قالت الصحف: ماذا بعد بعلبك؟
الحوارنيوز – خاص
يوسع العدو من اعتداءاته وجرائمه في لبنان بالتزامن مع ضغط دولي متواصل على لبنان بغية دفعه للموافقة على الشروط الإسرائيلية للتسوية المقترحة، والقائمة على التسليم بنزع سلاح المقاومة وعدم المطالبة بأي انسحاب إسرائيلي الا وفق اتفاق 17 أيار جديد، يتجاوز فيه العدو القرار 1701 ومندرجاته التي يرفض تنفيذها.
ماذا بعد بعلبك، هو السؤال الذي فرض نفسه أمس بعد تكرار استهداف منطقة البقاع وسقوط عدد من الشهداء والجرحى.
كيف تناولت الصحف المستجدات الميدانية والسياسية؟
- صحيفة النهار عنونت: لبنان يلهب التطرف الإسرائيلي وبعلبك خط استهداف
وكتبت تقول: دفعت إسرائيل أمس بالتصعيد على “الجبهة اللبنانية” الى مستوى غير مسبوق ان عبر تحويل بعلبك في عمق البقاع الشمالي خط استهداف يبعد عشرات الكيلومترات عن محاور المواجهات على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، وان عبر تسعير حرب التهويل بحيث تبارى رموز اليمين المتطرف بالمزايدات في شأن الهجوم على لبنان. ومع ان هذه الجولة المحمومة الجديدة من التصعيد لا تخرج كثيرا عن سوابق اختراق “قواعد الاشتباك ” التي لا تزال تطبع المواجهات بين إسرائيل و”حزب الله” بأطر لم تبلغ بعد حدود السقوط في محظور الحرب الشاملة ، فان مجريات الساعات الأخيرة رفعت الى سقف خطير منسوب المخاوف من الجرعة الكبيرة للتصعيد الذي تمثل في قصف “حزب الله” الجولان بصليات كثيفة جدا من الصواريخ، فيما اغارت المقاتلات الحربية الإسرائيلية على البقاع الشمالي على دفعتين للمرة الثانية في اقل من أربع وعشرين ساعة للمرة الثالثة منذ اندلاع المواجهات بين إسرائيل و”حزب الله” في الثامن من تشرين الأول الماضي.
بلوغ الاحتدام هذا المستوى ترجمته مبارزة بين صقور التطرف في إسرائيل حول لبنان واكبت التصعيد الميداني اذ “افتتحها” وزير الامن القومي الاسرائيلي ايتمار بن غفير متوجهاً الى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بقوله: “الجيش مسؤوليتك ويجب بدء الحرب على لبنان الآن”. وأضاف: “توقّفوا عن نشر الفيديوهات وابدأوا بالرد والهجوم الآن”.
وسرعان ما زايد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي نقلت عنه وسائل إعلام إسرائيلية قوله: “سنهاجم لبنان بقوة كبيرة”.
وسط هذه الاجواء، إلتقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا التي وضعته في صورة الاحاطة الدورية لمجلس الامن بشأن القرار 1701 وأبلغته انها في صدد المغادرة الى نيويورك لمناقشة هذا الملف. واستقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري فرونتسكا للغاية نفسها وكان بحث في المستجدات السياسية والميدانية.
تسوية “الخيار الثالث”
في ما يتعلق بالمشهد السياسي بدا لافتا ما اعلنه امس عضو “اللقاء الديمقراطي” النائب وائل أبو فاعور من “أن الأوان لم يحن للتسوية السياسية، وكل جدل حالي عن شكليات الحوار لا معنى له فالخلاف الفعلي هو هل سيكون هناك سلة اسماء تستبعد الاسماء التي لا تعتبر وفاقية ام لا؟”. وإذ أكد أن الخماسية توافق على مبادرة “كتلة الاعتدال” شدد على انه “لن يكون هناك انتخاب رئيس من دون الوصول الى فكرة الخيار الثالث، وعندما ستتم الدعوة لجلسة انتخاب رئيس لن تكون الا على أساس توافق مسبق”. واضاف: “أولى المكاسب التي حققتها مبادرة كتلة الاعتدال هي الاتفاق على فكرة الجلوس الى الطاولة والتصوّر الأساسي كان بأن يحصل حوار ويتم استبعاد كل الأسماء التي لا تحظى بموافقة الطرفين، والمبادرة لم تنتهِ”.
- صحيفة الأخبار عنونت: العدوّ يوسّع بقاعاً رداً على قصف المقاومة دفاعاته الجوية | حزب الله يتجاهل التهويل: جبهة الإسناد قائمة
وكتبت تقول: عكست اعتداءات العدوّ التي طاولت البقاع اللبناني، بعد استهداف المقاومة مقارّ الدفاع الجوي والصاروخي في الجولان المحتل ومنطقة الجليل، تصعيداً نوعياً، ما يضع المعركة على حافة التدحرج الى سيناريو أشدّ خطورة. في المقابل، عكس تصعيد حزب الله ردوده على العدوان الذي توسّع مدى وعمقاً إصراره على عدم فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. وعدم الخضوع لضغط توسيع مدى المواجهة. وهو ما أشار إليه أمس رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مانويل تراغتنبرغ، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر السنوي السابع عشر للمعهد، بقوله إنه «في نهاية المطاف، لن يستسلم حزب الله ما دامت الحرب في غزة مستمرّة. ويتعيّن على أولئك الذين يصرّون على تنفيذ ضربة عسكرية إسرائيلية حاسمة في لبنان، بينما لا نزال منخرطين في غزة، أن يفكروا بعناية في احتمال إطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ على إسرائيل». فيما رأى رئيس المجلس الإقليمي في الجليل الأعلى غيورا سالتس أن «إسرائيل فقدت قوتها الرادعة»، بعد إطلاق المقاومة أمس 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل والجولان.
وعن استهداف بعلبك رأن “الأخبار” أن طبيعة الحدث وساحة تنفيذه ورسائله وتداعياته المحتملة، تؤكد أن القرار صدر عن المستويات العليا في المؤسستين السياسية والأمنية في كيان الاحتلال، إذ إن الحدث أكبر من أن تتفرّد به مستويات ميدانية ولو على مستوى قيادة المنطقة الشمالية. والعمق الجغرافي للاعتداءات وتوزّعها وتكرارها، على وقع ردود حزب الله، يكشف عن رسائلها الاستراتيجية وعن حجم الضغوط على العدو على جبهته الشمالية، كما لا يمكن فصلها عن الخيارات التي يلوّح بها العدو.
هذا التصعيد جاء بعد فشل محاولات واشنطن تفكيك جبهات الإسناد، ورفض حزب الله التعاطي مع أيٍّ من المطالب التي حملها الموفد الأميركي عاموس هوكشتين قبل إنهاء الحرب على غزة. كما يندرج في سياق تصاعد تبادل النيران الذي فاقم الضغوط على كيان العدو وعلى المستوطنين. فبحسب «القناة 12» في التلفزيون الإسرائيلي، «بدأت الصورة في الأسابيع الأخيرة تتغيّر… عندما انتقل حزب الله الى إطلاق صليات ثقيلة باتجاه الجليل والجولان»، في إشارة الى تصاعد ضربات المقاومة، في المبادرة والرد على تجاوز العدوّ خطوطاً رسمت الإطار الجغرافي ووتيرة المعركة، عبر توسيع نطاق اعتداءاته لتشمل منازل ومدنيين في قرى خارج الخط الأمامي للجبهة.
مع ذلك، لم تكن مفاجئةً محاولة العدو توسيع نطاق ردوده واعتداءاته. بل إن حصر المعركة ضمن نطاق جغرافي ملاصق لفلسطين طوال خمسة أشهر، مع خروقات محدودة، هو إنجاز للمقاومة وفَّر لها هامشاً أوسع في إسناد غزة، وأفشل المحاولات الإسرائيلية لفرض معادلة تتصل بالمرحلة التي تلي، مع إصرار حزب الله على مواصلة الضربات المدروسة بدقة.
لذلك، يسعى العدو، عبر رفع مستوى اعتداءاته التي تأخذ طابع الرد – لأسباب استراتيجية وردعية – الى محاولة إرساء معادلة فشل في تحقيقها في الأشهر الخمسة الماضية برفع منسوب الأثمان التي يدفعها حزب الله وبيئته، ومحاولة تقييد ردود حزب الله في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
ومن الواضح أيضاً، أن من ضمن الرسائل الرئيسية لهذه الاعتداءات، محاولة العدو إضفاء مزيد من الجدية والمصداقية على تهديداته بأنه لن يسلِّم بالمعادلة التي تحكم المعركة القائمة، وأنه في حال عدم تلبية مطالبه التي حملها المبعوث الأميركي، فإنه مستعد للمخاطرة برفع منسوب اعتداءاته حتى لو انطوت على إمكانية التدحرج إلى مواجهة عسكرية أشد. وهو يراهن في ذلك على أن حزب الله لن يردّ على هذه الاعتداءات، استناداً إلى تقديره بأن أولوية الحزب هي عدم توسيع نطاق المعركة لتشمل بقية المناطق اللبنانية.
في المقابل، يمكن التأكيد أن حزب الله لن يسمح للعدو بفرض معادلته، ولا استغلال أولويته في منع استباحة المدنيين، ولا ثنيه عن مواصلة إسناد غزة، مهما بلغت الضغوط. لذلك ستبقى القاعدة التي تحكم أداءه هي فرض قيود على ردود العدو واعتداءاته، وفق تقديره للوضع الميداني ومتطلباته، وبما يخدم مجموعة أهداف: مواصلة الضغط على العدو، تقييد اعتداءاته وتحييد المدنيين بأقصى ما يمكن، وعدم التدحرج الى حرب.
- صحيفة الأنباء عنونت: أيام حامية ميدانياً… إسرائيل تواصل محاولات توريط لبنان
وكتبت تقول: تواصل إسرائيل تصعيدها ضد “حزب الله” في لبنان، وتواصل انتهاك القرار الأممي 1701 وحتى قواعد الاشتباك، وفي مستجد ميداني خطير، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي مدينة بعلبك للمرّة الثانية في أقل من 12 ساعةً، ما أدّى إلى استشهاد مواطنَين.
زعمت إسرائيل أنها استهدفت خلال الغارات مواقع عكسرية تابعة لسلاح الجو لدى “حزب الله”، وأخرى عبارة عن مخازن لتطوير الأسلحة، وبالتالي فإن وتيرة الاستهدافات ونوعيتها تتغيّر بشكل سلبي، ما يُنذر بأن الأيام المقبلة ستكون أكثر حماوةً.
يترافق التصعيد الميداني مع تصريحات خطيرة يُطلقها مسؤولون إسرائيليون، آخرها صدر عن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، دعا خلالها وزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت لبدء الحرب على لبنان، ما يؤشّر إلى أن ثمّة جو يدفع نحو الحرب في الحكومة الإسرائيلية.
الخبير العسكري والنائب السابق وهبي قاطيشا يُشير إلى أن “الجبهة من المرتقب أن تشهد المزيد من التصعيد في مقبل الأيام، فنيّة التصعيد موجودة لدى إسرائيل، والاستهدافات الأخيرة خير مثال على ذلك”، لافتاً إلى استهدافات نوعية، كمواقع تخزين ذخيرة في العمق اللبناني، أي بعلبك.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، يُرجّح قاطيشا أن “إسرائيل اتخذت قرار الحرب ضد لبنان، والتصعيد يبرهن هذا الأمر، وكذلك مسار الأحداث منذ تشرين الأول، فحماوة الحرب ترتفع ووتيرة الأحداث تتسارع، وقد تكون اللحظة الإسرائيلية قد حانت”.
ويُضيف قاطيشا في هذا السياق: “ثمّة نحو نصف مليون إسرائيلي تقريباً هربوا من الشمال بسبب الحرب والواقع الأمني، وإسرائيل ترفض عقد اتفاقات مع “حزب الله” وتعريض سكّان الشمال للخطر بعد سنة أو سنتين، وتكرار سيناريو غزّة، وبالتالي فإن المرجّح هو قيام إسرائيل بتوسيع الحرب”.
أما وعن الهدنة في غزّة وما إذا كانت ستنسحب على الجنوب، يستبعد قاطيشا عقد هدنة في غزّة بسبب التفاوت في المواقف والأراء بين إسرائيل و”حماس”، لكنه يقول إن الجبهتين منفصلتان، وحتى ولو تم عقد هدنة في غزّة، فإن الهدوء لن ينسحب على الجنوب.
إلى ذلك، فإن الحرب الإسرائيلية ضد حركة “حماس” وقطاع غزّة مستمرّة وبشكل عنيف، تترافق مع حصار مميت يرفع من نسب احتمال حصول مجاعة، وحتى الساعة فإن مباحثات الهدنة متعثرة بين الحركة وإسرائيل، ولا أفق للتوصّل إلى اتفاق.
في المحصّلة، فإن شبح الحرب يحوم أكثر من اي وقت مضى فوق لبنان، وإسرائيل تستفز “حزب الله” وتقصف معاقله في العمق اللبناني، في إشارة واضحة منها في رغبتها بالتصعيد، وبالتالي فإن على المجتمع الدولي التحرّك بشكل أكثر فعالية والضغط على إسرائيل لتجنّب تكرار سيناريو غزّة في لبنان.