قراءة في الانهيار الفكري وفي تعبيراته:تحويل الاوهام والاكاذيب الى وعي عمومي (علي يوسف)
كتب علي يوسف- الحوارنيوز
لعله من ابرز مفاعيل الانهيار الفكري هو تحويل الاوهام والاكاذيب الى وعي عمومي .. فتنشأ في ظل ذلك مسلمات يتم تردادها وكأنها منطلقات ثابتة في حين انها تسقط عند اول تدقيق في معانيها وفي مضامينها ..
وتختلف التعبيرات عن هذه المسلمات باختلاف المواقع وباختلاف الانتماءات وقد تأتي الاستعمالات متناقضة الا ان احدا لا يمس بمصطلحات هذه المسلمات لأن المساس بها قد يؤدي الى الاضطرار الى مواجهة الوقائع بما يطرح ازمة التكوين اللبناني على مصراعيها وهو أمر يفوق القدرة على ضبطه ان من الجهات الراعية لازمة التكوين او من المكونات عينها التي لا تحمل مشروعا ورؤية لا للخروج من هذه الازمة ولا لصياغة تكوين آخر خصوصا وان هذا التكوين هو نتاج رسم اتفاق سايكس بيكو الذي دخل مرحلة اهتزاز في اتجاه توازنات دولية جديدة في عالم متعدد الاقطاب لم تتصح حتى الآن معالم واضحة لهذه الاقطاب …
وتو ضيحا لهذا الكلام سوف نورد بعض الامثلة الاساسية التي تبين كذب واوهام بعض المسلمات و “التكاذب التوافقي” في امور تكوينية وهي على سبيل الذكر لا الحصر :
١- خرج علينا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ختام لقائه مع الرئيس القبرصي ورئيسة مفوضية الاتحاد الاوروبي ليقول في كلمته في المؤتمر الصحافي “ان أمن لبنان من أمن اوروبا ” فهل يعلم ميقاتي المضمون السياسي لما قاله وهل يعلم ان ذلك يعني بحكم الجغرافيا السياسية ان لبنان مايزال مستعمرة اوروبية كونه لا يملك اي حدود مع دولة اوروبية ؟؟!!!! فإذا كان ميقاتي يقصد ذلك فتلك مصيبة وان كان يقول ذلك كتعبير مسايرة وتزلف فتلك مصيبة اكبر كونه رئيس حكومة وليس طرفا سياسيا يتذلل التقرب …!!! وفي كل الحوال فإن هذا الكلام يعني ان رئيس حكومة لبنان لا يعرف معنى الأمن القومي بما يشكل ذلك تفريطا بالسيادة الوطنية …!!!!
٢- يطلع علينا يوميا سياسيون ووزراء وفاعليات ليؤكدوا ان القرار ١٧٠١ يحمي لبنان … وطبعا من دون اي توضيح كيف ان هذا القرار يحمي لبنان الا اذا كان ذلك تماثلا مع اعتبار ان القرار ٤٢٥ حرر الارض المحتلة في الجنوب والتي لم تحرر بالكامل حتى الآن ؟؟!!!!
وللحقيقة ان القرار ١٧٠١ لم يُنفذ منه الا ما لم ينص عليه فما حققه القرار هو فعلا وقف اطلاق النار الذي لم ينص عليه اما وقف الاعمال العدائية فهو أمر لم ينفذ ولم يحصل ابدا كون الجيش الصهيوني استمر باعتداءاته على لبنان ان بالخروقات الجوية او البحرية واحيانا البرية والاعتداء على الرعاة الخ .. كما ان حزب الله لم ينسحب الى ما بعد الليطاني كون عناصره وهم من ابناء الجنوب متواجدون في قراهم اي على الحدود ويمارسون دورهم المقاوم في التجهيز والاستعداد وتأمين كل متطلبات تأمين قوة الردع وحتى ما يفوق ذلك .. كما ان تواجد الجيش وقوات الطوارىء لا يشكل لا حماية للبنان ولا حماية للكيان الصهيوني كون هذا الوجود لم يمنع اي من الخروقات واكتفى بتسجيلها من دون اي تبعات لهذا التسجيل ..!!
وهكذا لم يحقق ال. ١٧٠١ الا وقف اطلاق النار الذي لم ينص عليه في حين ان كل ما نص عليه هو حبر على ورق ليس اكثر …؟؟!!!
وكل الحديث عن محاسن ال ١٧٠١ هو محاولة لاخراج لبنان من الصراع مع العدو الصهيوني خدمة ومساعدة للكيان الصهيوني للاستفراد بالفلسطيننين ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية كما يعتقد ..!!
٣-يطالعنا كل اللبنانيين مسؤولون وسياسيون وفاعليات بالتأكيد يوميا على الاصرار على الالتزام باتفاق الطائف .. وعلى ان لبنان وطن نهائي لكل أبنائه .. ويجب الإشارة الى سخافة التأكيد على ان لبنان وطن نهائي لكل ابنائه والذي هو غير مفهوم او وكأن هناك وطن غير نهائي لأبنائه ؟؟؟!!! فحتى المجنسون في البلدان التي تستوعب التجنيس يؤكد المجنسون مرة واحدة انتماءهم للبلد الذي يحصلون على جنسيته حين “عند القسم ” عند الحصول على الجنسية ولا حاجة لأن يكرروها مرة اخرى ..!!!! الا في لبنان يجب على كل اللبنانيين ان يكرروها دائما لأنني اعتقد انهم هم في قرارة أنفسهم يدركون حجم الكذب في الانتماء الوطني وحجم التبعية العميقة الذين يختزنونها..؟!!!!
ولتأكيد حجم التكاذب الوفاقي فلم يطبق من اتفاق الطائف الذي يصرون يوميا على تطبيقه الا اختزال بعض صلاحيات رئاسة الجمهورية ولمصلحة رئاسة الحكومة واقعا وليس لمجلس الوزراء مجتمعا وما يزال الموارنة الذين يصرون على اتفاق الطائف لضمان المناصفة اي لضمان المكسب الذي يفتقد الواقع الفعلي يحاولون جاهدين استعادة الصلاحيات التي فقدتها رئاسة الجمهورية والغاء مفاعيل اتفاق الطائف في هذا الشأن .. بحيث لا يبقى من اتفاق الطائف الا المناصفة التي يتم تطبيقها على نحو مشوّه فلم تقتصر على الحكومة ومجلس النواب و موظفي الفئة الاولى بل استخدمت لتعطيل كافة وظائف الدولة ..؟؟؟؟
والأنكى من كل ذلك ان النظام اللبناني الذي يُفترض ان يحكمه اتفاق الطائف والذي يحب البعض ان يسميه نظاما توافقيا هو في الحقيقة نظام تبعية وتعطيل افقد الدولة كل معانيها من الامن القومي الى السيادة الى المواطنة الى التنمية الى الخدمات الى تأمين التقديمات الاجتماعية من التعليم الى الصحة الى السكن الى العمل الى البيئة الخ…. وهو افراغ الدولة الراعية وذات السيادة من كل مضامينها لمصلحة المجموعات المتناقضة والمتناتشة للسلطة وللمقدرات تحت عناوين التكاذب الوفاقي الوطني . التي يتم تنفيذها بمهرجانية استعراضية هزلية ..!!!!!
٤- لا تعترف القوى السياسية ان “مكونات “لبنان تتناقض في رؤيتها لموقع لبنان و لأمنه القومي ولدوره ويتحدث البعض لفظا ومسايرة للمكون الآخر ان الكيان الاسرائيلي هو عدو للبنان الا انه في المقابل يقول جهارا انه لا يريد رئيساً للجمهورية “ممانعا” اي بالمعنى بالحقيقي لا يريد رئيسا معاديا للكيان الصهيوني وكل سياساته وشعاراته تتطابق مع هذا التوجه وهو يشهر عداءا واضحا لكل دول وتنظيمات محور المقاومة وخصوصا لإيران ويستثني العراق استجابة لعادته في الاذعان حيث يمكن الحصول على” المساعدات المالية ” ..؟! وما يثير الدهشة ان الجميع يقفز فوق التناقضات التكوينية وبدل ان يصر على مواجهة الواقع يتحدث عن وفاق وتوافق حول امور شكلية تبقي على كل التناقضات التي تمنع بناء وطن والتي كانت وما تزال تحتاج الى مؤتمر تأسيسي من باب المصارحة والاعتراف بالواقع على الاقل لاعتبار ان الواقع الجيوسياسي لا يمكن تغييره بالرغبات ولا يمكن الذهاب نحو محور الكيان الصهيوني بما يجعل لبنان في موقع محدد المعالم وبما يرفع الحوار من التكاذب الى تحديد وتنفيذ شروط بناء وطن مبني على قواعد المواطنة الثابتة وليس على اوهام ناتجة عن الانهيار الفكري وعقد الطائفية الحصصية التناتشية ….!!!!!
لقد بات من الضروري وقف تحويل مفاعيل الانهيار الفكري والاوهام والاكاذيب الناتجة عنه الى وعي عمومي يُضعف امكانات توظيف كل الانجازات التي يمكن ان يحققها لبنان بفعل مقاومته في ان يكون على طاولة رسم القطب الاقليمي توازيا مع رسم العالم متعدد الاقطاب..