قراءة سياسية للملف الرئاسي اللبناني: حركة لودريان والتوافق والحوار(غازي قانصو)
بقلم: أ.د. غازي منير قانصو – الحوار نيوز
السياق الجيوسياسي
وفقًا للتقارير الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية، يتضح أن إسرائيل لا تمتلك الدعم والغطاء اللازمين لشن حرب شاملة ضد لبنان. هذه النقطة الجوهرية تسلط الضوء على حالة الاستقرار النسبي في المنطقة، حيث يفتقر العدو الإسرائيلي للقدرة على تنفيذ هجوم شامل على الجنوب اللبناني.
*الملف الرئاسي اللبناني*
في ظل هذه الظروف، يبقى الملف الرئاسي اللبناني في حالة من الجمود الداخلي مع غموض الموقف الخارجي. هذا الوضع تأثر بجولات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، الذي أجرى جولة سادسة مؤخراً، والتي تزامنت مع تجميد حركة «اللجنة الخماسية». الاعتقاد السائد هو أن حالة الجمود ستستمر حتى تتضح نتائج الحرب في غزة والجنوب اللبناني.
*أهمية التوافق السياسي، والحوار هو الطريق*
تشدد المراجع السياسية اللبنانية على أن البلد لا يمكن أن يستقر إلا من خلال التوافق. وفي ظل غموض مصير الاستحقاق الرئاسي، يبدو الحوار السبيل الوحيد لتحقيق توافق واسع يمكن من خلاله انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذا التوافق ليس مجرد هدف بل هو ضروري لاستكمال المؤسسات الدستورية القادرة والفاعلة في مواجهة الاستحقاقات الكبرى المقبلة. التجارب السابقة أثبتت أن لبنان لا يمكن أن يدار بمنطق الغالب والمغلوب أو بحكم الأكثرية البسيطة.
تصريحات لودريان وجهوده
أعرب لودريان عن تقدمه في مهامه وأكد نيته العودة إلى بيروت لاستكمال مساعيه. وأبلغ الجهات اللبنانية المسؤولة بعزمه على الاستمرار في مهمته بعد تلقيه توجيهات جديدة من الرئيس ماكرون في ضوء التقرير الذي أعده عشية القمة الفرنسية – الأمريكية المرتقبة. يشير لودريان إلى أن جولته الأخيرة حملت تقدمًا نوعيًا وقلصت الهوة بين القوى السياسية اللبنانية، خاصة بين المعارضة والثنائي الشيعي.
*الرسائل والدعوات للحوار*
نقل لودريان رسالة إلى الأطراف اللبنانية تفيد بأن الاهتمام الأمريكي بالملف اللبناني متاح لشهرين قبل الدخول في المرحلة التحضيرية للانتخابات الرئاسية الأمريكية. دعا لودريان الأطراف اللبنانية إلى استغلال هذه الفترة للتحرك نحو حل الأزمة.
من جهته، أكد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط أن الحزب واللقاء الديمقراطي يعتزمان التحرك مجددًا لإيجاد مخرج لأزمة رئاسة الجمهورية، وهو ما يعول عليه لودريان إلى جانب مساعي كتلة الاعتدال الوطني.
*الموقف الداخلي*
رفض لودريان اعتبار جولته الأخيرة فاشلة، مشيرًا إلى تحقيق تقدم جيد من خلال تأكيد حزب الله عدم ربط الملف الرئاسي بما يجري في الجنوب وغزة، وكذلك تحسين موقف المعارضة نحو الحوار. هذا التقدم جاء بدعم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يتابع هذه الموضوعات بجدية ومسؤولية، مما يجعل مبادرته لتسريع عملية انتخاب الرئيس واضحة ومهمة.
*استعداد المقاومة في لبنان*
من جهة أخرى، أثبتت المقاومة اللبنانية جاهزيتها وقدراتها في مواجهة العدو منذ بدء الحرب. تشير القراءة الميدانية إلى عدم قدرة إسرائيل أو استعدادها لشن حرب شاملة على جبهة الجنوب، مع التأكيد على جاهزية المقاومة لكل الخيارات.
*الخلاصة*
وَقبل ضياع الفُرص، إن الواقع المأساوي الحالي سيكون على حساب اللبنانيين والدولة إذا لم تبادر القوى السياسية المعنية إلى الحوار الفوري وفقًا لمبادرة الرئيس بري بهدف انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. وبعد الانتخاب، يمكن استكمال الحوار برعاية الرئيس الجديد لطرح كافة المسائل الرئيسة على طاولة الحوار بهدف التوافق عليها. هذا وحده، في الظروف الحالية، يمكن من وضع الدولة على مسار النهوض والأمان والسلام وعلى إعادة النماء للنموذج الاقتصادي في لبنان.
أ.د. غازي منير قانصو
عضو اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي.
الأحد ٢ حزيران ٢٠٢٤