قراءة سياسية من غزة لآفاق الحرب: ماذا عن اليوم التالي؟(حلمي موسى)
كتب حلمي موسى من غزة:
بدأ اليوم الاسبوع الحادي عشر للحرب الهمجية على قطاع غزة. ولا يبدو في الافق اننا نقترب من النهاية رغم ان كل يوم يمضي يقربنا من هذه النهاية.
وقراءة الوضع السياسي خصوصا زيارات المسؤولين الامريكيين والتحركات في الامم المتحدة ،تظهر ان المراهنة على ذلك خاسرة. فقرار الجمعية العمومية للامم المتحدة رغم شرعيته وصلاحيته من ناحية القانون الدولي ،يفتقر للأظافر بسبب هيمنة الولايات المتحدة على مجلس الامن الدولي بامتلاكها حق الفيتو.
كما ان زيارات المسؤولين الامريكيين للكيان ،خصوصا زيارة مستشار الامن القومي، بددت آمالا ظهرت بعد تصريحات بايدن عن القصف العشوائي وتراجع التأييد الدولي، اذ عاد المسؤولون الامريكيون للقول بأنهم لا يضعون حدودا زمنية للحرب، وان الجيش الصهيوني لا يستهدف المدنيين الفلسطينيين ،وانهم يؤيدون اهداف الحرب المعلنة.
وبقي الهامش الخلافي الوحيد بين امريكا واسرائيل هو ما يسمى باليوم التالي. اي ما الذي ينبغي فعله بعد انتهاء الحرب. وفيما يمكن القول ان امريكا عادت بقوة الى حل الدولتين فإن اسرائيل ترفض ذلك ،وتحرص على عدم الخوض في هذه المسألة. وتركز الحديث حول الحرب وضرورة خوضها حتى النهاية قبل الحديث عن اليوم التالي. ويصر قادة الاحتلال السياسيون والعسكريون على اهداف الحرب وفي مقدمتها القضاء على حكم حماس وقدراتها العسكرية في غزة، ويلحقون بذلك هدف تحرير الأسرى لدى حماس ،ولكن كلامهم عن ذلك اقرب الى الضريبة الكلامية.
وكان هذا هو الحال حتى يوم امس عندما حدث تطورهام، وهو قتل ثلاثة من الاسرى المدنيين في الشجاعية بأيدي الجيش الاسرائيلي.
وقد حاول الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي التعامل مع قتل هؤلاء الاسرى على انه حدث كارثي من الدرجة الأولى، مدركا اثر ذلك على الراي العام الاسرائيلي.
فقد اثبت قتل الاسرى، بصرف النظر عن ظروف الحدث، ان الجيش الاسرائيلي يقتل من دون تمييز من جهة، وان استمرار الحرب لا يقرب هدف تحرير الاسرى، وانما يعرضهم للخطر والقتل.
وفور نشر النبأ خرجت تظاهرات كبيرة تطالب بابرام صفقة تبادل فورا. واضعفت هذه التظاهرات موقف الحكومة والجيش ما ظهر في نشر موقع اكسيوس خبر استعداد رئيس الموساد للقاء رئيس وزراء قطر في عاصمة اوروبية.
ومن المؤكد ان هناك صراعا شديدا بين حكومة نتنياهو والعديد من مواقع النفوذ في الكيان حول مسألة التبادل، اذ هناك من يؤمن بان القيادة الحالية معنية فقط بالحرب واستمرار التدمير واطالة الحرب، بصرف النظر عن العواقب، خشية توقف الحرب. فالقيادة السياسية والعسكرية في نظر الجمهور الاسرائيلي قيادة فاشلة لأنها جلبت ٧ اكتوبر ولم تستعد له. ولكن هذه القيادة التي تعرف ان استمرار الحرب يبقيها في مناصبها من دون محاسبة، وان انتهاء الحرب يضعها تحت مقصلة المحاسبة القاسية، لذلك يسعى هؤلاء لتكبيد الفلسطينيين اكبر ثمن كي يظهروا ذلك للاسرائيليين على انه انجاز كبير يمكن ان يقلّص او يخفف الحكم الشعبي والسياسي الذي سيفرض عليهم.
وكانت هذه القيادة بعيدة عن الاستعداد لعقد صفقات التبادل وتتمنى فشلها، ولكن كانت تضطر لعقدها اساسا بسبب الضغط الامريكي وبعض الدول الاخرى.
ولكن بعد قتل الاسرى الثلاثة صار الحال مختلفا، خصوصا ان التظاهرات ومواقف مراكز النفوذ الفكرية والثقافية والامنية من خارج المؤسسة الرسمية، تطالب بمبدأ “الكل مقابل الكل”. ولكن لهذا المبدأ تعقيداته الكثيرة، خصوصا حول ما يمكن ان يحدث بعد الافراج عن الاسرى الفلسطينيين في الضفة والقطاع. فهناك بين الاسرائيليين من ينادي منذ الان بالافراج عن الاسرى في عملية تبادل وبعدها استهداف الاسرى وقتلهم.
وهذا يقودنا الى ما يمكن ان تكون عليه الاوضاع في اليوم التالي. وحسب ما يعلنه قادة الكيان فإنهم يتطلعون الى انشاء كيان منفصل عن الضفة في غزة ، يكون اقرب ما يكون الى المنطقة “ب” في الضفة ،اي بقاء السيطرة الامنية لاسرائيل. وهذا يعني ان التبادل ضمن ظروف كهذه اقرب الى مغامرة لا احد يعرف حدودها.
ومع ذلك يمكن ان نسمع خلال الايام المقبلة احاديث كثيرة عن التبادل وفرص ابرامه. ولكن التبادل في الوضع الراهن اكثر صعوبة مما كان في ايام الهدنة السبعة السابقة. وكانت اسرائيل المحت الى انها تتلقى عروضا متناقضة من دولتين عربيتين بشأن التبادل، وان ذلك يربك الاتصالات بهذا الشأن.
ومن جهة اخرى تدور رحى الحرب في غزة وشمالها كما في خانيونس وشرقها فضلا عن قصف يطال تقريبا كل مناطق القطاع. واسرائيل معنية بوضع الفلسطينيين في حالة نفسية اساسها انهم وحدهم وان كل ما يجري في العالم لا يغير من واقع الحرب شيئا. ولكن الفلسطينيين يعرفون من جهة اخرى ان لا خيار امامهم سوى الصمود وكسر العدوان وتحقيق النصر.