حرب غزةسياسة

خطاب بايدن إسرائيليا: بين استمرار سياسته ونفاذ صبره (حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى من غزة:

أثار خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن “حال الأمة” أمام مجلسي الكونغرس ردود فعل متفاوتة، بين من اعتبره استمرارا لسياسته المعروفة الداعمة لإسرائيل، وتلك التي رأت فيه تعبيرا عن نفاذ صبر الإدارة الأمريكية من سلوك حكومة نتنياهو وتغييرا لسياستها.

 وجرى التركيز بين هذا وذاك على ما أعلنه بايدن من معطيات صادقت على ما كان يكذبه سابقا حول أعداد الشهداء من المدنيين والمجاعة التي سببتها القيود الإسرائيلية على المساعدات، وإعلان قراره بإنشاء رصيف بحري لإيصال المساعدات لغزة عن طريق البحر. والواقع أن حديث بايدن عن الممر البحري أثار مخاوف لدى البعض من أن هدفه الظاهر هو مساعدة إنسانية، وهدفه المستتر هو المساهمة في تهجير الفلسطينيين وتنفيذ مخطط إسرائيل.

ولاحظ موقع “والا” أن بايدن الذي وقف طوال الشهور الخمسة من الحرب بقوة إلى جانب إسرائيل، غيّر نهجه ولم يعد مستعدا لانتظار إسرائيل في كل ما يتعلق بتسريع وصول المساعدات الإنسانية. كما أنه في خطابه تطرق إلى الرهائن الأمريكيين وأوضح أن الاتفاق الذي كان يسعى إليه بين إسرائيل والسعودية يبتعد. واعتبر أن خطاب “حال الأمة” أشار إلى ” تغيير كبير في نهج الرئيس الأميركي في التعامل مع الحرب في غزة ونفاذ صبر البيت الأبيض تجاه الحكومة الإسرائيلية. وحتى لو تحدث الرئيس بضبط نفس وأدب، فإن كلماته يجب أن تشعل الضوء الأحمر الساطع في القدس”.

وأشار باراك رافيد إلى أن خطاب بايدن أظهر أكثر من أي شيء آخر مدى نجاح الحكومة الإسرائيلية في إهدار الرصيد السياسي الذي كانت تتمتع به لدى أكبر حليف لها ولدى الرئيس الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة. في نهاية شهر أكتوبر عندما لم يكن عدد القتلى في غزة 10 آلاف شخص، شكك الرئيس بايدن في مصداقية الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة التابعة لحماس في قطاع غزة، وفي خطابه الليلة تحدث بالفعل عن 30 ألف قتيل فلسطيني – وهو رقم مماثل لما نشرته السلطات في غزة.”

وكان لافتا أن مستشاري بايدن أبلغوا الصحفيين أن الرئيس أمر موظفيه بالمضي قدمًا في خطوة إنشاء الرصيف البحري في أسرع وقت ممكن “وعدم انتظار إسرائيل”. كما أن بايدن لم يذكر في كلمته نتنياهو، لكنه خاطب “القيادة الإسرائيلية” ودعاها إلى أخذ الأزمة في قطاع غزة على محمل الجد. وقال “إن المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تكون اعتبارا ثانويا أو ورقة مساومة. فحماية أرواح المدنيين الأبرياء يجب أن تكون الأولوية”.

غير أن أهم ما أشار إليه موقع “والا” هو أن كثيرين في تل أبيب أسرى فكرة أن بايدن سيستمر في دعم حكومة نتنياهو حتى لو استمرت في التصرف بشكل إيجابي تجاه الرئيس الأمريكي ولا تأخذ في الاعتبار طلبات الولايات المتحدة، كما في عملية رفح . ووفقا لهذا المفهوم  سيستمر السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة في فرض الفيتو لصالح إسرائيل، وستستمر السفن في تدفق الأسلحة الأمريكية إلى ميناء حيفا، وكما حدث في 7 أكتوبر، فإن هذا المفهوم يمكن أن ينهار أيضا ويتسبب في تفاقم الأضرار لإسرائيل..

ومن الجائز أن محادثة مسجلة جرت على هامش خطاب “حال الأمة” بين بايدن والسيناتور اليهودي الديمقراطي مايكل بينيت تشهد على توجهات بايدن الجديدة. وبحسب الواقعة تقدم السيناتور من بايدن وأخبره عن زيارته الأخيرة لإسرائيل والأردن وقال له: “عليك أن تستمر في الضغط عليهم بشأن المساعدات الإنسانية”. فما كان من بايدن حسب التسجيل إلا أن قال: “لقد أخبرته – بيبي – ولا تكرر ما أقوله لك الآن – أنت وأنا ولكننا سنعقد لقاءً مع يسوع “. وبحسب تفسير مصطلح “لقاء يسوع” فإنه يعني إجراء حوار مباشر وصعب حول خلاف بين طرفين. وهو ما فسره كثيرون بأنه يعبر عن حالة الإحباط لدى بايدن من نتنياهو وسياساته تجاه الحرب واليوم التالي لها. والأدهى أن بايدن عندما أدرك أن كلامه يتم تسجيله قال “أنا على ميكروفون ساخن هنا. جيد. هذا جيد”.

وكتبت تسيبي شميلوفيتز من نيويورك ل”معاريف” عن خطاب بايدن أن “الموضوع الأكثر إثارة للانفجار السياسي بالنسبة له – إسرائيل وغزة. وقد ذكّر الجميع بأنه كان مؤيدًا كبيرًا لإسرائيل طوال حياته، لكن المعنى الضمني للكلمات الحذرة التي قالها يجب أن يوضح لإسرائيل أن مارس 2024 ليس أكتوبر 2023، وأن صبره بدأ ينفد، ولا يزال يتعين على بايدن أن يحدث الكثير لكي يتخذ خطوات مهمة ضد إسرائيل، وأيضًا لأن عاطفته، التي يتخذ منها جزءًا كبيرًا من قراراته، لن تفعل ذلك ببساطة.  لكنه يدخل خط الوسط في عام انتخابي بالغ الأهمية، ولا يستطيع تحمل خسارة الناخبين الذين يشكلون أساس الحزب الديمقراطي. لذا فهو يسير عبر الشقوق ويأمل أن تنتهي الحرب بحلول نوفمبر/تشرين الثاني في مرآة الرؤية الخلفية.”

وحول نوايا بايدن من التركيز على غزة والممر البحري شككت افتتاحية موقع شبكة فوكس نيوز اليمينية الأمريكية، وقالت: “قد يبدو للوهلة الأولى أن قرار الرئيس زيادة المساعدات الإنسانية المباشرة لقطاع غزة بمثابة جهد لمساعدة المدنيين الذين يعانون خلال الحرب، لكنه يتم من خلال أجندة أوسع، لإقامة علاقة ثنائية مستقلة مع الفلسطينيين، منفصلة عن التحالف الأميركي مع إسرائيل”.

“في الماضي، كان تقديم المساعدات الأمريكية لغزة أو الضفة الغربية يتم بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية، كما كانت المساعدات المماثلة من دول مثل مصر وقطر والإمارات العربية المتحدة. لكن الآن، يأخذ بايدن هذه القضية على عاتقه”. بيديه يجري تغييرا جذريا في ديناميكيات العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، من خلال الاعتراف الأميركي بالدولة الفلسطينية. ومثل هذا العمل لن يبرر الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول فحسب، بل سيكون له عواقب وخيمة “يمكن للكونغرس أن يتوقف. يمكن للمرء أن يناقش الحكمة من مكافأة حماس بالمساعدات الإنسانية، لكن القضية أوسع بكثير”.

وأضافت الافتتاحية أنه “رغم أن المشروع الأمريكي لم يعرض بعد على تصويت في مجلس الأمن، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأنه قد تم طرحه، خاصة في ضوء الدعوات الصريحة التي أطلقها نائب الرئيس لوقف إطلاق النار في وقت مبكر من يوم الأحد هذا. بالإضافة إلى ذلك، إن زيادة المساعدات الإنسانية وقرار الأمم المتحدة ليسا سوى مقدمة لاعتراف رسمي وأحادي الجانب من جانب الولايات المتحدة بدولة فلسطينية، دون التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، في أعقاب المذبحة التي وقعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومثل هذه الخطوة ستكون بمثابة إعلان لدولة فلسطينية. المساواة بين إسرائيل والفلسطينيين في السياسة الأمريكية، بطريقة مروعة للغاية، لأن الدافع وراء هذه السياسة هو الاستعدادات للانتخابات في ديسمبر، وليس التطلعات المشروعة للفلسطينيين”.

ومن شبه المؤكد أن دوافع نشر هذه الافتتاحية تمتد لتصل العديد من الجهات الإسرائيلية رغم أن جمهوريين كثر قد يكونون يؤمنون بمثل هذه المواقف ويحاولون إحباط توجهات بايدن الحالية.

في كل حال فإن الممر البحري يغدو حقيقة بسرعة كبيرة وقبل إنشاء الرصيف البحري، إذ ستصل سفينة تحمل مواد لمنظمة “المطبخ المركزي العالمي”  بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة. لكن القيام بالرحلة الأولى سيكون بمثابة اختبار للطريق البحري، لاختبار كفاءته والمشاكل التي لا تزال بحاجة إلى حل. وسيتم تحميل المواد الغذائية على متن سفينة تابعة لمنظمة إنسانية إسبانية تدعى “ياديم أوبن”، والتي ستبحر من لارنكا. وعندما تقترب السفينة من الشاطئ، ستقوم بنقل الحمولة إلى شاطئ شمال غزة باستخدام مركبات إنزال برمائية. ويتم تنسيق هذه الخطوة مع إسرائيل التي ستؤمن إنزال المعدات، ومع الأمم المتحدة التي ستتولى تفريغها ونقلها إلى شمال قطاع غزة بالشاحنات.

وقد نشر البيت الأبيض أمس (الجمعة) بيانا مشتركا باسم الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية وألمانيا وقبرص وهولندا واليونان وإيطاليا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، أعلن فيه تشكيل تحالف من الدول التي ستعمل على فتح ممر بحري لنقل المساعدات إلى قطاع غزة من قبرص، والعمل معًا لإيصال المساعدات إلى غزة عن طريق البحر بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وقال الإعلان المشترك إن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة ستنعكس في توصيل المساعدات الأولية إلى غزة عن طريق البحر. وينص الإعلان المشترك أيضًا على أن قبرص ستعقد قريبًا اجتماعًا لكبار الممثلين من جميع الدول المشاركة في المبادرة. لبحث تسريع العملية.. وسيتم تنسيق هذه الجهود مع الحكومة الإسرائيلية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى