سياسةمحليات لبنانية
قالت الصحف: قراءة في الحركة الفرنسية والأميركية على وقع الشلل الداخلي
الحوارنيوز – خاص
الحدث الأبرز كان أمس تمثل بمغادرة السفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو الى المملكة العربية السعودية، لبحث سبل تنفيذ ما اتفق عليه في اجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية في باريس مؤخرا.
كيف قرأت صحف اليوم هذا التطور في ضوء الشلل الداخلي التام؟
-
صحيفة “النهار” عنونت:” لقاءات الرياض الثلاثية: سقوط الاعتراف بالسلطة” وكتبت تقول:” لم تكفّ الصدمة المهينة للسلطة عموماً التي ترددت أصداؤها بقوة أمس غداة “فضيحة السرايا” حتى برز تطور ديبلوماسي غير مسبوق ينطوي على معطيات ودلالات يعتقد انها على جانب كبير من الأهمية فاجأت بدورها كل اركان السلطة، كما جميع القوى السياسية، بحيث بدا الجميع في حالة غياب عن مجريات تطورات خارجية متقدمة تسعى بقوة الى منع انهيار لبنان. هذا التطور تمثل في المفاجأة التي اثارها صدور بيانين متزامنين أمس عن كل من السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا والسفيرة الفرنسية آن غريو تعلنان فيهما انهما ستتوجهان معاً الى المملكة العربية السعودية لعقد اجتماعات اليوم مع مسؤولين سعوديين، وان هذه الزيارة تأتي عقب الاجتماع الثلاثي بشأن لبنان لكل من وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ووزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود الذي سبق ان عُقِد في 29 حزيران الماضي، على هامش مؤتمر قمة مجموعة العشرين، في مدينة ماتيرا في إيطاليا. وهذه سابقة ديبلوماسية من حيث زيارة سفيرتين لدولتين كبريين دولة ثالثة بارزة في موقعها حيال لبنان للبحث في الازمة اللبنانية، الامر الذي دفع بعض الأوساط الى الاستنتاج بأن دولاً أساسية وعديدة بدأت تتعامل مع الواقع اللبناني كأن لا سلطة فيه بعدما سقطت كل معالم الثقة الدولية بهذه السلطة وبالطبقة السياسية.
وأكدت السفيرة شيا انها “ستؤكد أهمية المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني، فضلاً عن زيادة الدعم للجيش وقوى الأمن الداخلي. وبالشراكة مع نظيريها الفرنسي والسعودي، ستواصل العمل على تطوير الاستراتيجية الديبلوماسية للدول الثلاث التي تركز على تشكيل الحكومة وحتمية إجراء الإصلاحات العاجلة والأساسية التي يحتاجها لبنان بشدة”.
بدورها اكدت السفيرة غريو انها “ستشرح خلال لقاءاتها بأنه من الملحّ أن يشكلّ المسؤولون اللبنانيون حكومةً فعالة وذات صدقية تعمل بهدف تحقيق الإصلاحات الضرورية لمصلحة لبنان، وفقاً لتطلّعات الشعب اللبناني. وستعرب مع نظيرتها الأميركية عن رغبة فرنسا والولايات المتحدة في العمل مع شركائهما الإقليميين والدوليين للضغط على المسؤولين عن التعطيل. ستشدّد أيضاً على ضرورة المساعدات الإنسانية الفرنسية المقدّمة مباشرة للشعب اللبناني وللقوات المسلحة اللبنانية ولقوى الأمن الداخلي التي ستستمر فرنسا والولايات المتحدة بدعمها”.
ويتخذ هذا التطور أهميته من كونه يأتي امتداداً للقاء وزراء الخارجية للبلدان الثلاثة بما يعكس ان اتفاقاً او تفاهماً محدداً حصل في ذاك اللقاء وستحمل لقاءات السفيرتين الأميركية والفرنسية مع مسؤولين سعوديين اليوم معطيات جديدة حيال تنفيذ ما سيتفق عليه في شأن الازمة الحكومية اللبنانية، كما في موضوع مد لبنان بمساعدات حيوية تحول دون انهياره. حتى ان بعض الأوساط الديبلوماسية والسياسية ابرز أهمية بعيدة المدى للتنسيق الأميركي الفرنسي السعودي، اذ تجري الان بلورة جهد ثلاثي من خلال التنسيق مع السعودية الراعية الأساسية لاتفاق الطائف حيال الازمة اللبنانية الراهنة. ويتركز هذا الجهد على الضغط المتعاظم على المسؤولين اللبنانيين لتشكيل حكومة جديدة، كما يتركز في الجانب الاخر على درس الجوانب الأكثر إلحاحاً في موضوع دعم القطاعات الأكثر حاجة للشعب اللبناني.
وليس بعيداً من أجواء التحضيرات الفرنسية لعقد مؤتمر دعم ثالث للبنان قبل الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، وصل امس الى لبنان منسق المساعدات الدولية من اجل لبنان السفير بيار دوكان، في زيارة تستمر حتى الثلثاء المقبل، يلتقي خلالها الفاعليات الاقتصادية والسياسية. وتهدف الزيارة، وفق بيان عن السفارة الفرنسية، الى “متابعة المساعدة الفرنسية والاستمرار في حض وتحفيز الشركاء الدوليين وتحديد الحاجات من اجل مؤتمر الدعم 3 الذي سيخصص للشعب اللبناني والذي سينظم قريبا”.
-
صحيفة “الاخبار” ذهبت الى أبعد من حدث السفيرتين الى الرياض وكتبت في معرض تحليلها للدور الفرنسي:” أن فرنسا التي تتولّى الآن دور المتحدّث الأول في الملف الداخلي اللبناني، تتصرّف كما لو أنها تملك من الأوراق ما يكفيها لكي تلاعب الجميع في لبنان. وهي تعتبر أنه بمجرد أن تكون على تواصل سياسي مع حزب الله، فهذا كاف لكي يقبل الحزب بتصوراتها. وثمة فوقية مقززة لدى الفرنسيين وهم يشيرون الى هذا الأمر على سبيل أنهم يمنحون المقاومة في لبنان بركة قبولهم التحدث معها، “بينما يرفض المجتمع الدولي ذلك”. المشكلة هنا أن فرنسا لم تتعلم شيئاً لا من ماضي الاستعمار القديم ولا من محاولة إعادة الاستعمار المباشر قبل نحو أربعين سنة، ولا من كل ما مرّ عليها ومعها وبسببها في منطقتنا. فرنسا لا تزال فرنسا، بل هي من سيئ الى أسوأ.. ترى، هل يفكر الفرنسيون لحظة بأن المقاومة في لبنان هي من يمنحهم فرصة التحدث إليها، بينما يقف العالم كله طالباً التواصل؟
هل ينسى الفرنسيون قبل شهور عدة ما حصل عندما طلب العدو من الأمم المتحدة نشر كاميرات مراقبة على الحدود الجنوبية؟ ألم تتعب فرنسا لأجل تمرير مشروع تعرف أنه يخدم العدوّ وحده؟ ألم تفهم لماذا لم تكن طرفاً في التواصل لا هي ولا إسبانيا المتورّطة أصلاً في لعبة التجسس من خلال قوات الطوارئ الدولية لمصلحة إسرائيل؟ ألم تفهم لماذا رفض حزب الله التحدث مع البريطانيين، بل رفض حتى تلقّي رسالة تطلب الاجتماع بهم؟ ألم تفهم لماذا اضطرت الولايات المتحدة والأمم المتحدة ومعهما فرنسا وإسبانيا وبريطانيا الى الطلب من سويسرا لأن تقوم هي بالتواصل مع حزب الله بغية إقناعه بأن الكاميرات لا تستهدف الجنوبيين؟ وحسناً فعل السويسريون الذين سمعوا الرسالة وفهموها جيداً: أيّ كاميرا تنصب لمراقبة المقاومة سوف تكسر، وكل يد تحاول إصلاح ما كسر ستكسر أيضاً… ألم تعرف السفيرة الحالية، لماذا بادر الجيش اللبناني من خلال موفد شخصي للعماد جوزف عون الى إبلاغ فرنسا أن الحزب لن يوافق على المشروع وأن الجيش ينصح بتجاهل الأمر لأن أحداً لا يريد الصدام؟
يبدو أن فرنسا لم تفهم الرسالة بعد. بل هي تتصرف على أنها صاحبة الحق في الوصاية الكاملة. وأنها عندما تركت لبنان، كانت في إجازة، لكنها عادت لتجد شعبه وقياداته في حالة عجز، وهي من يقرر كيف تدار الأمور.
ولأن فرنسا لم تغادر منطقها إياه، سعت السفيرة الجديدة ــــ التي تعلّمت الدرس بألّا تكرر ما كان يفعله سلفها فوشيه ــــ الى توسيع نطاق صلاتها المحلية. وخلال الشهرين الماضيين، عقدت لقاءات في مقر السفارة، جمعت عدداً من ممثلي منظمات وجمعيات مدنية، من مختلف المناطق والطوائف. وقالت لهم بداية إنها تعتقد أنهم الأكثر تمثيلاً في مناطقهم وفي بيئاتهم الاجتماعية. وهي خصّت الجمعية التي تديرها السيدة رباب الصدر بلفتة خاصة وخلوة خاصة، لأجل القول إنها تعكس تمثيلاً كبيراً في الطائفة الشيعية. لا بل لفتت انتباهها الى أنها تمثل التيار البديل من الإرهاب والتطرف والفساد… وتركت للسيدة رباب أن تفهم المقصود. وعمدت السفيرة الى القول صراحة للحاضرين، إن ما يهمّ فرنسا اليوم هو الإنسان اللبناني، وإن فرنسا تعتقد بأن هذه الجمعيات تعمل لمصلحة الإنسان في لبنان بخلاف الأحزاب والسلطة الذين يعملون لأجل مصالحهم الخاصة ومواقعهم وحماية مراكز نفوذهم وفسادهم داخل الدولة. وسارعت الى القول بأن المبادرة الفرنسية لمعالجة الأزمة اللبنانية مستمرة، وقد أخذت شكلاً جديداً. تحدثت بإسهاب عن التغييرات التي رافقت وصول إدارة جديدة الى البيت الأبيض، وأن فرنسا باتت شريكة وهي حصلت على تفويض أميركي للقيام بالعمل المباشر في لبنان… و”نحن اليوم نعمل مع الأميركيين والبريطانيين وآخرين وفق رؤية موحدة. ومبادرتنا تختلف تماماً عن مبادرة الرئيس نبيه بري. نحن نريد إنقاذ لبنان ونقله الى مستوى جديد من الإدارة، بينما تستهدف مبادرة بري إعادة التجديد للطبقة الحاكمة نفسها”.
ثم قالت بحسم:
“لدى اللبنانيين اليوم خياران:
الأول: تأليف حكومة جديدة، من مستقلين لا تختارهم الأحزاب، وتكون لديهم القدرة والمسؤولية والإرادة الحرة لخوض معركة الإنقاذ من خلال الشروع الفوري في معركة محاربة الفساد، والعمل بالتعاون المباشر والوثيق مع المجتمع الدولي على إطلاق عملية إقصاء تدريجي وطوعي للفاسدين عن كل مواقع السلطة.
الثاني: الدخول في مواجهة شاملة ومباشرة وقاسية مع المجتمع الدولي، ومع إرادة المجتمع الدولي، وبالتالي تحمّل النتائج من الحصار والعقوبات. وليكن معلوماً أن المواجهة المباشرة مع المجتمع الدولي ستضع لبنان أمام الانهيار الحتمي والنهائي”.
لكن السفيرة تستدرك لتشرح أن الخيار الثاني ليس في مصلحة أحد، ولا يوجد في لبنان من يقدر على مواجهة المجتمع الدولي سوى حزب الله. هنا، تقرّ السفيرة بأن حزب الله قوي جداً، ولديه خبرة كما إيران على مواجهة العقوبات والحصار، لكن عليه أن يفهم بأن خيار المواجهة يضرّ كل اللبنانيين، وهذا ما يوجب على اللبنانيين إظهار التمايز الفعلي عن حزب الله وتحميله مسؤولية مواجهة المجتمع الدولي ونتائج هذه المواجهة. وبالتالي ــــ تضيف السفيرة العبقرية ــــ إن على اللبنانيين إظهار تمايزهم الفعلي عن حزب الله، وألّا يتصرفوا كما تصرفت حكومة حسان دياب التي لم تتعاون أبداً مع المجتمع الدولي ولم تنفذ توصياته ولم تلتزم بالتعليمات التي تفتح المجال أمام الإنقاذ. (ما قالته السفيرة الفرنسية للرئيس حسان دياب أول من أمس هو نفسه ما قالته في اجتماعاتها مع المجموعات اللبنانية) لأنها تعتبر أن عدم الاستجابة الكاملة لبرنامج الإصلاحات كما يراه البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي هو السبب في تعميق الأزمة.
وحتى لا يبقى السؤال ماثلاً حول موقف فرنسا والمجتمع الدولي من حزب الله، سارعت السفيرة الى القول بأن الحزب هو أيضاً أمام خيارين: “إما أن يقبل التفاوض مع المجتمع الدولي، وله الخيار في أن يختار الجهة أو الدولة التي يريد التحاور معها. الجميع يريد التحدث إليه، وإذا كان يرفض الأميركيين أو البريطانيين أو الفرنسيين فيمكنه التحدث مع الأمم المتحدة أو مع ألمانيا” (قال دبلوماسي غربي إن ألمانيا في لبنان يراد لها أن تؤدّي دور سلطنة عُمان في ملفات إيران واليمن). لكن السفيرة أظهرت بعض “الحزم” عندما أوضحت: “نحن من جانبنا سنستمر بالتواصل والتحدث مع الحزب، لكن على الحزب أن يعلم أننا نتحدث معه من الآن وصاعداً تحت سقف هذا التوجه. ونحن نقول للحزب بأنه في حال قرر رفض التفاوض وقرر الدخول في مواجهة معنا، فعليه تحمل النتائج. وعندها سيتم عزله بصورة كلية من قبل كل العالم، ولن يبقى أحد، بمن فيهم نحن، يقبل التحدث معه. وسيواجه وضع كل المنظمات الإرهابية المعزولة في العالم. ونحن نثق بأنه ليس حزباً مغامراً، وبأنه لن ينجرّ الى مغامرات”. لتختم: “لبنان اليوم في وضع يشبه ما كان عليه بين عامَي 1982 و1983، وهناك الكثير من الخيارات على الطاولة”.
عصف فكري في باريس: مؤتمر لدراسة الحكم البديل في لبنان
لقاءات السفيرة الفرنسية في بيروت لم تكن معزولة عن نشاط آخر بادرت السلطات الفرنسية الى القيام به في باريس. تعاونت وزارة الخارجية مع وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية ومراكز أبحاث على ترتيب مؤتمر لمناقشة الوضع في لبنان والمنطقة. ودعي إلى الاجتماع موظفون فرنسيون وشخصيات لبنانية حضرت إما بوصفها تحمل جنسية أخرى، أو أنها تمثّل مراكز أبحاث ومؤسسات غير لبنانية. لكن باريس اختارت شخصية لبنانية واحدة حضرت من بيروت. وتبيّن أن الشخصية الحاضرة هي المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمد عبيد، ويبدو أن حضوره تمّ بتوصية من قائد الجيش العماد جوزف عون. واستمر المؤتمر لأيام عدة، واختتم نهاية الشهر الماضي، وكان مناسبة لنقاش نظريّ حول الأزمة اللبنانية كجزء من مشكلة المنطقة. وليس غريباً على الحاضرين أن ينجحوا في تقديم تشخيص وفهم دقيق للأزمة من جوانبها كافة. لكن الحيرة تعود الى الطروحات البديلة وإلى الأفكار العلاجية الممكن اعتمادها في مقاربة الأزمة اللبنانية. على أن الخلاصات التي يمكن الخروج منها بعد هذا اللقاء تفيد بالآتي:
أولاً: إن فرنسا باتت كما بقية “المجتمع الدولي” على اقتناع تامّ بأن الطبقة السياسية الموجودة لم تعد مؤهّلة للاستمرار في الحكم، بمن فيهم الرئيس سعد الحريري، وأنه حان وقت التغيير الشامل. و”نحن ندعم تغييراً شاملاً، لكننا لا ندعم أن يحصل ذلك بالقوة لأنه لا يدوم، وقد يتسبّب بمشكلات كبيرة، بل نسعى إلى أن يتحقق من خلال تعزيز حضور ونشاط المجتمع المدني والجمعيات والشخصيات التي يمكن أن تشكل بديلاً حقيقياً من الموجودين حالياً. وفرنسا تتحدث باسم المجتمع الدولي عن الاستعداد للمساعدة على عقد تسويات تسمح بخروج هذه الطبقة السياسية من دون مواجهة. وهذه التسويات لا يمكن أن تكون بطريقة تُبقي الأمور على ما هي عليه اليوم”.
ثانياً: يعتقد الفرنسيون أن المشكلة في لبنان تتطلّب تغييراً شاملاً، وتحتاج الى حوار يقود الى عقد اجتماعي وسياسي جديد. ويجب أن يكون الأمر أساسياً لا أن يتمّ ربط التغيير بالانتخابات. وهم يُظهرون خشية كبيرة من كون الانتخابات في حال حصولها بصورة مبكرة أو في موعدها قد تعيد إنتاج الطبقة الحاكمة نفسها، وسيكون المجتمع الدولي ملزماً بالتعامل مع المجموعة نفسها لسنوات أربع جديدة. لذلك يجب البحث في آلية مختلفة لإدارة الانتقال السلمي الى سلطة جديدة.
ثالثاً: يبدو أن الفرنسيين، بعدما عجزوا عن تأمين إجماع أوروبي على فرض عقوبات على أركان الطبقة السياسية في لبنان، يفكرون في عقد اتفاقات مع بريطانيا وألمانيا، أو مع دول أخرى، لأجل فرض عقوبات ثنائية أو ثلاثية على شخصيات لبنانية من البارزين، تؤدي الى منعهم من دخول أوروبا أو بعض الدول، ومنعهم من مزاولة أي أعمال اقتصادية أو تجارية مباشرة، أو من خلال أزلامهم، وتعقيد كل معاملاتهم في هذه الدول. مع الرغبة الواضحة بعدم اللجوء الى عقوبات تعطّل أي مسعى لإقناع هذه القيادات بالابتعاد السلمي عن مواقعها. وهدف الفرنسيين هنا، هو استخدام هذه الضغوط لأجل إقناع هذه الفئة بعدم خوض الانتخابات النيابية الجديدة وترك المجال أمام آخرين.
رابعاً: بانتظار حسم وجهة الحل في لبنان، على الجميع التصرّف على أساس أنه لن تكون هناك أي برامج دعم مالي للبنان، لا من المجتمع الدولي ولا حتى من الدول العربية. ولن يصرف قرش واحد في لبنان قبل إقرار الإصلاحات التي يطلبها “المجتمع الدولي” وبإشرافه، وبوجود فريق لا يمثل الطبقة السياسية الحالية. أما حاجات لبنان الغذائية، فسيتلقّاها، في ظل وجود تصور لتعزيز وضع القوى العسكرية والأمنية لمنع حصول الانهيار الأمني وقيام الفوضى الشاملة.
خامساً: يتصرّف الفرنسيون بالعقلية نفسها التي دفعت جهات بارزة في بريطانيا، كما في الولايات المتحدة أيضاً، الى الحديث من جديد عن الحاجة الى وصاية دولية مباشرة على إدارة المرحلة الانتقالية في لبنان. ويصل الأمر ببعضهم الى الحديث عن ضرورة البحث في خيار فرض وصاية دولية ولو توجّب وجود فريق دولي يتولّى على الأرض ممارسة الإجراءات الكفيلة بالتزام تطبيق الإصلاحات كاملة.
لا تضخّموا الأمور
وسط كل هذه الأجواء، يخرج من بين الفرنسيين من يدعو الى عدم المبالغة في قراءة ما تقوم به الحكومة الفرنسية في هذه الفترة. بعض المتابعين من باريس يعتقدون أن الرئيس إيمانويل ماكرون في حالة إحباط شديد إزاء الأزمة اللبنانية، وهو سعى إلى استثمارها في معركته الداخلية، وأن خلية الإليزيه لم تعد تظهر حماسة كبيرة للقيام بأمور استثنائية ربطاً بعجزها عن إقناع اللبنانيين بتقديم حلول مختلفة… والأهم من كل ذلك، أن فرنسا بلد يواجه صعوبات كبيرة تمنعه من عرض عضلات تكلّفه إنفاقاً غير ممكن في لبنان ولا في غيره… ويصل الأمر بأحد الفرنسيين المتابعين لملف لبنان وعمل سلطات بلاده الى القول: إنهم كمن يجذّف في الهواء!
-
صحيفة “اللواء” عنونت:” بندان في جعبة السفيرتين: حكومة عاجلة ومساعدات للجيش والشعب” وكتبت تقول:” بندان في جعبة السفيرتين الاميركية دورثي شيا، والفرنسية آن غريو، في الطائرة التي تقلهما اليوم 8 تموز 2021، إلى المملكة العربية السعودية، في تحرك دبلوماسي مشترك، من أجل إنقاذ لبنان من الانهيار. البند الأول: كشفت عنه السفيرة غريو، ويتعلق بشرح أهمية وإلحاح تأليف “حكومة فعالة وذات مصداقية بهدف تحقيق الاصلاحات الضرورية لمصلحة لبنان”.
ولم تخف غريو في بيان السفارة الفرنسية من ابلاغ المسؤولين الذين ستلتقيهم مع نظيرتها الأميركية من العمل مع الشركاء الاقليميين والدوليين للضغط لوقف التعطيل فضلاً عن المساعدات الضرورية الإنسانية للشعب اللبناني والجيش اللبناني.
والبند الثاني المتعلق بالمساعدات شرحته السفيرة دورثي بالتأكيد ان البحث مع المسؤولين في المملكة سيتطرق إلى خطورة الوضع في لبنان، وأهمية المساعدة الإنسانية للشعب اللبناني، فضلاً عن زيادة الدعم للجيش وقوى الامن الداخلي.
وهكذا دفع الاجتماع الثلاثي الاميركي – الفرنسي – السعودي الذي عقد على هامش قمة العشرين قبل أيام، بجهوده خطوة إلى الأمام، لرؤية ما يمكن فعله من اجل عدم سقوط البلد، والوصول إلى حافة الانهيار، الذي يصبح بمثابة القدر، في وقت دخل الملف الحكومي، بكل تشابكاته وتداعياته في المسار الصعب، وحتى الحاسم، ونظرا لانتهاء اسبوع الفصل بين تكليف طال وانتظار محفوف بالمخاطر، على طول المسار مع قفزة جديدة مخيفة لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، تجاوز الـ18000 ليرة لبنانية لكل دولار، وسط نشاط مخيف لمجموعات الاحتكار، حيث باتت السوق السوداء محك الأسعار والبيع والشراء، وتوافر الاحتياجات الحيوية من ماء ودواء وكهرباء وما يتعلق بها.
وعشية المهمة الدبلوماسية المشتركة الاميركية – الفرنسية، دعت الخارجية الاميركية القادة اللبنانيين لإظهار مرونة لتشكيل حكومة تطبق اصلاحات لإنقاذ الاقتصاد المتدهور.
وكشفت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة انه بعد عودة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بيروت وابلاغ من يعنيهم الامر، اصراره على الاعتذار عن تشكيل الحكومة الجديدة بعد امعان رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي باستمرار تعطيل الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة واخرها مبادرة الرئيس نبيه بري بقبة باط مكشوفة من حزب الله، جرى اكثر من تحرك داخلي وخارجي لتطويق قرار الحريري واعادة تحريك مساعي التشكيل قدما إلى الأمام. واشارت المصادر الى ان تحرك البطريرك الماروني بشارة الراعي وزيارته للرئيس ميشال عون، كانت بهدف استدراك قرار الاعتذار قبل حدوثه، ومحاولة لإعادة احياء جهود التشكيل من جديد.
ومن ناحية ثانية، حظي سفر السفيرتين الاميركية والفرنسية في لبنان إلى المملكة العربية السعودية، باهتمام ومتابعة لافتة لمعرفة الغاية منه، وما اذا كان بهدف وقف قرار الاعتذار والمباشرة بسلسلة تحركات على مستوى عربي ودولي لإعادة تحريك ملف تشكيل الحكومة، ام انه بدافع تقديم مساعدات انسانية للبنان. واشارت المصادر الى ان كل هذه المساعي، ما زالت تدور في حلقة مفرغة. بسبب عدم تجاوب الفريق الرئاسي مع رغبتهم واصرارهم على التشبث بالشروط والمطالب غير الواقعية، ما عطل هذه المحاولات وأبقى ازمة تشكيل الحكومة متواصلة والجهود المبذولة بلا جدوى حتى الساعة.