قالت الصحف: معاندة متبادلة تجهض مبادرة بري
الحوارنيوز – خاص
مرة أخرى تتراجع مبادرة الرئيس نبيه بري أمام عناد الطرفين: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، فيما البلاد دخلت حيز المجهول اقتصاديا ومعيشيا ونقديا وسياسيا، فهل يتوج الإنهيار بالدخول الى المجهول الأمني؟
-
صحيفة “النهار” حملت “العهد وحليفه الحديدي” مسؤولية عدم التأليف دون أن تذكر الأدلة على ذلك! وعنونت لإفتتاحيتها:” الانهيار يتدحرج … والسلطة استسلام وتواطوء وكتبت تقول:” وقع انهيار كبير متسارع، بالكاد تمكن اللبنانيون من احياء ذكرى انتفاضة استقلالية سيادية تاريخية شهدها لبنان في 14 آذار2005، فاذا بذكراها الـ16 امس تمر عبر الخوف المتعاظم من اخطر التداعيات السيادية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية مجتمعة لكارثة باتت وقائعها تسابق التحذيرات من حصولها.
صحيح ان بوادر آخر جولات الانفجار الاحتجاجي الذي بدأ الأسبوع الماضي شكلت جرس انذار متقدماً لعاصفة متفجرة جديدة في لبنان تحمل هذه المرة نذر فوضى مخيفة، لكن الخطر ظل عند حدود الضبط في الحد الأدنى الى نهاية الأسبوع الماضي حيث بدا واضحا ان التفلّت المالي في السوق السوداء لتسعير الدولار بات العنوان الأكبر للحريق المخيف الذي يزحف تباعاً على البلاد.
ذلك ان الساعات الـ72 الأخيرة تحولت بوقائعها المالية اشبه بدفع متعمد للبلاد نحو الانهيار الشامل الذي سيستتبع حكما كارثة اجتماعية تنفجر بأسوأ وجوه الغضب الشعبي بعدما رفعت الدولة والسلطات السياسية والحكومية والنقدية والمالية ايديها استسلاما أمام ذاك المجهول الغامض المقنّع الذي يتلاعب بأسعار الدولار ولا احد يزعم القدرة على لجمه. والحال انه لو كانت هناك حكومة كاملة الصلاحيات واندلعت موجة الاشتعال في سعر الدولار ومعها اشعال الشوارع اللبنانية على أوسع واشمل نطاق كالذي حصل يوم السبت الفائت، لكانت سقطت في الشارع شر سقوط بأسوأ من التجربة الشهيرة لحكومة عمر كرامي في 6 أيار من عام 1992 التي أسقطها ارتفاع قياسي آنذاك للدولار الهب الشارع بالتظاهرات الغاضبة. مع حكومة تصريف اعمال تجرجر ذيولها وفشلها منذ سبعة اشهر ومعاندة مخيفة لفريق العهد وحليفه الحزب الحديدي في عدم الافراج عن حكومة وضع المجتمع الدولي معاييرها غير القابلة للتغيير كحد ادنى لعبور الدعم الدولي الملح الى لبنان المختنق الذي يصارع البقاء تحت وطأة الانهيارات المتعاقبة، انفجر “دولار لبنان” مجددا وهذه المرة بسقوف “سوبرقياسية” يستحيل تصور أي قدرة لدى اللبنانيين على تحملها من دون اشتعال ما يتجاوز الثورة او الانتفاضة المنظمة الى فوضى قد تكون أسوأ مما شهده لبنان في تجارب الحروب.
بين سقفي الـ12 الف ليرة و13 الف ليرة، بدا لبنان في الساعات الأخيرة امام لحظة مفزعة اذ لم يقتصر المشهد والتداعيات على اشتعال التظاهرات وقطع الطرق السبت ومن ثم تجدد قطع الطرق امس بل ان الأنظار ستتجه اليوم الى الأسواق والمتاجر والسوبرماركت وكل القطاعات التجارية والإنتاجية وما اليها لترصد الارتفاعات المطردة في أسعار السلع كافة ربطا بتحليق أسعار الدولار الذي بات عمليا بلا رادع وبلا سقف. وتاليا، وامام الخواء السياسي المخيف والمعاندة الخيالية في ازمة تشكيل الحكومة التي وحدها الوسيلة الحصرية للجم اندفاعات الانهيار الكبير، لم يعد الخوف من كارثة زاحفة مجرد توقع او تضخيم او تخويف، بل ان ما يخيف فعلا هو اجماع الخبراء الماليين والسياسيين سواء بسواء على ان الكارثة بدأت وستكون متدحرجة من دون سقوف ما لم يردعها حل سياسي طارئ وعاجل يفرج عن الحكومة الانقاذية المطلوبة داخليا وخارجيا. اما الأسوأ من واقع استرهان الكارثة للعناد السياسي او العجز او حتى التآمر فبرز في الكلام الذي تداولته مواقع تواصل اجتماعي عن اتهامات لأصحاب نفوذ في تسخير منصات للتلاعب بأسعار الدولار او الحديث عن متواطئين يملكون كتلا مالية كبيرة ويتحكمون بتسعير الدولار، وكل هذا لم يقترن بعد بتثبيت او ملاحقة او توضيحات كأن الازمة أفلتت من كل اطر السيطرة والضبط والتحكم.
-
صحيفة “الاخبار” عنونت:” انهيار سعر الليرة … هل اقتربت الفوضى؟ عون والحريري يرفضان مبادرة بري” وكتبت تقول:”كلما ظن الناس أنهم وصلوا إلى القعر، تبيّنوا وجود قعر أعمق. صار جلياً أنه لم يعد لانخفاض سعر الليرة من نهاية. وصار انخفاض ألف أو ألفي ليرة في سعرها بالنسبة إلى الدولار عادياً. تلك البلادة في التعامل مع الواقع، تظهر في تأليف الحكومة الذي ينتقل من أزمة إلى أزمة مهما كثرت المبادرات، وآخرها مبادرة الرئيس نبيه بري، التي اصطدمت برفضين
تحوّل سعر صرف الدولار إلى هوس بذاته. يترقّبه حتى من لا قدرة له على الحصول عليه. أما تأثيراته المأسوية على المجتمع والاقتصاد، فلم تعد ذات شأن بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من الناس الذين تآكلت مداخيلهم منذ زمن. خلال يومي عطلة ارتفع سعر الدولار ألفي ليرة. لامس 13 ألفاً، وعلى الأرجح لن يتأخر في الوصول إلى 15 ألف ليرة. لم يعد الرقم مهماً سوى لقياس مستوى عمق الانهيار. حالة استسلام كاملة يعيشها الناس الباحثون عن لقمة العيش، فيما السلطة غائبة تماماً عن أي حلّ. الحلول الترقيعية على شاكلة توقيف الصرّافين وتتبّع المنصّات الإلكترونية تزيد الأزمة لا العكس. لكن المشكلة الأساس أن لا أحد يملك خطة للخروج من الأزمة التي بدأت تنبئ بالفوضى. ما حصل في واحد من المحال التجارية الكبرى ليس تفصيلاً. اقتحامه وتكسير محتوياته بحجة إخفائه منتجات مدعومة، معطوفاً على ما سبقه من صراع على علبة حليب أو “غالون زيت” تعني أن الناس بدأت تُسقط عنها ضوابط كانت لا تزال تفرضها على نفسها. وهؤلاء تزداد معاناتهم يوماً بعد يوم. بعض المواد الغذائية مفقود من الأسواق. نقيب أصحاب السوبرماركت أعلن أن الأسعار، التي ارتفعت بشكل جنوني من عام إلى اليوم، سترتفع 20 في المئة إضافية هذا الأسبوع. محطات البنزين تزيد من وتيرة الإقفال، وهذا، على ما يؤكد عاملون في القطاع، أمر يجب أن يعتاده اللبنانيون. فتقنين فتح الاعتمادات من مصرف لبنان يؤدي إلى تقنين الكميات الموزّعة إلى المحطات، والتي بدورها إما تعمل على تقنين التوزيع اليومي ليكفي إلى حين وصول الشحنة التي تلي، أو تستهلك المخزون دفعة واحدة، ثم تضطر إلى إقفال أبوابها لأيام. تلك معاناة تعيشها بيروت كما باقي المناطق. لكنها أشد قسوة في الأطراف، لأن شركات التوزيع خفّضت الكميات التي تصلها. الكهرباء أيضاً مدعاة للقلق. عتمة. لا عتمة. لا أحد يملك الجواب الشافي. بين الصراعات السياسية وتقنين فتح الاعتمادات الدولارية والإدارة المتهالكة للقطاع، كل شيء ممكن. ولذلك بدأ الناس يبحثون عن خطط طوارئ لمواجهة لا استقرار “كهرباء الدولة” وارتفاع أسعار كهرباء المولدات.
ما الذي يبقى من سبل العيش؟ حتى ربطة الخبر لا تستقر على سعر ولا على وزن. إذا لم يرفع وزير الاقتصاد سعرها، يلجأ إلى خفض وزنها. لكن كل ذلك لا يؤشّر إلى أي تغيير. الطبقة الحاكمة بدأت تعدّ العدة لشبكة أمان طائفية، تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات الاجتماعية للأتباع والمحاسيب.
”وينيي الدولة” سؤال بدأ مزحة منذ سنوات وانتهى واقعاً إجابته واحدة: لا دولة ولا مؤسسات. فقط مجموعة أشباح يتنقّلون بين الشاشات، لا همّ لهم سوى تبرئة أنفسهم من دم البلد. هكذا يصبح طبيعياً أن يكافح الفاسدون أنفسهم الفساد. وهو اليوم تحديداً ليس مشكلة البلد. مشكلة البلد في الإدارة المدمّرة للاقتصاد والمال والنقد. لكن مع ذلك، ليس متوقعاً أن يرحل أي من المسؤولين عن هذا الدمار. الكل باق. ووحده المحظوظ من الناس يجد إلى الهرب سبيلاً.
المطلوب خطة إنقاذية شاملة تعيد إلى الناس بعضاً من الأمل الذي فقدوه. لكن من يأتي بهذه الخطة؟ من يعطّلون البلد بحثاً عن كرسي وزاري بالناقص أو بالزائد، أو من ينتظرون انحناءة رأس من الخارج تسمح لهم بالمبادرة؟
حتى الحديث عن تطورات أزمة تأليف الحكومة صار ممجوجاً. ولو حُلّت كل العُقد فلن يتغيّر المشهد. ماذا يعني تأليف الحكومة في هذا الوضع؟ هل سيبتعد شبح الجوع؟ سيتنفس الناس الصُعداء لبرهة. سيهدأ سعر الدولار لبرهة. ثم تعود الصراعات، ولا سيما على خطة الخروج من الأزمة، لتقضي على أي أمل. كل طرف رأيه معروف مسبقاً. لكل خطوطه الحمر التي تقود إلى منع التغيير.
مع ذلك، خبر من نوع “الرئيس نبيه بري يطلق مبادرة حكومية” قد يكون كافياً لبث أمل زائف. أمل لن يطول قبل أن يتلاشى على فشل المبادرة، بعد أن رفض الرئيس سعد الحريري مبادرته المبنية على حكومة من 20 وزيراً. تلك خطوة بنيت على موافقة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط على زيادة عدد مقاعد الدروز إلى اثنين، على أن يتشارك مع رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان، الذي زاره أول من أمس في كليمنصو، في تسميته. مبادرة بري الثانية كانت بالعودة إلى صيغة 18 وزيراً، على أن يقترح هو عدداً من الأسماء لوزارة الداخلية، يختار منها الرئيس ميشال عون والحريري اسماً من بينها. كذلك، لم يطل الوقت قبل أن يأتي الرفض من عون المتمسّك بحق تسمية وزير الداخلية.
-
صحيفة “الجمهورية” عنونت:” التأليف أسير الاعتبارات والضمانات وبري يسعى على قاعدة 18 وزيراً” ونقلت عن أوساط سياسية متابعة للازمة “انّ الرأي في ما يجري منقسم الى توجهين:
وكتبت:التوجه الاول يستبعد تماماً تأليف حكومة ويعزو السبب إلى اعتبارات إمّا خارجية تبدأ من غياب الضوء الأخضر الأميركي، ولا تنتهي في غياب الضمانات بتقديم المساعدات الدولية، وتحديداً الخليجية التي من دونها لن يتمكن البلد من الوقوف على رجليه مجدداً، وإمّا داخلية تبدأ بأزمة الثقة العميقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ولا تنتهي بعدم استعداد الرئيس سعد الحريري لترؤس حكومة أولوية العهد فيها رئاسية ولا ضمانات بتحقيق الإصلاحات المطلوبة ولا بالحصول على المساعدات الخارجية، فيكون كمَن يضع كرة النار فالانفجار في حضنه، الأمر الذي ينعكس على وضعه ودوره المستقبلي.
امّا التوجه الثاني فيجزم بأنّ الحكومة ستبصر النور قريباً، لأنّ أحداً في الداخل والخارج لا يريد ان ينزلق لبنان إلى الانفجار في مرحلة انتقالية المطلوب فيها ان يبقى مستقراً لكي لا ينعكس انفجاره على الهندسة التي يُعمل عليها لهذه المنطقة. ولذلك، فإنّ الأمور ستتجه نحو التأليف من الآن وحتى نهاية الشهر.
وبين التوجّهين يواصل الدولار تحليقه، ويواصل الناس احتجاجهم الغاضب، وتتواصل الوساطات ولو خجولة وغير قادرة بعد على إخراج الحكومة من عنق الزجاجة.
تجميد الوساطات
وفي هذه الاجواء، لم تحمل نهاية الاسبوع اي جديد على مستوى الملف الحكومي في انتظار ما يمكن ان يحرّك المياه الراكدة. وفي الوقت الذي تحدثت مصادر “بيت الوسط” عن حركة محتملة هذا الاسبوع، لفتت الى انّ ما هو مطروح حتى اليوم من مبادرات داخلية لا يرقى الى مرتبة الحل، في اعتبار انّ ما حال دون توليد “تشكيلة 9 كانون الاول” ما زال قائماً في شكله ومضمونه ولو انّ هذه الامور قد تغيرت لكان الرئيس المكلف تبلّغ بذلك.
وعلى الصعيد عينه، قالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ الحركة الداخلية التي قادها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم جمدت الى حين، وهو امر لا يعني انه قد تمّ صرف النظر عنها في انتظار حلحلة بعض العقد الجانبية.
مسعى بري
الى ذلك، أكد مطلعون على أجواء عين التينة انّ مسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري لإحداث خرق في جدار الازمة الحكومية لا يزال ينطلق من قاعدة الـ18 وزيراً، مشيرين الى انّ هناك نوعاً من التضليل في بعض الاستنتاجات التي ترافق محاولته لتحريك المياه الراكدة، ومؤكدين أنّ الترويج عن أنّ بري اقترح رفع العدد الى 20 وزيراً ليس دقيقاً.
وشدد القريبون من عين التينة على “أنّ إصرار البعض على اقتناص ”الثلث المعطّل” بنحو او بآخر هو السبب الأساسي الذي يستمر في عرقلة ولادة الحكومة”، مستغربين “كيف أنّ هناك من يتمسك بحسابات سلطوية فيما الدولة تنهار والدولار يواصل ارتفاعه مهدداً بانفجار اجتماعي كبير”.
وفي سياق متصل، اعتبرت مصادر سياسية انّ طرح الـ20 وزيراً قد يكون هو الحل الممكن في نهاية المطاف، “لكن مشكلته تكمن في من يسمّي الوزير الكاثوليكي، في اعتبار انه من المحسوم انّ الوزير الدرزي الثاني سيختاره النائب طلال أرسلان او بالتفاهم معه، امّا الوزير الكاثوليكي فسيكون موضع تجاذب بين الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري”.