د. عدنان عويّد* – الحوارنيوز خاص
رغم كل التحولات التاريخيّة التي جرت في عالم الحداثة وما بعد الحداثة فكراً وسلوكا، ورغم كل ما حققته هذه التحولات تاريخيّاً من قضايا ايجابيّة تتعلق بالسير قدما من أجل تحرير المرأة من دونيتها في الحس الشعبي بشكل عام، هذه المرأة التي أصبحت أستاذة، ودكتوره جامعيّة، وطبيبة ومهندسة بكافة اختصاصات الهندسة، وغير ذلك من مجالات الحياة العلميّة والفنيّة والأدبية والاجتماعيّة، إلا أنه لم تزل هنا وهناك أصوات (كثيرة) ترتفع للنيل من مكانة المرأة وقيمتها الإنسانيّة والاجتماعيّة والعقليّة، إما من منطلق دينيّ لا يمت لجوهر الدين برأيي من جهة، إذا ما نظرنا إلى (مقاصد) الدين الحقيقيّة بالنسبة للقيمة الإنسانيّة للإنسان عموماً، وبالنسبة لخصوص سبب نزول الآيات والتعامل معها تاريخيّاً، وليس وفقاً لظاهر النص الدينيّ المقدس على أنه ثابت وصالح لكل زمان ومكان في محكمه ومتشابهه، أو في الثابت منه والمتحول في دلالاته التاريخيّة. فالدين في كل معطياته وفي جوهره جاء ليوافق الواقع وحركته المستمرة أساساً، أي جاء لتلبية مصالح الناس والرفع من مكانتهم الإنسانيّة، ولم يأت ليعمل على ليّ عنق الواقع كي ينسجم معه في كل زمان ومكان، وفق ما فسره وأوّله مشايخ العصور الوسطى.
وهذا الموقف العقلانيّ من النص المقدس الذي يدعو إلى فتح النص المقدس على كل دلالاته الإنسانيّة، يفرض علينا النظر في وضعيّة المرأة من منطلق اجتماعيّ وأخلاقيّ تفرضه طبيعة العلاقات الاجتماعيّة المتخلفة المشبعة بالحس الذكوري، أو بناءً على ثقافة شفويّة ونقليّة متخلفة ومشبعة بعنصريّة الذكورة ذاتها ّ تجاه المرأة كونها بنظر هذه الثقافة ضلعاً قاصرا، وناقصة عقل ودين، أو كشاردة الإبل، ولا نجانب الحقيقة عندما نقول إن بعضهم يعتبرها أفعى وماكرة ونجسة و حتى صوتها عورة، وغير ذلك من صفات لا تليق بإنسانيتها كإنسانة كرمها الله في كتابه الحكيم، والتكريم وفق الآية التالية ليس للذكر فحسب بل هو للأنثى ايضاً على اعتبار الذكر والانثى أبناء آدم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. (سورة الإسراء: 70).
هذا مع تأكيد النص القرآنيّ على أن (الإنسان) آدم وحواء خلقا من نفس واحدة. وهذا يدل على احترام المرأة ومساواتها من الناحية الإنسانيّة بكل قيمها بالرجل في قوله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (سورة المؤمنون: 12-14).
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء: 1].
والله تعالى قال في هذا الاتجاه أيضاً بمساواة الرجل والمرأة : (وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). التوبة 71.
على العموم نقول في هذا الاتجاه الأنثوي: لقد لعبت اليهوديّة دوراً كبيراً في احتقار المرأة والتقليل من مكانتها الإنسانيّة ليس عند اليهود فحسب، بل عند المسلمين أيضاً، كون اليهوديّة كانت منتشرة في البيئة التي جاء فيها الدين الإسلاميّ، فكان الدين الإسلاميّ الأكثر تأثراً بالديانة اليهوديّة.
إن اليهوديّة جعلت من المرأة أصل كل الشرور والآثام، التي تعاني منها البشريّة، منذ بدء الخليقة حتى اليوم، وقصة خروج آدم وحواء من الجنّة، وفكرة الخطيئة المنسوبة إلى حواء، قد تدرجت في نفوس رجال اليهوديّة على مرور الأيام؛ حتى جعلوا منها السبب الذي أورث البشريّة وزر هذه الخطيئة، وبسببها ـ على زعمهم ـ دخل الموت إلى العالم، لذلك استحقت حواء منهم اللعنة الأبديّة، حتى أصبحت في نظرهم “أَمَرً من الموت”. هذه الخطيئة التي ألبستها اليهوديّة للمرأة، جعلت من الرجل سيدًا عليها. وأنزلت مكانتها بالنسبة إليه، وجعلته ينظر إليها نظرة دونيّة، ويعاملها معاملة الجواريّ والعبيد مع فوارق بسيطة أو يسيرة، كما أن بعض الفرق اليهوديّة اعتبرت البنت في مرتبة الخدم، وإن لأبيها الحق في أن يبيعها ولو كانت قاصرة.. (1).
فالمرأة اليهوديّة وفق التصور الدينيّ اليهوديّ، قد سُلِبَتْ منها خاصيتها الآدميّة والإنسانيّة، وَجُعِلَتْ من خاصيات الرجل وممتلكاته الخاصة، التي يتصرف بها كيفما يشاء. بل إن الاعتداء عليها من رجل آخر، هو اعتداء على ملكه، وليس عليها مباشرة كإنسان له اعتباره، يحرم الاعتداء عليه.
لقد اقتضت المكانة الدونيّة للمرأة اليهوديّة، وفق ما رسمها لها الفكر الدينيّ: أن تُخَصَ بتشريعات خاصة منها:
1- لا يجوز للنساء تلاوة التوراة أمام حائط المبكى، وليس لهن حق المشاركة في العبادة!
2- يجب على الآباء عدم تعليم بناتهم كتاب التوراة؛ لأن معظم النساء ليست لديهنّ نيّة تعلم أي شيء، وسوف يقمنَ بسبب سوء فهمهنّ بتحويل التوراة إلى هراء.!
3- المرأة في فترة الحيض تكون نجسه طوال فترة الحيض وبعدها بسبعة أيام. كما يعتبرون أن كل ما تلمسه المرأة طوال هذه الفترة نَجِساً. وبل تعدى الأمر أكثر من ذلك، فإذا لمست المرأة شيئا ولمسه شخص بعد ذلك، فهذا الشخص يكون نجسا.(2).
4- ورد في التلمود كتابهم المقدس: «ان المرأة هي حقيبة مملوءة بالغائط»! كما ورد فيه : «يجب على الرجل ألا يمر بين امرأتين، أو كلبين أو خنزيرين، كما لا يجب أن يسمح رجلان لامرأة أو كلب أو خنزير بالمرور بينهما .
أمام هذه المعطيات التاريخيّة لوضع المرأة الدونيّ مقابل سيادة الرجل أو الذكر عليها، كان للفقه الإسلاميّ دور كبير في تكريس وضع المرأة المشين، حتى أننا نستطيع وصف هذا الفقه الخاص بشأن المرأة بأنه فقه الذكورة، على اعتبار أن المرأة كانت خارج التنظير له، بل هي ذاتها راحت تتعامل معه وكأنه أمر مشروع لا يأتيه الباطل من تحته أو بين يديه.
يظل السؤال المشروع بشأن المرأة يطرح نفسه علينا على ما يبدو ولفترات زمنيّة طويلة، وهو ما العمل لجعل المرأة تتجاوز محنة دونيتها التاريخيّة؟.
أولاً: لا بد من تعليم المرأة وتطبيق الزاميّة التعليم عليها تحت طائلة معاقبة الأهل الذين يقفون ضد تعليمها. فالتعلم والمعرفة يفتحان الطريق أمام عقل المرأة وجسدها كي تعرف دينها ودنياها، وبالتالي تخلفها ودونيتها التي فرضها عليها فقه الذكورة تاريخيّاً.
ثانياً: لا بد من تمكين المرأة من معرفة ذاتها عن طريق مؤسسات أهليّة وحكوميّة، تقوم بالاشتغال على توعية المرأة، من خلال التأكيد على مساواتها مع الرجل اجتماعيّاً، وأخلاقيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً، وأن الفروقات البيولوجيّة بين الذكر والأنثى أمر طبيعيّ لا ينتقص من دورها ومكانتها، هذا دون أن تغفل عمليّة التمكين من فضح المتاجرة بجسدها وتحويلها إلى سلعة في سوق الدعارة المشروعة وغير المشروعة بأشكالها المعروفة تاريخيا كزواج المتعة، وزواج المسيار وغيرهما. والأهم في هذا التمكين هو توظيفها وتحريرها اقتصاديّاً، فالحريّة الاقتصاديّة تمنحها القدرة على تحرير نفسها وعدم الخضوع لإرادة الذكوة التي تتحكم فيها بسبب حاجاتها من طعام ولباس وكل ما يتعلق بكينونتها الإنسانيّة.
ثالثاً: لا بد للمرأة ذاتها وقبل أي شيء آخر، أن تعي نفسها ودورها ومكانتها في هذه الحياة، وهذا يفرض عليها أن تثقف نفسها وتبحت عن معوقات تحررها الداخلية قبل الخارجية. فالمرأة التي تعرضت للقهر والظلم والاستلاب والغربة الروحيّة والجسديّة تاريخيّاً، راحت تشعر هي ذاتها ومن داخلها، بضعفها ودونيتها أمام الرجل وكان وضعها الذي هي فيه قدراً محتوماً عليها وهي لا تمتلك القدرة على تجاوزه أو مقاومته.
ملاك القول: المرأة هي الأم والزوجة والبنت والحفيدة والجدّة والعمّة والخالة والصديقة والحبية. فلنمكنها كي تعود عشتار العصر كما كانت في عمق التاريخ.
*كاتب وباحث من سوريّة.
هوامش
(1)- ويكبيديا.
(2)- راجع موقع الألوكة – واقع المرأة في الديانة اليهوديّة.
(2) للاستزادة في معرفة وضع المرأة في الديانة اليهودية راجع موقع – نورت –
زر الذهاب إلى الأعلى