الحوار نيوز – خاص – إعداد واصف عواضة
فاجأت حركة “حماس” الرأي العام العربي والدولي باختيار يحيى السنوار الذي يدير معركة غزة منذ عشرة أشهر، رئيسا لمكتبها السياسي وزعيما وقائدا للحركة خلفا للقائد الشهيد إسماعيل هنية.
ففي الوقت الذي كان فيه المراقبون والمحللون يتداولون أسماء عدة في قيادة الحركة لهذا المنصب،جاء تعيين السنوار ليفتح سيلا من التحليلات والقراءات لهذا القرار ،لا سيما داخل الأوساط العربية والدولية والإسرائيلية. ومن بين قادة “حماس” الآخرين الذين اعتبروا بدائل محتملة لهنية، خالد مشعل وخليل الحية وموسى أبو مرزوق ومحمد ضيف ومروان عيسى.
المتحدث باسم “حماس” أسامة حمدان قال “إن السنوار اختير بالإجماع رئيسا جديدا للحركة، وهو ما يعكس تفهم الحركة للاحتياجات الحالية للحركة”. وأضاف “أن السنوار كان دائما مشاركا في المفاوضات لوقف إطلاق النار مع إسرائيل”.
فما هي الاحتياجات الحالية للحركة في ظل الحرب الضروس التي يخوضها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام،ولماذا يحيى السنوار رئيسا للحركة في هذه المرحلة؟
عناصر المفاجأة
قبل الخوض في تحليل الأسباب التي دفعت “حماس” إلى مثل هذا القرار المفاجئ،لا بد من التوقف أمام عناصر المفاجأة بالذات ،وبينها بحسب موقع “أيوب” الألكتروني:
- أن منصب رئيس المكتب السياسي في “حماس”، هو كناية عن رئاسة السلطة التنفيذية في الحركة، إلا أنه في جانب آخر، هو بمنزلة وزير الخارجية، ومهمته الأساسية هي التواصل مع العالم. والذين توالوا على هذا المنصب، ممن عاشوا في الخارج، وخبروا الشؤون العربية والدولية، بحكم الإقامة في الخارج لسنوات طويلة: موسى أبو مرزوق (1992-1996)، وخالد مشعل (1996-2017). أما إسماعيل هنيّة فكان استثناء. وهو وصل إلى هذا المنصب عام 2017، بسبب ميزان القوى المستجدّ في غزة، إثر خروج السنوار من السجن نتيجة صفقة التبادل مع إسرائيل عام 2011. وهي المرة الأولى التي يكون فيها مقرّ رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، بل متمترساً في أحد أنفاقها، وإسرائيل تطارده بشراسة منذ عشرة أشهر، ولا تواصل مباشراً له مع الخارج.
- أن يحيى السنوار على خلاف أسلافه، بعيد عن المناخ السياسي الذي يتطلّب المجاملة والمرونة. وهو إلى ذلك، ذو خبرة أمنية، وقد أسّس عام 1985 جهاز الأمن والدعوة (مجد). وحُكم عليه عام 1988 بالمؤبد أربع مرات، لتعذيبه متعاونين مع إسرائيل وقتلهم. ومكث في السجن فعلياً 23 سنة، قبل أن يخرج بصفقة تبادل. وعندما ترأس حركة “حماس” في غزة عام 2017، وجُدد له عام 2021، أحدث نقلة نوعية في استعدادات الحركة للقتال، مع سيطرة الجناح العسكري (كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام) على مقاليد الأمور، وصولاً إلى اتخاذ قرار الهجوم على غلاف غزة، تحت اسم “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الماضي، في سياق تمويه وخداع غير مسبوقين مارسهما السنوار على إسرائيل، موهماً إياها أنه يريد الهدوء والسلام في القطاع.
- كان القرار السياسي والتفاوضي فضلاً عن القرار الأمني والعسكري بيد السنوار فعلاً قبل اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران أواخر تموز الماضي. وفي لحظات معيّنة، ومع شنّ إسرائيل حملة الإبادة على القطاع، وبدء ظهور حلول تسووية بشأن اليوم التالي بعد الحرب، واحتمال اللجوء إلى صيفة معيّنة مع السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع لاحقاً، عبر تشكيل جهاز حكومي مستقلّ، وكذلك خلال المفاوضات الصعبة والمعقدة مع إسرائيل بشأن التبادل والهدنة، كانت الأنظار تتطلّع إلى الداخل لمعرفة رأي السنوار في كلّ تقصيل صغير أو كبير. فالقرار طوال الأشهر العشرة كان للميدان. وقد يقال إنه من المنطقي أن يتولى السنوار بالأصالة ما كان يضطلع به هنيّة بالنيابة أو الوكالة. لكن وجود هنيّة على رأس المكتب السياسي في الخارج، كان يدغدغ الآمال بمرونة ما في التفاوض أو إجراءات اليوم التالي.
لماذا السنوار؟
ويبقى السؤال :لماذا السنوار؟
يمكن أن يكون لاختيار السنوار على رأس الجهاز السياسي للحركة آثار معاكسة، بخلاف التوقع المعتاد في مثل هذه الظروف، وهو أنّ اختيار السنوار ردّ عقابي على اغتيال هنيّة، وعلامة تشدّد في التفاوض، وانهيار في الأفق لأيّ اتفاق؛ والآن، يتواجه نتنياهو والسنوار وجهاً لوجه، من دون أقنعة. مع ذلك، فإن جمع القرارين الميداني والسياسي بيد السنوار، قد يضيّق هامش المناورة عند الوسطاء، ويبطئ من حركة التفاوض بسبب ظروف القتال والحصار في غزة.
لكن التفاوض قد يشهد أيضاً مرونة غير متوقعة من السنوار بوصفه العارف بالوضع الداخلي الإسرائيلي، وكيفية تفكير العدو، وآلية صنع القرار فيه، كما أنه الخبير بالوضعين الميداني والإنساني في غزة بشكل مباشر، ما يؤهله لاعتماد تكتيكات مفاجئة خلال التفاوض مع إسرائيل، كالاقتراحات التي أسدى بها السنوار خلال المفاوضات السابقة، والموافقة على صيغة التسوية التي وافق عليها نتنياهو، فاضطر الأخير إلى التملّص منها، ما أحرجه، وكشف كذبه على أهالي الأسرى الإسرائيليين، وعلى جو بايدن شخصياً.
بات السنوار، المسؤول المباشر عن مصير القطاع وأهله، وهذا ما يضعه في مكان مختلف، حين كان فقط رئيس الحركة في القطاع. يمكن توقّع أيّ شيء من السنوار السياسي، بعد أن فاجأ العالم بـ”طوفان الأقصى”.
الموقف الإسرائيلي
ولكن كيف قرأت الأوساط الإسرائيلية تعيين السنوار؟
بشكل عام، ترى إسرائيل تعيين السنوار كتحدٍ جديد يتطلب استعدادات واستراتيجيات مختلفة للتعامل مع أي تصعيد محتمل.
وقد أثار القرار ردود فعل متنوعة من جانب إسرائيل. فالسنوار يُعتبر من الشخصيات المتشددة داخل “حماس”، وله تاريخ طويل في النشاطات العسكرية ضد إسرائيل.
وهنا بعض النقاط الأساسية حول كيفية قراءة إسرائيل لهذا التعيين:
- زيادة التوتر الأمني: تعتبر إسرائيل تعيين السنوار بمثابة تعزيز للتيار العسكري داخل “حماس”، ما قد يؤدي إلى زيادة التوترات والعمليات العسكرية في المنطقة.
- تعزيز التصعيد: السنوار معروف بمواقفه المتشددة، وقد يتسبب تعيينه في تصعيد الأوضاع على الحدود بين غزة وإسرائيل، وزيادة العمليات العسكرية والردود الإسرائيلية عليها.
- استراتيجية الاحتواء: إسرائيل قد تسعى إلى تعديل استراتيجياتها الأمنية والسياسية بناءً على تعيين السنوار، من خلال تعزيز التعاون مع السلطة الفلسطينية أو زيادة الضغوط الدولية على “حماس”.
- تحليل العلاقات الداخلية: هذا التعيين يمكن أن يعكس تغيرات داخلية في هيكلية القيادة في “حماس”، ما يجعل إسرائيل تراقب عن كثب هذه التحولات لفهم الديناميات الجديدة داخل الحركة.
وفي ردود الفعل الإسرائيلية المباشرة على تعيين السنوار،اعتبرت هيئة البث العبرية مساء الثلاثاء، أن تعيين السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحماس يمثّل مفاجأة ورسالة إلى إسرائيل من حماس بأنه حيّ وأن “قيادة الحركة ما زالت موجودة وقوية وتعتزم البقاء في السلطة”.
وقال روعي كايس محرر الشؤون العربية في قناة “كان” التابعة لهيئة البثّ، في برنامج “أخبار المساء”: “اختيار السنوار يمثل مفاجأة بعد أسبوع من اغتيال هنية”.
واعتبر محلل شؤون الشرق الأوسط بالقناة “12” إيهود يعاري أن “لتعيين السنوار معنى رمزيا لتأكيد موقعه في الحركة”. واستدرك: “لكن ليس له أي معنى عملي في هذه المرحلة، إذ يواجه السنوار صعوبة في التواصل مع بقية أعضاء القيادة”، على حد تقديره.
في السياق ذاته قال محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” آفي يسخاروف، إن حركة حماس اختارت “أخطر شخص لقيادتها”، فيما قالت صحيفة “معاريف” إن اختيار السنوار يمثّل ما وصفته بمناورة من جانب حماس.
لكن وزير خارجية إسرائيل يسرائيل كاتس قال إن تعيين السنوار زعيماً لحماس “سبب آخر للقضاء عليه ومحو ذاكرة هذه المنظمة عن وجه الأرض”.
ووصف المحلل الإسرائيلي يوني بن مناحم اختيار السنوار بأنه يُعَدّ انتصاراً لإيران، فيما قال الناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري إن مكان السنوار بجانب القائد العامّ لكتائب القسام محمد الضيف، في إشارة إلى مزاعم إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال الضيف في خان يونس قبل أكثر من أسبوعين.
وفي بيان لهم قال أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، إن على إسرائيل أن تبلغ العالم وقف التفاوض مع حماس إلى أن تعلن الحركة موافقتها على إطلاق سراح جميع المحتجزين دفعة واحدة، معتبرين أن حقيقة أن السنوار لا يزال على قيد الحياة هي مشكلة بحد ذاتها. وأعلن البيان دعم أهالي الأسرى مواصلة عمليات الجيش الإسرائيلي لاغتيال قيادات حماس.
موقف محور المقاومة
غالبية الفصائل الفلسطينية رحبت بتعيين السنوار وأصدرت بيانات تهنئة بهذا الإختيار،واعتبرته ردا بالغ الأهمية على اغتيال إسماعيل هنية.كما رحبت بالقرار فصائل محور المقاومة.
وفي سياق متصل رأى حزب الله عبر بيان، أن اختيار السنوار “رسالة قوية إلى العدو الصهيوني، ومن خلفه الولايات المتحدة وحلفاؤها، بأن حماس موحدة في قرارها، صلبة في مبادئها، ثابتة في خياراتها الكبرى”. وأضاف أن هذا الاختيار “يؤكد أن الأهداف التي يتوخّاها العدو من قتل القادة والمسؤولين فشلت في تحقيق مبتغاها”.
في الخلاصة تبقى الأمور مرهونة بأوقاتها ،لكن إسرائيل التي سعت وتسعى إلى قتل السنوار ،سوف تشدد من إجراءاتها الأمنية والإستخبارية للتخلص من هذا الرجل الذي أربك كيانها وسجل عليها نقاطا متقدمة في السابع من أكتوبر 2023 ،هذه النقاط ستظل محفورة في صفحات التاريخ ،أيا كان مستقبل القضية الفلسطينية.