قالت الصحف: صحف تحكم مسبقا بالفشل.. وأخرى تدعو الى العمل!
الحوارنيوز – خاص
إنقسمت إفتتاحيات الصحف اليوم الى معسكرين: الأول حكم على الحكومة بالفشل ووصفها بحكومة "إدارة الفوضى" كصحيفة "النهار"، فيما تقدم المعسكر المقابل صحيفة "الأخبار" والتي رأت أنها حكومة "الفرصة الأخيرة".
وتحت عنوان:" هل تكون حكومة إدارة الفوضى" كتبت "النهار "تقول:" أخيراً، وفي اليوم الـ97 للانتفاضة الشعبية، ولدت الحكومة. حكومة تقاسمتها الاحزاب. ولم تتسع للانتفاضة او من يمثلها. وجوه جديدة تشكّل بمعظمها واجهة للزعماء السياسيين. البرامج قديمة، والخطط نفسها، ما يعني ان النهج لن يتبدل، خصوصاً ان السياسيين تعاملوا معها بالطريقة المعهودة، ولم يتمكن الرئيس حسان دياب من خرق "الاعراف" الخارجة على القانون. لم يسلمه الرئيسان ميشال عون ونبيه بري ورؤساء الاحزاب الاسماء إلّا قبل اعداد المرسوم، كما كانوا يفعلون على الدوام، ما يعني عدم امكان الاعتراض على اي منها، ضمن المنظومة الميليشيوية التي سيطرت على الحياة السياسية مذ دخلت الميليشيات الدولة واحتلتها بعد اتفاق الطائف. تدخل "حزب الله" بفاعلية ليرسم الاطار العام للحلفاء الذين تعثروا في ما بينهم، واختلفوا على الحصص، وعلى المقاعد والمصالح. تدخل "حزب الله" وضغط على حلفائه، متوعداً بحكومة بمن حضر، فركب الجميع القطار الحكومي الذي وصل الى قصر بعبدا مساء أمس، معلنا ولادة حكومة العهد الثالثة في العاشرة إلا خمس دقائق ليلاً. لكن الحكومة، لا تملك الا الرؤى المتباعدة بين مكوناتها حيال التطورات التي تكاد تسبقها مع شارع مشتعل، وانهيار اقتصادي خانق، وضيق اجتماعي ينذر بانفجار كبير ما لم تسارع الحكومة الى سحب فتيله".
صحيفة "الأخبار" عنونت:" حكومة الفرصة الأخيرة" وكتبت تقول:" شُكّلت الحكومة قبل انتهاء المهلة التي كان قد وضعها رئيسها لنفسه. وعد رئيس الحكومة حسان دياب بأن مرحلة تناتش الحصص قد انتهت وأن كل وزير لن يكون مرتبطاً لا بحزب ولا بقرار سياسي. قال إن الوقت وقت عمل، وهو سيشكل بعد الاجتماع الأول للحكومة، اليوم، لجنة لإعداد البيان الوزاري، وأخرى لبحث الإجراءات المطلوبة للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية. لكن الانتفاضة لم تستمع إلى رسائله "الإيجابية". سريعاً، احتشد الناس أمام مدخل ساحة النجمة، وسريعاً قطع مناصرو المستقبل الطرقات في معظم المناطق، اعتراضاً على المحاصصة التي اختبأت خلف أسماء معظمها مجهول
بعد شهر ويومين على تكليفه تشكيل الحكومة، صدر مرسوم تعيين حسان دياب رئيساً للحكومة، وقبله صدر مرسوم قبول استقالة سعد الحريري. هي حقبة جديدة تُرسم مع خروج الحريري من السلطة، وانضمام شخصية جديدة إلى نادي رؤساء الحكومات، تكاد تقطع مع ما سبقها من تجارب، الأمر الذي حرص دياب على تأكيده مراراً في كلمته، أمس، في سياق إشارته إلى "المرّات الأولى" التي تتحقق مع حكومته. المرسوم الأول الذي يُوقّعه كرئيس للحكومة، كان مرسوم تشكيل الحكومة. وتلك أبصرت النور بعد صراع محتدم بين قوى 8 آذار، أطاح فرصة التأليف أكثر من مرة. لكن بين ضغط الشارع ودفع حزب الله حلفاءه للتوقف عن استنزاف الوقت، تألفت حكومة "الاختصاصيين". ليست حكومة الوزير المناسب في المكان المناسب، كما هي ليست حكومة مستقلين بكل تأكيد. مزيج هجين، نجح المؤلفون في صهره في التشكيلة النهائية، وفق آلية راعت الولاءات والأسماء والحقائب والطوائف والحصص والمناطق.
لكن بالرغم من كل ما يمكن أن توصف الحكومة به وتُذمّ، إن كان من الانتفاضة التي لم تخرج الأسماء وطريقة توزيرهم على قدر التطلعات التي رسمها الناس في الشارع خلال 100 يوم، أو من قوى 14 آذار المتضررين من خروجهم من السلطة، إلا أنها تبقى حكومة الفرصة الأخيرة. الفرصة الأخيرة التي لا تملك لا هي ولا القوى السياسية التي شكّلتها أي فرصة غيرها للإنقاذ وتقديم نموذج في الحكم. صحيح أن أعضاءها عُيّنوا من قبل القوى السياسية، وأن لا خيار أمام الوزراء الجدد سوى العمل بمعزل عن الصراعات السياسية التي عطّلت كل الحكومات السابقة، والتي كانت معظم الأوقات تجري داخل الفريق الواحد.
الأهم أن هذه الحكومة لا يمكن أن تتذرع بالتعطيل كما فعلت حكومة الحريري، فرئيس الحكومة كان له الدور الأساسي في اختيار الغالبية العظمى من أعضائها، بالرغم من مساعي كل الأفرقاء لفرض أسماء عليه. فالكتل الكبرى قدمت له لوائح ليختار بينها. وهو أجرى عشرات المقابلات مع مرشّحين، اختار من بينهم من يستطيع أن يكون جزءاً من "فريق العمل".
هذه الحكومة لا يمكن أن تتذرع بوجود الناس في الشارع وعدم إعطائها فرصة من قبلهم، سواء كان هؤلاء منتفضين في وجه الأداء السياسي العام في البلد أو كانوا من القوى المتضررة، كالقوات، التي بدأت تحشد مناصريها أمس، منذ ما قبل إعلان تأليف الحكومة، من أجل محاولة إسقاطها. كل ما سبق يجدر أن يكون حافزاً للعمل بسرعة. المطلوب إنجازات واقعية تحدث فرقاً وتنقذ البلد، لا الهروب من المسؤولية أو التلهّي بجدول أعمال يستحيل إنجازه، كالانتخابات المبكرة.
بدورها عنونت صحيفة "نداء الوطن":" المجريات الميدانية تؤكد سقوطها في إمتحان الشارع … وعيد دياب على "الخليج" حكومة "حصر الإرث!" وكتبت تقول:" حكومة 8 آذار، حكومة اللون الواحد، حكومة الأكثرية النيابية، حكومة السلطة، حكومة المحاصصة، حكومة جميل السيّد، حكومة جبران باسيل، حكومة "حزب الله"… تعدّدت الأسماء والمسميّات والتشكيلة واحدة، لكن وإذا كانت تلك التوصيفات كلها تصحّ في وصف حكومة حسان دياب، غير أنّ ما شهده مخاض ولادتها العسير بين مكونات الصف الممانع يشي بكونها أقرب ما تكون إلى حكومة "حصر إرث" العهد العوني، بعدما بلغ من العمر عتيّاً وبدأ عده التنازلي، ما فرض على رعاته وحلفائه الخوض باكراً في عملية "جرد تركة" آخر حكومات العهد، مع توقع فرقائها أن تبقى حكومة دياب في سدة المسؤولية حتى شغور موقع الرئاسة الأولى، سواء لأسباب دستورية في حال انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون من دون انتخاب خلف له، كما حصل إبان عهد الرئيس إميل لحود، أو لأسباب طبيعية في ضوء الهواجس التي تتردد في كواليس قوى 8 آذار من انتكاسة صحية مفاجئة، لا قدّر الله للرئيس ميشال عون البالغ من العمر 87 عاماً.
وهنا "بيت القصيد" وراء تناتش الحصص ونهش الحقائب في حكومة دياب، و"القطبة المخفية" في الصراع الضاري الذي دار على حلبة "الثلث المعطل"، ربطاً بكون مجلس الوزراء الوليد ستؤول إليه صلاحيات رئاسة الجمهورية فور وقوع الشغور الرئاسي، الأمر الذي أدى عملياً إلى استنفار أفرقاء "اللون الواحد" في مواجهة بعضهم البعض، لمنع أي منهم من حيازة "الثلث المعطل" في وراثة الصلاحيات الرئاسية أكثر منه ثلثاً معطلاً للمقررات الحكومية. وعلى هذا الأساس، تكوّنت على ضفاف عملية التأليف جبهتان محتدمتان بين "عين التينة" و"ميرنا الشالوحي"، بحيث رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري من دون أي مواربة، بمؤازرة من رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، راية الحؤول دون استئثار رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بـ"حصة الأسد" في حكومة العهد الأخيرة، كي لا يكون ذلك بمثابة إقرار ضمني بأحقيته في أن يكون ولياً للعهد العوني ووريثه الشرعي في مجلس الوزراء إذا ما نال "الثلث (الرئاسي) المعطل".
على كل حال، وبمعزل عن تكوين الحكومة الجديدة بشكلها ومحاصصتها ومكوناتها، يبقى أنّ الثابت الوحيد فيها هو أنها أتت منفصمة عن واقع الشارع المنتفض بعدما عادت لتستنسخ ذهنية المنظومة السلطوية نفسها، من خلال تركيبة وزارية مطعّمة بتلاوين اختصاصية، وهو ما استفزّ اللبنانيين الثائرين ضد السلطة وسرعان ما دفعهم إلى النزول تلقائياً إلى الساحات والطرقات في بيروت ومختلف المناطق للإعراب عن رفض تشكيلة دياب، الذي أطل ليلاً على اللبنانيين رئيساً لمجلس الوزراء من قصر بعبدا بعد توقيع مراسيم تأليف حكومته، مستهلاً خطابه بإسقاطات شعبوية تحاكي متطلبات الشارع ومستغرقاً باستخدام عبارات إنشائية فضفاضة، ليتوارى خلفها ويستخدمها في الالتفاف على حقيقة الطابع التحاصصي الفاقع الذي طغى على تشكيلته.