رأي

قبل أن يلفحنا العتب والمزايدات..(نسيب حطيط)

 

د.نسيب حطيط – الحوارنيوز

بالتلازم مع المفاوضات لوقف النار وفي ذروة المعارك الميدانية في الجنوب والإجتياح الجوي للجنوب والبقاع والضاحية وكل مكان يتواجد فيه أهل المقاومة، بدأ السجّال حول فصل جبهة لبنان عن “غزة”، وانقسام أنصار المقاومة بين أكثرية مؤيدة وأقلية معارضة، بعنوان الوفاء لقرار “السيد الشهيد “بوحدة الجبهتين وحتى لا ينزلق البعض الى خلاف حول وقف للنار لم يتحقق بعد، وربما لا توافق عليه إسرائيل، ل ابد من توضيح الوقائع وتبيان الأسباب التي أدّت، لإتخاذ هذا القرار بعد 14 شهراً من الإسناد والدعم:

-إن المقاومة بادرت للإسناد بعد أقل من 24 ساعة من بدء عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها المقاومة الفلسطينية “منفردة” دون شراكة أو علم للمقاومة في لبنان، والتي خسرت بسبب هذا الإبعاد، الجهوزية والتحضير اللازم، لحرب الإسناد او تطوّرها الى الحرب التي تواجهها الآن!

– إنفردت المقاومة اللبنانية بالإسناد البري المباشر والمكثّف طوال 14 شهراً ،بغياب العرب والمسلمين وحتى السلطة الفلسطينية و الفلسطينيين في الخارج، فكانت المقاومة اللبنانية “فلسطينية” أكثر من أغلبية الفلسطينيين!

–  قدّمت المقاومة في لبنان كل ما تملك لإسناد غزة، شبابها ووسائل اعلامها وصلواتها وعذابات أهلها ونزوحهم من القرى الأمامية ثم تهجير كل “الطائفة” والتضحية بحوالي 20,000 شهيد وجريح وخسارة اكثر من 60,000 وحده سكنية حتى الآن ولم يقدّم غيرها أي شيء!ّ

– خسرت المقاومة قائدها ورمزها ” السيد الشهيد” وأغلب قياداتها وأكثر من 10000 مقاوم شهيد وجريح حتى الآن، وما زالت تقاتل في أرض الميدان وتقصف الداخل الإسرائيلي، إسناداً لغزة ودفاعاً عن لبنان.

والسؤال… لماذا اعتمدت المقاومة خيار الفصل بين الجبهتين في مسوّدة الإتفاق الذي لم يولد بعد؟

–   ان الحرب على جبهة لبنان تغيّرت لناحية العنوان والأهداف والوقائع من حرب”إسناد لغزة” الى مستوى الحرب الإسرائيلية ” الرابعة” على المقاومة وأهلها منذ 17 ايلول 2024 ،حيث اعلن العدو أن هدفه القضاء على المقاومة ونزع سلاحها، كخطوة أولى في مشروع “تغيير معالم الشرق الأوسط” كجزء من “حرب الحضارة والوجود” التي يشنّها التحالف الأميركي-الإسرائيلي، وبالتالي صارت حرباً بين المقاومة واسرائيل على الجغرافيا اللبنانية ورسمت خط الفصل بين الجبهات واقعياً قبل القرار منذ شهرين!

-ان الضربات القاسية التي تلقتها المقاومة باغتيال قياداتها ومقاوميها وتدمير القرى والمدن وما أصاب أهلها ،دفعها للقتال من أجل حفظ نفسها وسلاحها وأهلها أمام حرب عالمية ضدها، وجعل هدف البقاء أولويّة يتقدّم على الدعم والإسناد لغزة وغيرها.

– إن المقاومة تعيش ضمن  صيغة لبنانية طائفية وحزبية متناقضة ، تعترض في أغلبها على حرب الإسناد او حتى حيازة السلاح، وبالتالي لا يمكن للمقاومة أن تتصرّف بعد هذه النكبة الاجتماعية التي أصابت أهلها بشكل منفرد لا يراعي الوقائع لحماية السلم الأهلي ولضمان الصمود على جبهات القتال، فلا يمكن للمقاومة ان تقاتل على جبهتين، الجبهة الإسرائيلية وجبهة الحرب الأهلية الداخلية!

-إن موجبات التفاوض تستدعي سلب العدو الأوراق التي يمكن ان يستعملها ضد المقاومة، وإغلاق كل النوافذ التي ستحمّل المقاومة مسؤولية فشل المفاوضات وتبرئة العدو الإسرائيلي، فمن الحنكة والذكاء أن تلبي المقاومة  ما تطالب به القوى السياسية اللبنانية او الدول الإقليمية التي تحمّل المقاومة مسؤوليات الحرب ،ولذا فإن القبول ،بفصل الجبهتين جزء من المناورة السياسية في التفاوض.

إن الحكم الشرعي يوجب المبادرة لإنقاذ أي غريق،لكن الحكم الشرعي يوجب ايضا ترك الغريق عندما يستحيل انقاذه حتى لا يغرق الاثنان معاً، وكذلك يُستحب دينياً وإنسانياً ان تتبرّع “بكلية” منك  لعزيز عليك او مريض يحتاجها ليبقى حيّاً، لكن الحكم الشرعي والطبي والأخلاقي ،يُوجب عليك الا تتبرّع بالكلية الثانية حتى لا  تموت وتُنقذ غيرك، وربما لا يمكنك إنقاذه. ومع ذلك فإن المقاومة وأهلها حاولوا انقاذ غزة حتى الرمق الاخير وقدموا 20,000 شهيد وجريح ولم يبخلوا بشيء ولم يقصّروا معها ومع فلسطين منذ العام 1936 ودعم ثوراتها!

إن مصلحة المقاومة الفلسطينية و”غزة” أن تبقى المقاومة في لبنان وتحفظ نفسها…فإذا انهزمت المقاومة في لبنان ،لن يبقى للقضية الفلسطينية حاضن أو داعم صادق وميداني او مكان لمؤتمر صحفي او لقناة تلفزيونية فلسطينية ..

لقد قدّم “الشيعة” اللبنانيون للقضية الفلسطينية ومقاومتها، ما لم يقدّمه أحد في العالم ،بل أكثر مما قدّمه الفلسطينيون، ونحن نُقتل في لبنان وتُدمر قرانا ومدننا، والفلسطينيون في لبنان والعالم والسلطة الفلسطينية وبعض المسلمين  وجماعات التكفير ،لم يناصروا غزة..فلا يُزايدنّ أحدٌ علينا..!

لا تعاتبوا المقاومة وأهلها الذين اعطوا كل شيء، بل عاتبوا أنفسكم على تقصيركم …

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى