رأي

قانون المنافسة في لبنان: محاولة لكسر الاحتكارات أم تجميل للواقع؟(سعيد عيسى)

 

بقلم د. سعيد عيسى  – الحوارنيوز

صدر قانون المنافسة اللبناني (رقم 293/2021) بعد سنوات من التأخير، وسط توقعات بأن يشكّل نقلة نوعية في تعزيز المنافسة العادلة وحماية المستهلكين. خطوة تبدو على الورق كتحوّل تاريخي في بيئة اقتصادية طالما هيمنت عليها الكارتيلات والعلاقات الزبائنية. لكن في بلد مأزوم مثل لبنان، لا يكفي صدور القانون ليُحدث فرقًا. فهل نحن أمام نقطة تحوّل حقيقية، أم مجرد محاولة لتلميع الواجهة أمام المجتمع الدولي؟ 

احتكارات مزمنة وسوق بلا حسيب 

لبنان، وعلى مدى عقود، عاش في ظل اقتصادٍ يتّسم بالريعية والتركيز الاقتصادي. قلة من العائلات والشركات الكبرى تحكّمت بمفاصل السوق من استيراد الدواء والقمح والمحروقات، إلى توزيع المواد الغذائية والاتصالات. هذا الواقع لم يكن صدفة، بل نتاج تواطؤ عميق بين السلطة السياسية وأصحاب المصالح الاقتصادية، في ظل غياب شبه تام لأي قوانين تضمن المنافسة وتمنع الاحتكار. 

حتى عام 2022، كان القانون الوحيد الذي يُستند إليه يعود إلى عام 1954، وهو نص قديم يجرّم بعض الممارسات الاحتكارية، لكنه بقي بلا أي أثر تنفيذي حقيقي. 

قانون جديدوأمل قديم 

جاء قانون المنافسة الجديد ليضع حدًا لهذا الفراغ. فهو ينصّ على إلغاء الامتيازات الحصرية، ويحظر الاتفاقات التي تقيّد حرية السوق، ويجرّم استغلال الوضع المهيمن من قبل الشركات الكبرى. كما ينص على إنشاء “الهيئة الوطنية للمنافسة”، ويمنحها صلاحيات التحقيق وفرض العقوبات. 

لكن، ورغم كل ذلك، تبقى فعالية هذا القانون مرهونة بعوامل كثيرة، أبرزها الاستقلال الفعلي للهيئة الجديدة، وقدرتها على التحرّك بحرية بعيدًا عن الضغوط السياسية. 

 

الهيئة الوطنية للمناقسة: بين النص والواقع 

بحسب القانون، يُفترض أن تكون الهيئة الوطنية للمنافسة مستقلة. إلا أن آلية تعيين أعضائها من قبل مجلس الوزراء تثير شكوكًا جدية حول استقلاليتها الحقيقية، خاصة في بلد يتقاسم فيه الفرقاء السياسيون النفوذ في مؤسسات الدولة كافة. 

وإذا كانت الهيئة عاجزة عن التحقيق في ممارسات الشركات المحميّة سياسيًا، أو تتعرض لضغوط لطي الملفات، فستكون النتيجة مزيدًا من الإحباط بدلًا من الإصلاح. 

هل يكفي القانون وحده؟ 

السؤال الأهم هنا هو: هل يكفي قانون المنافسة وحده لتغيير واقع اقتصادي مشوّه؟

 الجواب على الأرجح لا. إذ إن البيئة الاقتصادية في لبنان لا تزال تعاني من ضعف المؤسسات، وتآكل الثقة، وغياب السياسات الإنتاجية. فحتى لو أُلغيَت الاحتكارات نظريًا، فإن غياب دعم حقيقي للمؤسسات الصغيرة، وضعف البنية القضائية، يجعل من الصعب قيام سوق تنافسية فعلية. 

كما أن تطبيق القانون دون إصلاح القضاء التجاري، وضمان الشفافية، وحماية المنافسين الصغار من نفوذ الكبار، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تبقى السوق محكومة بالأقوياء وإن بلباس قانوني جديد. 

ضغط دولي أم إصلاح داخلي؟ 

لا يمكن إغفال أن صدور القانون جاء في سياق خارجي ضاغط، ضمن سلسلة “الإصلاحات المطلوبة” من صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات المانحة. وهذا يطرح علامة استفهام حول الدافع الحقيقي خلف القانون: هل هو تعبير عن إرادة سياسية داخلية لكسر الاحتكارات؟ أم محاولة لتجميل صورة لبنان أمام الخارج؟ 

الجواب سيُحسَم فقط عندما نرى كيف سيتصرّف القضاء والهيئة والسلطات الرقابية في وجه شركات نافذة تخرق القانون. فإما أن يكون القانون أداة للتغيير أو مجرد ورقة تُستخدم في الملفات التفاوضية. 

في الخلاصة، إنّ قانون المنافسة في لبنان خطوة مهمة، لكنها ليست كافية. فالمنافسة لا تقوم فقط على التشريع، بل على ثقافة اقتصادية جديدة، ومؤسسات فاعلة ورقابة فعّالين وقضاء يحاسب. وحتى يتحوّل النص إلى ممارسة، يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لفتح السوق أمام الجميع، لا فقط أمام من يملكون العلاقات والنفوذ. 

وحتى ذلك الحين، يبقى القانون الجديد عالقًا في منطقة رمادية “بين إمكانية الإصلاح أو استحالته”. 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى