قالت الصحف: مواجهة بين القضاء والقوى السياسية بشأن المصارف!
الحوارنيوز – خاص
ما هي ابرز دلالات قرار النائب العام المالي علي إبراهيم القاضي بوضع إشارة على الأصول الثابتة لعشرين مصرفا لبنانيا، وماذا يعني نقض القرار وتجميده من قبل النائب العام التمييزي غسان عويدات؟
هل يخفي القرار وتجميد القرار صراعا سياسيا يتمحور حول هوية الدولة الرعائية ومسؤولية الدولة؟
هل يؤشر الى صراع بين النموذج الاقتصادي – المصرفي الفالت من أي مسؤولية وطنية، وبين دولة تحاول أن تستجمع قواها الهزيلة؟ أم أنه صراع اهل السلطة مجتمعين والقضاء؟
الصحف اللبنانية الصادرة اليوم ركزت على هذا الموضوع:
• صحيفة "النهار" عنونت:" من وراء محالة الانقلاب الفاشلة على المصارف؟ كتبت تقول:" من وقف وراء محاولة الانقلاب الاولى في تاريخ لبنان على المصارف ولماذا فشلت وأحبطت؟ هل كانت "هزة عصا" ثقيلة للمصارف من جهة سياسية – قضائية تجاوزت الخطوط الحمر والسقوف التي لا يزال النظام السياسي والاقتصادي والمالي يعمل تحتها على رغم التداعيات الزلزالية للازمة المالية؟ أم تراها كانت "بروفة انقلابية" غير مسبوقة تركت ايحاءاتها ورسائلها تتردد ساعات قليلة قبل لملمة الردود المتفجرة التي كانت تنذر باقحام البلاد في متاهة بالغة الخطورة؟
الواقع ان القرار الذي اتخذه المدعي العام المالي علي ابرهيم بمنع 20 مصرفاً لبنانياً من التصرف بممتلكاتها وأصولها ومنع رؤساء مجالس اداراتها من التصرف بممتلكاتهم، لم يكن في واقعه العملي والقضائي أقل من انقلاب غير مسبوق لم تعرف الجمهورية اللبنانية سابقة له منذ قيامها ولا عرف القطاع المصرفي اجراء يشبهه منذ تأسيس المصرف الاول في لبنان. ومع انه لا يمكن تجاهل تصاعد السخط والغضب الشعبيين من الاجراءات المتشددة التي تتخذها المصارف منذ نحو خمسة أشهر حيال عمليات سحب الاموال العائدة للمودعين والتحويلات الى الخارج، اضافة الى ما يمكن ان تتحمله من جزء من مسؤولية بلوغ الحائط المسدود في الملفات المالية التي تتحمل تبعتها الاساسية السلطة السياسية، فان ذلك لم يكن ليبرر اطلاقاً المغامرة الشديدة الخطورة التي تمثلت في قرار "الحجر" من جانب القضاء المالي على أصول المصارف كأنه بداية تأميم واقعي للقطاع المصرفي ينذر بانقلاب موصوف على القطاع الاعرق في تدعيم النظام المصرفي والاقتصادي خلال عقود طويلة و"تجهيل" مسؤولية السلطة السياسية عن الانهيار المالي. ولعل العامل الاكثر اثارة للهواجس حيال القرار تمثل في ربطه بالمواقف المتعاقبة الأخيرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري من المصارف وحملته الحادة عليها، الامر الذي دفع بري الى نفي أي علاقة له بقرار ابرهيم.
أما التطور المفاجئ الذي برز في هذا السياق، فتمثل في معلومات توافرت ليلاً بعد الاتجاه الى طي قرار ابرهيم بان هذا الاجراء جاء بطلب بل باصرار من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اراد توجيه رسالة صارمة وقاسية الى المصارف وان الرئيس بري كان قد وضع في جو هذا الاجراء.
لكن توقيت القرار عشية اتخاذ الحكومة القرار الحاسم في شأن سداد استحقاق "اليوروبوندز" لم يترك ادنى شك في ان الصراع بين بعض السلطة السياسية والقطاع المصرفي قد بلغ مستويات متقدمة وخطيرة جاء القرار ليكشف جانباً أساسياً منها مهدداً بتداعيات بالغة الخطورة لو لم يجر تدارك الامر ليل أمس من خلال الاتصالات والمشاورات السريعة التي فعلت فعلها بسرعة بـ"تجميد" قرار المدعي العام المالي تمهيداً لالغائه في مقابل صمت جمعية المصارف وصرفها النظر عن اضراب كانت ستعلنه لولا التوصل الى احتواء تداعيات "الانقلاب" المقنع.
• صحيفة "الأخبار" عنونت:" عويدات يجمد قرار إبراهيم: "دولة" المصارف تنتصر على القضاء وكتبت تقول:" أتى القرار الذي اتّخذه القاضي علي إبراهيم أمس في حقّ المصارف ليثبِت مرة جديدة أن القطاع المصرفي هو دولة فوق الدولة. وأن سياسة الطمع والجشع التي يمارسها محميّة بأركان السلطة التي هبّت للدفاع عن المصارف بدلاً من الدفاع عن الفقراء. والغريب أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقفَ في الصفوف الأولى لحمايتها دافعاً الى تجميد القرار
بينما كانَت الأنظار شاخصة الى الموقِف اللبناني الرسمي المُتوقّع إعلانه في ما خصّ سندات "اليوروبوند"، ذُهِلت البلاد أمس بقرار غير مسبوق للنائِب العام المالي القاضي علي إبراهيم، قضى بوضع إشارة "منع تصرف" على أصول 20 مصرفاً لبنانياً، وإبلاغه الى المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجلّ التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئة الأسواق المالية، مع تعميم منع التصرف على أملاك رؤساء مجالس إدارة هذه المصارف.
الخطوة المُفاجئة، والجريئة، للقاضي إبراهيم، والتي كانَ من الواجِب استتباعها بخطوات أكبر، ووجِهت بحملة مكثفة من الضغوط، وأثبتت مرة جديدة، وبما لا يقبل الشك، أن سياسة الجشع والتعسف التي مارستها البنوك محمية من رؤوس كبيرة في الدولة، وأن القطاع المصرفي في لبنان هو "دولة فوق الدولة". كما أعدت كشف العلاقة المشبوهة بين مُلكية المصارف وقوى سياسية هبّت أمس لحماية البنوك بدلاً من حماية الفقراء، وخصوصاً أن القرار القضائي هو قرار تمهيدي يصبّ في إطار مُساءلة المصارف بعدَ الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها، بداية من احتجاز أموال المودعين الصغار، وصولاً الى التضييق في المعاملات المصرفية والتحويلات الى الخارج بعدما هرّبت أموال أصحاب المصرف وكبار المساهمين.
ما حصل أمس أظهر وجود كتلة كبيرة من القوى السياسية واصحاب المصارف ووسائل الإعلام المُصرّة على منع أي إجراء جدّي لمعالجة الأزمة، ولا سيما إعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي أو اللجوء الى عمليات من نوع الـ"هيركات" (شطب جزء من الديون ومصادرة جزء من الودائع الكبيرة). وتجميد القرار يعني حسماً مبكراً لمعركة تحديد الجهات التي ستدفع كلفة التصحيح، وقد باتَ واضحاً أن الجهات السياسية التي استنفرت في وجه قرار إبراهيم تريد أن تحمّل الناس هذه الكلفة وتعفي المصارف وكبار المودعين منها، على رغم أنهم السبب الأول في الأزمة الاقتصادية والانهيار الذي يواجهه البلد. والأخطر هو وجود معلومات عن كون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يتعمّد تنفيذ إجراءات تؤدي إلى رفع سعر الدولار في مقابل الليرة اللبنانية في السوق الموازية، بهدف الضغط على الحكومة للتراجع عن قرار عدم دفع الدين العام بالدولار (سندات اليوروبوندز)، وتحميل رئيسها حسان دياب مسؤولية تراجع قيمة العملة الوطنية، تمهيداً لإسقاطه في الشارع. وتشير المعلومات المتداولة إلى أن ما يقوم به سلامة يُنفَّذ بالتكافل والتضامن مع مصرفيين كبار، ويحظى بتغطية سياسيين نافذين من "حزب الناهبين".
قرار إبراهيم لم يستنفِر أصحاب المصارف حصراً، بل شركاءهم من سياسيين وغير سياسيين هبّوا للدفاع عن القطاع وحمايته. وبينما كان هذا التصرف متوقّعاً من البعض كرئيس الحكومة السابق سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط وباقي فُتات فريق 14 آذار، فإن التصرف الصاعق خرج من قصر بعبدا، حيث تقدّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جيش المُدافعين عن القطاع الذي سرق أموال الناس ويعمَد الى إذلالهم يومياً، فكانَ أول من تصدّى للقرار. وبدلاً من أن يتصدّر المقام الأول في الدفاع عن القرار، كسر سجله "الأبيض" ووعوده بالمحاسبة، وذهب الى تسييس القرار وتمييعه، واضعاً إياه في إطار "حرتقة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لإطاحة العهد"، ووقفَ في صف رئيس جمعية المصارف سليم صفير. فبعد اتصال من الأخير، تواصل عون مع المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات وطالبه بتجميد القرار. فيما قالت مصادر قضائية لـ "الأخبار" أن رئيس الحكومة حسان دياب استدعى عويدات، وأبلغه بأنه "بعد قرار المدعي العام المالي، بدأت المصارف العالمية بإخراجنا من النظام المالي العالمي، وهذا القرار يجِب التراجع عنه". لكن مصادر حكومية أكّدت لـ"الأخبار" أن دياب قال لمدعي عام التمييز إن "القرار فيه ثغرة قانونية يجب معالجتها، بشكل يمنع الحجز على أموال المودعين أو أصول المصارف خارِج لبنان، طالباً منه تعديل القرار وفقَ هذه المعطيات لا إلغاءه أو التراجع عنه".
وبينما صدر عن المكتب الإعلامي للرئيس بري بيان أكد أنه "لم ولن يتدخل في عمل القضاء في يوم من الأيام، وكل الأخبار التي تحدثت عن أنه يقف وراء القرار غير صحيحة جملة وتفصيلاً"، قالت مصادر عين التينة لـ"الأخبار" إن "كل ما يحكى عار من الصحة، صحيح أن موقفنا معروف من قضية اليوروبوند والسندات وإننا ضد الدفع، لكننا لا نخلط الأمور ببعضها"، وأضافت المصادر إن "المصارف أخطأت في الكثير من الإجراءات التي قامت بها، ولا يجوز تصويرها وكأنها بريئة بالمطلق".
• صحيفة "الجمهورية" عنونت:" قرار تجميد المصارف نهارا جمده آخر ليلا وحسم "اليوروبوندز" غدا" وكتبت تقول:" طوّقت ليل أمس مواجهة كادت تندلع بين القضاء والقطاع المصرفي على خلفية قرار تجميد أصول المصارف، سرعان ما تمّ تجميده بقرار آخر. فيما تتّجه الأنظار غداً إلى احتجاجات رئاسية وحكومية ستستهدف القصر الجمهوري لاتّخاذ قرار في شأن سندات "اليوروبوندز" التي تستحقّ الإثنين المقبل، في ظلّ اتجاه راجح على تأجيل دفع هذه السندات وإعادة جدولة الديون وهيكلتها.
بدأت ملامح القرار الذي ستتخذه الحكومة حول دفع ديونها المستحقة تتبلور مع حصر الخيارات والسيناريوهات المطروحة.
وقد اطّلع مجلس الوزراء في جلسته امس من الاستشاريين المالي lazard والقانوني cleary gottlieb على نصائحهما في شأن القرار وتداعيات كل قرار سلباً وايجاباً، وتم تعيين استشاري ثالث لشؤون التواصل حضر الجلسة ومهمته الشرح للرأي العام طريقة ادارة القرار وتسويقه اعلامياً بكل التفاصيل، وصولاً الى الـbody language والاتجاه هو كما بات معروفاً عدم الدفع، إذ انّ المطروح خياران: الاول هو "التعثر غير المنظّم"، أي عدم الدفع كلياً.
والثاني هو "التعثر المنظّم"، أي التفاوض مع المُقرضين وحملة السندات الخارجية، وباب هذا الخيار اعطاء دفعة اولى وجدولة مستحقات 2020 مع فوائدها، والحديث يدور حول مبلغ 280 مليون دولار وهي فوائد استحقاق آذار ونيسان. لكن هذا القرار معلوم انه مرفوض لدى "الثنائي الشيعي" الذي ابلغ الى دياب عدم موافقته على دفع أي فلس في ظل الظروف الراهنة.
وقالت مصادر متابعة للبحث انّ رئيس الجمهورية بات يميل الى فكرة دفع مبلغ بسيط لترك باب التفاوض مفتوحاً وهيكلة بقية الدين العام، وسيناقش هذا الامر نهائياً غداً في الاجتماع الرئاسي الثلاثي الذي سينعقد في القصر الجمهوري، والذي سيليه جلسة لمجلس الوزراء يتخذ خلالها القرار النهائي.