
ديما زرقط – الحوارنيوز – خاص

على مشارف انتخابات 2026، يعود قانون الانتخاب إلى واجهة الجدل السّياسي في لبنان، وهذه المرّة من بوابة اقتراع ” غير المقيمين”( المغتربون)، الذي تحوّل إلى نقطة اشتباك دستوريّ وطائفي ّومصلحي بين القوى السّياسية، في ظل انقسام حاد بين من يريد مشاركة في الانتخاب ل ١٢٨ نائباً وبين يرى انّ في ذلك الطّرح عدم مساواة بين المغتربين نظرًا لبعض الظّروف في الدّول العربيّة، والخليجيّة تحديدا، فضلا عن القوانين الانتخابية المطروحة لا تشتغل على كامل الإصلاحات الرئيسية التي ينص عليها الدستور وفي المقدمة منها ان يكون القانون المقبل وطني غير طائفي (خارج القيد الطائفي).
الخلفيّة القانونية: المادة 122 والمادة 112 من القانون 44/2017
قانون الانتخابات رقم 44/2017 هو الإطار التّشريعي الحالي للانتخابات النّيابية في لبنان، وقد أُقرّ عام 2017، مع إدخال النّسبية للمرّة الأولى، وتقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية. من أبرز بنوده إدراج مشاركة اللبنانيين غير المقيمين في العمليّة الانتخابية، وتخصيص ستّة مقاعد نيابية للمغتربين، تضاف إلى عدد النّواب البالغ 128.
لكن، ورغم أن هذا التّعديل كان من المفترض أن يُطبّق بدءًا من انتخابات 2022، فقد علّق مجلس النّواب هذا البند حينها، وأتاح للمغتربين الاقتراع في دوائرهم الأصليّة في لبنان، كما حصل في انتخابات 2018. اليوم، ينصّ القانون على العودة لتطبيق هذه القاعدة في انتخابات 2026، ما يفتح الباب أمام نزاع قانونيّ وسياسيّ واسع.
اقتراع المغتربين: بين ثلاث فرضيات
المسار النيابي الحالي يشهد صراعًا بين ثلاثة مقترحات أساسية:
الإبقاء على التّصويت لـ128 نائبًا في دوائر لبنان، كما في 2018 و2022 (وهو ما تطالب به القوات اللبنانية، الكتائب، اللقاء الدّيمقراطي، نواب التّغيير، وبعض المجموعات الاغترابية.
تطبيق المادة 122 كما هي، أي تخصيص 6 مقاعد فقط للمغتربين، موزّعة جغرافيًا على القارات السّت (موقف الثّنائي الشّيعي والتّيار الوطني الحرّ وقوى أخرى ومجموعات اغترابية).
إلغاء اقتراع المغتربين كلياً. (مقترح غير رسمي متداول في بعض الأوساط).
هذه المقترحات تعكس عمق الأزمة لا فقط من حيث آلية الاقتراع، بل من حيث الرّؤية إلى دور وشكل مشاركة المغترب في الحياة السّياسية اللبنانيّة.
الأرقام تُكذب الهواجس الطّائفية !

في مقابلة خاصة مع “الحوارنيوز”، أكّد محمد شمس الدّين، الباحث في “الشّركة الدّولية للمعلومات”، أن أرقام اقتراع المغتربين لا تُهدد التّوازن الطّائفي كما يروّج البعض، بل تُظهر توازناً طائفيًاً نسبياً في الانتماء:
نسبة المسيحيين: 53%
نسبة المسلمين: 47%
من أصل المسجلين:
73 ألف ماروني
48 ألف سنّي
45 ألف شيعي
22 ألف أرثوذكسي
14 ألف درزي
أما من حيث الأثر، فقد أكّد شمس الدّين أنَّ أصوات المغتربين في انتخابات 2022 غيّرت نتائج 12 مقعداً نيابياِ في 9 دوائر . ومن أصل 225 ألف مسجّل، اقترع فعليًا 141 ألف ناخب. وتُظهر المعطيات أن هؤلاء النّاخبين صوّتوا بغالبيتهم لمصلحة مرشّحين من القوى التّغييرية، القوات اللبنانية، والمستقلين، مقابل أرقام متواضعة للثنائي والتيار الوطني الحر.
دوافع الانقسام السّياسي:
يتكشّف من المواقف النّيابية أن الانقسام ليس حول النّصّ القانوني فحسب، بل حول حسابات النّفوذ والرّبح والخسارة.
“الثّنائي” يرى أن اقتراع المغتربين لكامل أعضاء المجلس النيابي لا يستوفي شرط المساواة بين غير المقيمين، خصوصًا أن جمهوره في الخارج، لا سيما في الخليج والولايات المتحدة، قد يمتنع عن التصويت خوفًا من الملاحقة أو الضّغط.
وتقول اوساطه للحوارنيوز أن القانون الجديد يجب أن يكون منسجما مع النص الدستوري الإصلاحية الذي جاء في وثيقة الوفاق الوطني، فلاصلاح لا يتجزأ. وما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني يأخذنا خطوة إلى قانون وطني سيوّلد بالضرورة حكم وطني وهو ما يتطلع اليه كل لبناني غير طائفي في لبنان والخارج.
اما التيّار الوطني الحر فيتمسك بتطبيق النّصّ الحالي بحذافيره (المقاعد السّتّة)، لقناعته بأن الاغتراب عوالم وقضايا لن يتمكن اي نائب من الإحاطة بها غير من انهم من تلك العوالم، وفقا لما قاله مصدر معني من “التيار” للحوارنيوز.
بالمقابل، تعتبر القوات اللبنانية والكتائب وبعض التّغييريين أن استثناء المغتربين من التّصويت الكامل فيه انتقاص من حقوقهم، ويُفرّغ مشاركتهم من مضمونها، خصوصاِ وأنهم جزء فاعل من المجتمع اللبناني، ويحملون تطلعات إصلاحية مغايرة.
تحرّكات اغترابيّة :
ووسط انقسام اغترابي واضح بين مؤيد لحصر المشاركة وبين المؤيد لتوسيعها برزت بيانات متضاربة. وهذا ما يدل على أن لوثة الانقسامات الطائفية الاغترابية بدأت تتعمق وصار لزاما علينا ولوج باب تطبيق الدستور، وفقا لرؤية الثنائي وحلفائه.
حكومة عاجزة ونظام مأزوم
تعزو الحكومة عدم حماسها لتعديل القانون إلى عجزها المالي واللوجستي، وتبرّر ذلك بتعقيدات توزيع المقاعد الطّائفية في الاغتراب، وآلية الفرز والتّصويت في نظام نسبي صعب التّطبيق عالميًا. لكن في العمق، لا تخفي المواقف أن المعركة سياسيّة بامتياز، توازي في أهميّتها مسار ترسيم النّفوذ البرلماني في مرحلة ما بعد الانهيار والانقسام.
ويختم شمس الدين: إنَّ الجدل حول اقتراع المغتربين ليس خلافًا تقنيًا حول صندوق اقتراع، بل صراع على من يملك حقّ التّأثير في مستقبل لبنان السّياسي. وبين الانقسام النّيابي، والتّباين الطّائفي، وانعدام الثّقة بين مكوّنات النّظام.



