قالت الصحف: هل فتحت مواقف الحريري رحلة التنازلات لتأليف حكومة الإنقاذ أم أن الشيطان في التفاصيل؟
الحوارنيوز – خاص
على عكس ما سوق له بعض الغلاة من قوى 14 آذار، فإن الرئيس سعد الحريري حاول أمس أن يكرس نفسه كرجل اعتدال وحوار وبناء جسور بين القوى السياسية المتخاصمة وإن تضمنت مواقفه بعض الانتقادات لحلفائه قبل خصومه السياسيين.
أول التنازلات استهلها الرئيس الحريري بالتراجع عن عزوفه عن ترشحه للحكومة المقبلة، وهو تراجع مشروط بالموافقة على برنامج إصلاحي وهو برنامج لا خلاف عليه وقد وضعت إطاره العام المبادرة الفرنسية.
كيف قرأت صحف اليوم مواقف الرئيس الحريري؟
• صحيفة "النهار" عنونت:" الحريري: البرنامج الإصلاحي شرطي للعودة لنوقف الانهيار" وكتبت تقول:" لعل افضل ما انتهت اليه المقابلة التلفزيونية للرئيس سعد الحريري مساء امس تمثلت في ارجاعه مجمل المشهد السياسي المضطرب والمتوتر والمربك وسط العد العكسي لموعد الاستشارات النيابية الملزمة في 15 تشرين الأول الحالي الى التحدي الكبير الوحيد الذي يعني اللبنانيين وهو وقف الانهيار الذي تغرق فيه البلاد على أساس المبادرة الفرنسية. انتظر معظم الأوساط السياسية والشعبية كلمة الحريري الحاسمة في ما اذا كان مرشحا لتولي رئاسة الحكومة الجديدة مجددا او يقبل الترشيح او يشترط لذلك شروطه لكن الحريري ذهب في اتجاه آخر اكثر أهمية تمثل في دعوته الى الجسور المفتوحة ومد الايدي لوقف الانهيار الآتي على الجميع على أساس المبادرة الفرنسية التي أعاد التشديد تكرارا انها مستمرة ولا تزال الأساس الوحيد الصالح لاطلاق الإنقاذ من الانهيار. قال الحريري ان يدي ممدودة لكل الناس لان الانهيار آت على الجميع " واكد اننا لا نزال قادرين على ان نتفق مع بَعضُنَا البعض ولا احد قادرا بعد الان على الاختباء وراء إصبعه فدعونا نقعد وراء الطاولة ولنوقف الانهيار ويجب ان نطلع من الانهيار بموجب المبادرة الفرنسية ".
الحريري في حديثه المسهب الى برنامج "صار الوقت" الذي يقدمه الزميل مارسيل غانم بدا غاضبا وصريحا ومباشرا حيال علاقته بمعظم الافرقاء حلفاء كانوا ام خصوما وأعاد طرح الكثير من وقائع تجربة تكليف مصطفى اديب وإفشالها على يد الثنائي "امل" و"وحزب الله" من دون ان يوفر حلفاءه القدامى ولا سيما منهم "القوات اللبنانية" والحزب التقدمي الاشتراكي كما حمل بقوة رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل مسؤولية إخفاقات العهد مع انه كشف انه ارسل رسالة هاتفية الى باسيل للاطمئنان عليه بعد إصابته بكورونا. واعتبر ان افضل دستور لا ينجح مع عقلية حكم كالتي يدار بها لبنان اليوم. واعتبر ان كل البلاد انكشفت اليوم وكل الأحزاب انكشفت بعد الانهيار وتحدث عن ثلاثة مشاريع قائمة احدها للثنائي امل وحزب الله والآخر لمن يريد اخراج البلد من الانهيار والثالث للمزايدين. واكد انه رضخ فعلا للبنان وللمبادرة الفرنسية وللمواطن اللبناني وكرر أهمية ما نادى به منذ استقالة حكومته بتشكيل حكومة اختصاصيين كاشفا ان الاتفاق مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كان على حكومة اختصاصيين لستة اشهر لا يتدخل فيها الأحزاب والسياسيون. وقال انه "لا يريد لبن العصفور لنفسه بل يريده للشعب اللبناني لوقف الانهيار وإعادة اعمار بيروت". وإذ رحب بمفاوضات ترسيم الخط البحري لم يستبعد ان تكون العقوبات وراء الموافقة عليها. واما موقفه من الترشح لرئاسة الحكومة فلم يقفل الحريري الباب امام احتمال عودته ولكن من ضمن شرطين أساسيين أولهما التزام الافرقاء البرنامج الإصلاحي الذي وضع وعرض في قصر الصنوبر وتشكيل حكومة من الاختصاصيين على أساس مهلة ستة اشهر لإنقاذ لبنان من الانهيار. داعيا الى القيام بجولة اتصالات هذا الأسبوع في مهلة 72 ساعة للاتفاق على التزام البرنامج "فانا لا ارشح نفسي وانا المرشح الطبيعي واذا رأينا ان الافرقاء موافقون على البرنامج الإصلاحي عندها سعد الحريري لن يقفل الباب على وقف الانهيار".
• وتحت عنوان:" الحريري أنا رئيس الحكومة" كتبت صحيفة "الأخبار" تقول:" إذا سارت الأمور كما يشتهي سعد الحريري، فلن تفضي حصيلة الاستشارات التي يجريها الرئيس ميشال عون يوم الخميس المقبل سوى إلى حصوله على تكليف جديد بتأليف الحكومة. لكن دون ذلك عدد من المطبات واللاءات، التي سيسعى الحريري إلى تخطيها، مراهناً على أنه الفرصة الأخيرة أمام الإنقاذ
قالها سعد الحريري بشكل واضح. أنا مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، وسأقوم خلال الأسبوع المقبل بسلسلة اتصالات مع مختلف الأطراف للتأكد إن كانوا لا يزالون يؤيدون المبادرة الفرنسية. شروطه لا تزال على حالها منذ خرج من الحكومة، يريد أن يترأس حكومة اختصاصيين، لكن هذه المرة بمهمة تنتهي خلال ستة أشهر. ويوافق على إسناد وزارة المالية إلى شيعي، على أن لا يقدم أي التزام بأن تكون هذه الحقيبة من حصتهم إلى الأبد.
يراهن الحريري على التغيّرات التي طرأت خلال العام الذي انقضى. ويراهن على أن من عارض وجوده على رأس حكومة كهذه سيغير رأيه، تحت وطأة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة وانسداد أي أفق للحل من دون الدعم الخارجي. تشرين 2020 يختلف عن تشرين 2019. الانهيار المالي يريد أن يضيفه إلى رصيده، وكذلك يريد أن يضع في سلته العقوبات الأميركية والضغوط الدولية على لبنان، إضافة إلى المبادرة الفرنسية التي لا تزال صامدة بالرغم من تجميدها. يريد الحريري إعطاءه فرصة ستة أشهر لينفذّ برنامجاً يعيد الاقتصاد إلى سكّة التعافي بما لا يوقف الدعم عن الناس. ويُراهن على أن الخيارات محدودة أمام كل الأفرقاء، ولا يملكون ترف رفض إعادة تسميته. أعطى الحريري هؤلاء 76 ساعة لدرس عرضه، الذي يعتبره الفرصة الأخيرة للإنقاذ.
عرض الحريري أتى ليطرح مجموعة من الأسئلة، أولها: هل رفع الفيتو السعودي الأميركي عن عودته، وهل لهذه العودة علاقة بمفاوضات الترسيم البحري الذي ستبدأ الأسبوع المقبل؟
إلى أن تتضح خلفيات العودة الحريرية، التي كان الجميع يتعامل معها على أنها مسألة وقت لا أكثر، فقد أكد في مقابلته على قناة "أم تي في" على أنه "اذا عملنا بحسب المبادرة الفرنسية سيكون باستطاعتنا الخروج من الازمة واعادة اعمار بيروت". ولأنه "متهم بطيبة القلب والتنازل"، أوضح انه لم يقدّم التضحيات التي قدمها "من اجل شعبيتي بل من اجل تجنب الفراغ والانهيار". وأكد "رضوخي للبنان وللمبادرة الفرنسية وللمواطن اللبناني"، وأنّ "المبادرة الفرنسية لم تنتهِ"، مشيراً إلى أنّ "هذه المبادرة أرادت إنجاح لبنان وإخراجه من المأزق ولا أعلم لماذا أفشلوها (…) بعد العقوبات الأميركية تم تصعيد المواقف تجاه المبادرة". واعتبر الحريري أن "ان هناك استقواء بالسلاح وشعوراً بفائض القوة، كشف المواقف من المبادرة الفرنسية وكلنا مسؤولون بمن فيهم نحن منذ 16 سنة، وعلى اللبنانيين ان يحددوا من هو مسؤول بشكل اكبر او اصغر".
وفي سياق تصفية الحسابات مع جميع القوى، لكن من دون ان يكسر الجرة مع أحد، اعتبر الحريري أن "حزب الله يعرف انه هو سبب المشكلة في لبنان والشعب اللبناني غير مسؤول عن العقوبات التي تفرض عليه (…) إذا أراد مصلحة اللبنانيين عليه القيام بالتضحيات". وقال إن وليد جنبلاط طلب منه، على مسمع الفرنسيين، إعطاء الموافقة الدائمة على وزارة المالية للطائفة الشيعية مدى الحياة. وفيما ردت مصادر جنبلاط أنه طلب منه التسهيل، كان جواب الحريري: "قلت ما عندي". واعتبر إن سمير جعجع لا يفعل إلا مصلحته، وسأل: "هل عدم دعم القوات لترشيحي موقف مشرّف لهم؟". ورأى أن جبران باسيل هو "أكثر من أضر بالعهد لأنه اتبع سياسة الغاء الفريق المسيحي الآخر". كما أكد أنه إذا أصر على شرطه السابق، أي إما الاثنان معاً داخل الحكومة وإما خارجها، فلن يوافق.
واعتبر الحريري أن الثنائي الشيعي يؤيّد وصوله إلى رئاسة الحكومة خوفاً من الاحتقان السني والشيعي. كما أشار إلى أن العقوبات الأميركية فرضت تسريع عملية التفاوض على الترسيم. ولفت الى أنه "بعد سقوط المبادرة الفرنسية انكشف البلد على كل الاحتمالات الامنية (…) وأخشى من حرب أهلية، لأنّ ما يحصل من تسليح وعراضات عسكرية في معظم شوارع بيروت وبالامس في بعلبك الهرمل يمثل انهيار الدولة، وكل التوجه يشير إلى انهيار الدولة".
• صحيفة "الجمهورية" عنونت:" مشاورات التكليف تنشط اليوم والحريري يرشح نفسه" وكتبت تقول:" خَرق الرئيس سعد الحريري جمود الاستحقاق الحكومي مساء أمس، معلناً "انني لا أرشّح نفسي للحكومة وأنا حُكماً مرشّح"، ومؤكداً "أنا مرشح طبيعي"، وقال: "سأقوم بجولة اتصالات للتأكد من التزام الجميع بورقة إصلاحات صندوق النقد وحكومة من الاخصائيين، فإذا وافقوا لن أقفل الباب". وقد استبَقَ الحريري بهذا الترشيح موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الخميس المقبل لتسمية رئيس الحكومة الجديدة، ما دَلّ الى انّ نتيجة الاستشارات باتت شبه محسومة في اعتبار انّ غالبية القوى السياسية والكتل النيابية الكبرى تميل الى تأييد الحريري، خصوصاً بعد فشل تجربة تكليف الرئيس مصطفى اديب وقبلها فشل حكومة الرئيس حسان دياب، واندفاع البلاد الى مزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي ومزيد من التصدع السياسي.
وبَدا الحريري، من خلال ما أطلقه من مواقف، مستنداً الى معطيات داخلية وخارجية متينة تشجّعه على ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، فهو على رغم انتقاده القاسي لبعض القوى السياسية الداخلية واتهامها بتعطيل المبادرة الفرنسية التي اكد انها مستمرة وانها تشكّل فرصة مهمة لإنقاذ لبنان، شدّد على تمسّكه بمبادرته ان تبقى وزارة المال من حصّة الطائفة الشيعية، وكذلك أوحَى في الوقت نفسه انّ الجانبين السعودي والاميركي لا يعارضان عودته الى السرايا الحكومية.