا ما يُبرر قلة او انعدام الخسائر التي تصيب هذه المواقع . أما سبب عدم قيام روسيا بمنع مثل هذه الاعتداءات الأمريكية الاسرائيلية على المواقع السورية ، يعود الى جوانب التفاهم الاستراتيجي بين روسيا وأمريكا وبين روسيا و اسرائيل ، تفاهم بين قوتيّن دوليتيّن ( روسيا و امريكا ) يراعي أيضاً مصالحهما وليس فقط مصالح الحلفاء او الدول المُعتدى عليها .
في التصريح الروسي الرسمي رسالة أيضاً الى العراق ،مفادها بانَّ روسيا ليس فقط لا علمْ مُسبق لها بالاعتداء ، و أنما أيضاً لم يكْ انطلاق الطائرات من ساحة رصدها ،اي من قاعدة في سوريا او تحت سيطرة الرصد الروسي ،لأنَّ الاعتداء كان على الحدود العراقية – السورية .
روسيا ، وفي أعلانها الرسمي بعدم معرفتها وبعدم علمها المُسبق بالاعتداء ، ارادت ان يكون لها ذكرْ او مساهمة في الحدث لتقول للعراقيين و للجميع ، وبطريقتها : قارنوا مابين امريكا وهي حليفتكم تقصف وتقتل العشرات من قواتكم ، بحجّة نفوذ و وجود إيراني ، وتستخدم العراق ساحة لتصفية حساباتها مع ايران ، وبين الوجود الروسي في سوريا الذي دعمَ وحفظ الدولة السورية ، و حالَ دون قيام القوات الأمريكية بتوجيه ضربات الى المواقع السورية بحجّة النفوذ الإيراني !
لم تتحول سوريا ،رغم الوجود الإيراني العلني و الرسمي ،الى ساحة صراع أمريكي إيراني ، لوجود الضامن الروسي .
صحيح القول بأنَّ امريكا أوكلت هذه المهمة في سوريا الى اسرائيل ، والأمر ليس غريباً ،اسرائيل مُصنّفة عدواً لسوريا وللعراق ، وماذا تتوقع سوريا مِنْ عدو كإسرائيل ؟
ولكن ، امريكا حليف و صديق للعراق ؟
الاثنان في سياستهما في المنطقة وجهان لعملة واحدة!
*دبلوماسي عراقي سابق – رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات