رأي

قراءة في التصعيد الحربي على لبنان والموقف الوطني المَسؤُول(غازي قانصو)

 

إعداد د.غَازِي قَانْصُو – الحوارنيوز

 

*المُقَدِّمَة:*

يشهد لبنان اليوم تصعيداً حربياً غير مسبوق، يحمل دلالاتٍ عميقةً ويطرح تساؤلاتٍ حول الأهداف الحقيقية وراء هذا التصعيد الإسرائيلي العنيف. تأتي هذه الحملة العسكرية في سياق عدواني كبير، حيث تتزايد الغارات الجوية بشكل يخالف قواعد الحرب التقليدية واخلاقياتها وقوانينها، فتستهدف البنية التحتية والسكنية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان، لا سيما في بيئة الطائفة الشيعية، بما يعكس استراتيجية تعتمد على استهداف المدنيين والبنية التحتية، والتغيير الديمغرافي، بدلاً من التحدي في الجبهات العسكرية على الحدود.

وفي ظل هذه الأحداث، تسعى الأوساط اللبنانية الرسمية والسياسية والدبلوماسية لفهم أبعاد هذا التصعيد ودوافعه المحتملة، وسط تخوُّف شعبي متزايد وقلق من تداعياتٍ طويلة الأمد.

 

*التصعيدُ العسكريُّ للعَدُوِّ وأهدافُهُ المحتملة*

العمليات الحربية الأخيرة التي شهدها لبنان، وخاصة في الضاحية والجنوب والبقاع ومناطق أخرى، يمكن قراءتها من خلال احتمالين رئيسيين: الأول هو سعي العدو الإسرائيلي إلى ممارسة أقصى درجات الضغط عبر التدمير والقتل والتهجير، بهدف تحسين شروطه التفاوضية في أي مفاوضات جارية. والثاني هو محاولة استغلال هذا التصعيد للتمهيد لتوسيع العمليات البرية جنوب لبنان، كجزء من استراتيجية أوسع تستهدف الهيمنة على مناطق معينة في لبنان، وتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.

 

*تواصل امريكي-اسرائيلي:*

هذا، وَيتزامن هذا التصعيد مع تكثيف التواصل الأمريكي–الإسرائيلي، حيث من المتوقع أن تُطرَحَ خطةٌ عملٍ مشتركةٍ، ويبدو انّ واشنطن تسعى لفرضها على لبنان. كما يظهر أن هذه الخطة ستعتمد على استخدام القوة كوسيلة للضغط، إذ تشير التصريحات الإسرائيلية إلى نية واضحة في الاستمرار بالتصعيد دون أي توجه لوقف إطلاق النار. وصرّح وزير دفاع العدو الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن “لن يكون هناك وقف لإطلاق النار”، مما يعكس موقفاً واضحًا اتجاه خيار التصعيد.

 

*الرّدُّ اللبنانيُّ وتصعيدُ المقاومةِ:*

على الجانب اللبناني، جاء رد المقاومة اللبنانية من خلال قصف مواقع إسرائيلية، خاصة في حيفا وتل أبيب ومناطق اخرى كثيرة، وإظهار استعدادها للرد على كل محاولة لفرض السيطرة أو تحجيم دورها الدفاعي عن لبنان.

هذا،وتستمر المواجهات في مناطق الحدود حيث يشتد القتالُ، وتبرز المقاومة كقوةٍ راجحة في هذه المعركة التي باتت تتخذ طابعاً حقيقياً من التّصدي والرد الميدانيين.

 

*الموقف الإسرائيلي:*

ومن الواضح أن قادة العدو الإسرائيلي قد اتخذوا قراراً بتكثيف العمليات العسكرية في لبنان، غير عابئين بالضغوط الدولية والمحلية التي تدعو إلى التهدئة. ففي الوقت الذي يزداد فيه التصعيد على الأرض، أكدت القناة 14 الإسرائيلية أن قرار استمرار القتال أصبح موضوعاً على المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل.

 

*الموقف اللبناني الرسمي:*

*الموقف اللبناني الصّارِم، الذي عبّر عنه دولةُ رئيسِ مجلس النواب الأستاذ نبيه بري، جاء ليؤكد الثبات على المطالبة بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار الدّولي الصادر عن مجلس الأمن رقم 1701 دون تعديل. وَفي تعليقه على الشروط الإسرائيلية، قال دولةُ الرئيس بري: “موقفنا واضح. هل من عاقل يعتقد بأننا سنوافق على تسوية تحقق مصلحة إسرائيل على حساب لبنان وسيادته؟” وقد أبدى دولة الرئيس نبيه بري أمله في أن تسفر اللقاءاتُ الدولية، وخصوصاً بين الرئيسين بايدن وترامب، عن بوادر إيجابية، إلا أنه أكد أن لبنان لن يرضخ للضغوط ولن يتفاوض تحت النار.*

*وَأضاف دولة الرئيس بري أن التصعيد العسكري الإسرائيلي، خاصة في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، يحمل رسالة واضحة مفادها أن إسرائيل تسعى للتفاوض تحت التهديد العسكري، بينما يتمسك لبنان بموقفه بعدم القبول بأي تسوية تحت الضغط.*

 

*المسؤولية الوطنية اللبنانية:*

في ظل هذا التصعيد العنيف والمستمر مِنْ قِبَلِ العَدُوّ، يبقى لبنان؛ الوطن، بدولتِه وشعبِه، وقياداتِه،ومقاومتِه، في مواجهة تحدٍ تاريخيٍ كبير يفرض عليه ضرورة اتخاذ مواقف وطنية صلبة وواضحة تجاه ما يحدث، تمثل المشاعر الوطنية الحقّة ووحدَةَ الكيان اللبناني وسيادتِه ومصيرِه، وتحترمُ عطاءاتِ المدافعين عن لبنان، كما “تُقدِّسُ” وتباركُ دماءَ الشهداء الزاكية الممزوجة عٍطرًا وتزكيةً لأرض الوطن وتاريخِه.

 

*الوحدة الوطنية والموقف اللبناني المُوَحّد:*

*إن لقاءات القيادات الدينية والسياسية اصبح مطلبا مُلِحًا ليؤدي دورَه في تعزيز الوحدة الوطنية في ظل العدوان الصهيوني، وإن وحدة الموقف بين الرئاستين؛ رئاسة مجلس النواب، ورئاسة الحكومة تعتبر من عوامل القوة الوطنية اللبنانية بالاضافة الى كافةِ المواقف الوطنيةِ الوازِنة.*

 

 *وإن اللقاءات الحاصلة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مع سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مع شخصيات سياسية لبنانية متنوعة مدنية ودينية، وشخصيات اخرى عربية ، هي مهمة للغاية كونها تمثل اجتماع اللبنانيين بكل أطيافهم وتنوعهم، وهذا ما دأبت عليه رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وتأتي اللقاءات الحالية بعد انعقادِ لقاءِ القمةِ الروحيةِ في بكركي بدعوة من غبطة البطرك بشارة الراعي، حيث يؤكد سماحة العلامة الشيخ الخطيب في لقاءاته وأمام زواره على الالتزام بقرارات القمة الروحية الأخيرة بحذافيرها، ويقول: “ان الحل ببناء الدولة القوية (القادرة) العادلة التي تحمي مواطنيها، وتكون مرجعا لكل المواطنين. “نريد مواطنين لبنانيين، لا سنة ولا شيعة، ولامسلمين ولا مسيحيين” (دولة المواطنة، التي تحفظ الجميع).*

*ويقول سماحتُه: “يجب ان نبني دولةً يثق بها الناس. فالدولة هي التي تحمي الطوائف ،وليست الطوائف من يحمي الدولة. ولن يقوم البلدُ اذا لم نتعاون ونفهم بعضَنا بعضًا “.*

 

ختاماً، قد تكون الأمورُ غيرَ واضحةٍ تماماً بعد، إلا أن ما هو شديدُ الوضوحِ عدوانيةُ لعدو وجبروته واسلوبه الاجرامي في القتل والتدمير والتهجير هو أبرزُ داعٍ لاتخاذِ موقفٍ وطنيٍ مسؤول من الجميع، أجل من الجميع،  عِلمًا أنّ المواقف الشعبية والرسمية تقفُ عند رفض أي محاولة لفرض حلول سياسية باستخدام القوة. وإلى أن تتضح معالم الطريق نحو حل سياسي شامل، يبقى الشعب اللبناني متماسكا بأمله وإرادته الوطنية وإيمانه بالله الحيِّ القيوم، وكما العِبرةُ في الموقف الوطني المُوَحَّد المسؤول فالعِبرة أساسًا تكمنُ في الميدان، حيث الامتحانُ الأكبرُ، متجاوزاً موجة التهديدات والقصف التدميري القاتل. وإنّ “غداً لناظره قريب”، فالأملُ في نهاياتٍ إيجابيةٍ لا يزالُ حاضراً، على الرغم مِن كل التّحديات.

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى