قراءة علمية في حادثة انفجار مرفأ بيروت
بقلم د. داوود نوفل*
كل ما اورده هي معلومات علمية قائمة على مشاهدات (فيديوهات) وتقارير رسمية (وجود 2700 طن من مادة الامونيوم نيترات). وانا لا احلل فرضيات الانفجار، ان كان حادثا عرضيا او عملا مفتعلا لان كل الدلائل العلمية لا تنفي اي فرضية منهما.
ينقسم المقال الى اربعة عناوين مهمة:
1- اسباب الانفجار
2- الغازات المنبعثة
3- الاثار البيئية
4- الخلاصة
*1- اسباب الانفجار*
مر التفجير المدمر في مرفأ بيروت في ثلاثة مراحل زمنية غير متباعدة: الاولى الحريق، الثانية الانفجار الاول والثالثة الانفجار الكبير. ومما لا شك فيه ان الانفجار الكبير قد نتج عن مواد كيميائية مخزنة بطريقة غير علمية في العنبر رقم 12.
*لا احد يملك الحقيقة العلمية لما جرى الا بعد معرفة طبيعة كل المواد التي كانت مخزنة في هذا العنبر،* والذي للأسف قد يكون مستودعا لكل المواد الكيمائية الممنوعة من الدخول الى لبنان وعادة ما تكون مواد ذات خطورة معينة.
وبعد صدور بيانات تقول ان العنبر رقم 12 يحتوي على كميات كبيرة من الامونيوم نيترات، يمكن التأكد من ذلك عبر لون الغازات المنبعثة في المرحلة الثالثة من التفجير والذي كان يميل الى اللون البني مما يؤكد وجود غاز NO2.
مادة الأمونيوم نيترات هي عبارة عن ملح أبيض عديم الرائحة يٌستخدم في الأسمدة الزراعية بتركيز اقل من %33.5 نيتروجين. وبما ان هذه المادة تدخل في صناعة المتفجرات، فقد فرضت الكثير من الدول ومنها لبنان قيودا على استيرادها ووضعت شروطا لتخزينها والتي للاسف لم تُحترم في لبنان. *تًصبح مادة الامونيوم نيترات متفجرة اذا تأمن لها:* عامل مفجر مساعد (من داخل العنبر او من خارجه) من مواد أخرى غير متوافقة معها او درجة حرارة اكبر من 210 درجة مئوية ولمدة زمنية محددة. وهذان الاحتمالان كانا مؤمنيين في الانفجار الكبير. قد يكون الحريق الاول ادى الى اشتعال المفرقعات التي امنت درجة حرارة عالية تصل الى 450 درجة مئوية مما ادى الى انفجار الامونيوم نيترات، و/او لعبت المواد الاخرى الموجودة دور عامل مساعد للتفجير. ومن المعروف ان مزج مادة الامونيوم نيترات مع مواد اخرى مثل بودرة الالمنيوم "Aluminium powder" او نيتروغليسيرين "nitroglycerine" او زيت الوقود " fuel oil" او مواد اخرى يؤدي الى تحول هذا الخليط الى مادة متفجرة تستعملها الكثير من الدول في المناجم وتفجير الصخور.
وقد شكلت مادة الأمونيوم نيترات مصدرا للعديد من المآسي، عرضية أو جرمية، في العالم كحادثة تكساس بامريكا عام 1948 وحادثة تولوز بفرنسا عام 2001.
*2- الغازات المنبعثة*
ولمعرفة طبيعة المواد والغازات المنبعثة من جراء الانفجار، يجب معرفة طبيعة كل المواد التي كانت مخزنة الى جانب الامونيوم نيترات في العنبر رقم 12. وقد تكوت هذه المواد اشد ضررا، لذلك لا ينبعي اهمال هذا الجانب ابدا.
وافتراضا ان المادة التي انفجرت هي الامونيوم نيترات، فإن الغازات المنبعثة هي غازات نيتروجين اوكسايد المتعددة ومنها NO, NO2, N2O, وغيرها ويُتعارف عليها بالNOx. والجدير ذكره ان غازات الNOx تنبعث يوميا وبكميات كبيرة من حركة سير المركبات في لبنان وذللك ان الحفاز المحول " catalytic convertor" المعروف ايضا لدي المواطنين "بالمحول البيئي" الموجود في السيارات هو بأغلبه معطل ولا يتم فحصه دوريا.
ان الكمية الكبرى من الغازات المنبعثة الناتجة عن الانفجار قد صعدت الى الجو ولم تنزل الى الارض. ونتيجة درجة الحرارة العالية والضغط الكبير المتولد، فإن الكثير من هذه الغازات ممكن لها ايضا ان تتفاعل فيما بينها لتولد مواد اخرى مثل الradicals او الaerosol او غيرها. ولكل من هذه الغازات والمواد خواص فيزيائية وكيميائية مختلفة ولها تأثير على طبقة الاوزون وبعض العوامل المناخية.
اما الغازات المتبقية، وعند تنشقها من قبل الانسان، تحدث عوارض صحية مثل ضيق التنفس ووجع الرأس والغثيان وهي اعراض عادية ما لم يُتنشق كميات كبيرة منها. وهذه الغازات ستتبدد مع مرور الوقت من يوم الى اسبوع بعد الحدث وبالتالي ضررها الزمني المباشر على الانسان ضعيف واكبر دليل على ذلك ان الاشخاص من مواطنين ومسعفين وشرطة ومسؤولين، الذين تواجدوا في الموقع مباشرة بعد الانفحار، لم تظهر عليهم اية عوارض تُذكر. كما ان اغلب الجرحى الذين نُقلوا الى المستشفبات لم يكن لديهم اعراض ضيق تنفس او ما شابه بل عانوا من جروح وحروق نتيجة عصف التفجير.
وعند احتكاك هذه الغارات بالرطوبة الموجودة في الجو فإنها ستتحول الى مادة حمضية "nitric acid and nitrous acid" وستساقط الى سطح الارض وتأثيرها الاول هو على العامل الجيولوجي للارض والتربة والمزروعات وستذهب لاحقا الى المياه الجوفية بوجود المياه السطحية. وحتى ان تلوث المياة الجوفية هو احتمال ضعيف نظرا الى ان سقوط امطار كبيرة خلال فصل الشتاء "dilution effect" ولقرب المنطقة من البحر مما يُضعف تركيزها مع العلم ان ملوثاث مياهنا الجوفية اشد ضررا بكثير من الحوامض النتريكية. اما تأثيرها على الاتسان فهو تأثير خارجي، من حكحكة او احمرار للجلد تُعالج بالغسل بالماء.
*3- سبل الوقاية*
كان من المفروض من كل الذي دخلوا مباشرة الى موقع التفجير ان يضعوا الكمامات المختصة بإلوقاية من الغازات. وهذه الكمامات هي ليست الكمامات الطبية المتعارف عليها او N95، بل هي عبارة عن كمامات تحتوي على الكربون "activated carbon". ولا داعي كما ذّكر بدعوة المواطنين الى ارتداء الكمامات العادية تجنبا للغازات ولكن الكمامات العادية افضل من لا شيء لانها تحجب بعض الغبار المتناثر بالهواء نتيجة الانفجار الكبير.
*4- الخلاصة*
ان ضرر الانفجار بقوته التدميرية اكبر بكثير من الثلوث البيئي الذي سيتناقص تدريجيا مع الوقت ولا داعي لاخذ اجراءات او احتياطات.
كما اننا ندعو الى الكشف على كل المستودعات التي تُخزن فيها مواد كيميائية للتأكد من اتباع الارشادات المعروفة عالميا تجنبا لكارثة جديدة على غرار ما حصل في المرفأ.
*استاذ وباحت في الكيمياء في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية