قالت الصحف: سباق بين السلطة والحراك الشعبي
الحوارنيوز – خاص
يبدو المشهد السياسي الداخلي أشبه بسباق بين السلطة، برأسيها التشريعي والتنفيذي ،وبين الحراك الشعبي بوجه السلطتين معا.
• صحيفة "النهار" عنونت لإفتتاحيتها:" مجلس النواب شرع الحشيشة ورد العفو للدرس … تعقيم الوزراء والنواب وصفر إصابات الكورونا" وكتبت تقول:" مسافات تفصل ما بين اهتمامات الناس، وحسابات اهل السلطة المتناحرين على كل الملفات والامور. وعلى الرغم جدول اعمال وفير المواد، وجهد بذله مجلس النواب لعقد جلسة تشريعية، الا ان اهتمامات اللبنانيين كانت وستبقى في مكان بعيد نسبيا، ولم تنفع حتى اليوم، قراءة الفاتحة التي سجلها الرئيس نبيه بري على محاولات تشريع مالية، في تخفيف نسب القلق لدى المواطنين نظرا الى كثرة القراءات والتحليلات، والمذكرات المالية المتكاثرة في الايام والاسابيع الاخيرة، بشكل لا يدعو الى الاطمئنان، وفي وقت كان النواب يشرعون في جلسة انتقلت من ساحة النجمة الى قصر الاونيسكو لاحترام قواعد التباعد، كانت تحركات شعبية ومسيرات سيارة تجوب المناطق في استعادة لمشاهد من انتفاضة 17 تشرين، منددة بالوضعين الاقتصادي والمالي اللذين بلغا حد الانهيار من جراء السياسات المعتمدة، والتي قامت على نهب املاك الدولة واموالها، والعمل على تحميل المواطنين تبعاتها.
وقد أقرّ مجلس النواب، في اليوم الاول لجلسته الثلاثية الايام، مجموعة من القوانين، ابرزها إقتراح القانون الرامي إلى تنظيم زراعة القنب (الحشيشة) للاستخدام الطبي، الذي اعترض عليه عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسين الحاج حسن مميزا بين القنب والحشيشة، وأضاف "نتكلّم عن قانون ينظّم زراعة القنّب ولكن من دون تقديم دراسة جدوى إقتصادية، ولذلك نعترض".
الى ذلك، أسقط مجلس النواب صفة العجلة عن اقتراح قانون العفو العام واحال الاقتراحات المقدمة بهذا الشأن على اللجان المشتركة واعطائها مهلة 15 يوماً لدراستها.
وأقرّ القانون المتعلق بالإجازة للحكومة إنشاء نفق لطريق بيروت- البقاع على طريقة الــ BOTوالقانون الرامي الى انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كما ورد من اللجان المشتركة.
ومن البنود التي اقرّت ايضاً، رفع الحصانة عن الموظفين مع تعديل بوضع مدة 15 يوماً لإجابة الوزير على الطلب والا تعتبر عدم الاحالة موافقة.
• وتحت عنوان :" مصرف لبنان يسرق الودائع" كتبت "الأخبار":" إذا تجسّد الخبث في مؤسسة ما، فسيكون مصرف لبنان. يعمل بلا محاسبة؛ يخلق كتلاً نقدية تزيد التضخم، ويحرّر سعر صرف الليرة "على ذوقه" ليأكل المزيد من مداخيل الأسر المتوسطة والفقيرة، ثم يمنع عن المودعين دولاراتهم. أحدث فصول هذا المسار، تعميم أصدره أمس الحاكم رياض سلامة، لا يكتفي بتكريس القيود التي تمارسها المصارف استنسابياً على عمليات السحب، بل يوسّعها لإتاحة المجال أمام المصارف لتسديد السحوبات الشهرية بالليرة وبسعر السوق الذي تحدّده بالتعاون مع مصرف لبنان والصرافين. هذا الفعل يترجم كالآتي: مصرف لبنان يشطب خسائره بودائع الناس ويدفّعهم ثمن التضخّم.
ثمة فكرة راسخة عند حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بأن الخسائر المتراكمة في ميزانيته بالعملات الأجنبية، والتي حدّدتها اللجنة الحكومية والمستشار المالي "لازار" بقيمة 42.8 مليار دولار، يمكن ردمها عبر سلسلة تعاميم يجري تطبيقها لسنوات. هذه التعاميم تستهدف جذب الدولارات الآتية من الخارج لتغذية أصول مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وإطفاء الدولارات السابقة المتراكمة كخسائر في التزاماته. لا يهمّ حاكم المصرف رياض سلامة من يدفع الثمن طالما أنه لا يزال خارج المساءلة. ولا يهمه أن التضخّم المقدّر بنحو 27% قد يصبح أكبر بكثير ليأكل مداخيل الأسر ويدفع المزيد منها نحو خطوط الفقر والبطالة والهجرة. ولا يهمه أن يتجاوز سعر صرف الليرة في السوق الفعلية، أي السوق السوداء 3 آلاف ليرة أو 4 آلاف ليرة أو 5 آلاف ليرة أو ربما أكثر… ما يهمه إطفاء الخسائر على حساب الناس.
هذا المسار واضح في التعاميم الأخيرة الصادرة عن الحاكم منفرداً بغياب مجلس مركزي. فالتعميم الأخير يتيح للمصارف إعطاء الزبون خيار سحب دولاراته وفق القيود الاستنسابية وبالليرة اللبنانية حصراً وبسعر السوق المحدّد من المصارف ومصرف لبنان! والتعميم الذي سبقه يمنع المؤسسات المالية غير المصرفية التي تستقبل تحويلات إلكترونية من أن تدفع بالدولار، بل عليها أن تدفع بالليرة، وبسعر السوق نفسه. وقبلها أتيح للمصارف إغلاق الحسابات التي تقل عن 5 ملايين أو 3 آلاف دولار بسعر السوق نفسه. من سمح لهذا "الزبون" الذي أنفق 42.8 مليار دولار من أموال الناس بأن يحدّد معايير سعر السوق، وأن يضرب سلامة النقد خلافاً للمادة 70 من قانون النقد والتسليف من أجل حماية المصارف؟
تكريس القيود وتشديدها
أمس، أصدر حاكم مصرف لبنان تعميماً يحمل الرقم 13221 بعنوان "إجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية". وينصّ التعميم على أنه "في حال طلب أي عميل لا يستفيد من أحكام القرار الأساسي الرقم 13215 تاريخ 3/4/2020 إجراء أي سحوبات أو عمليات صندوق نقداً من الحسابات أو من المستحقات العائدة له بالدولار الأميركي أو بغيرها من العملات الأجنبية، على المصارف العاملة في لبنان، شرط موافقة العميل المعني، أن تقوم بتسديد ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر السوق، وذلك استناداً إلى الإجراءات والحدود المعتمدة لدى المصرف المعني… وعلى المصرف المعني أن يبيع من مصرف لبنان العملات الأجنبية الناتجة عن العمليات المشار إليها". ويضيف: "تبقى سائر العمليات بالدولار الأميركي التي تقوم بها المصارف مع عملائها خاضعة للسعر الذي يحدّده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف".
من يصيب التعميم؟ وما هي أهدافه؟ يصاب بهذا التعميم أصحاب الودائع بالدولار الذين يسحبون دولارات نقدية من كونتوارات المصارف وفق قيود وضوابط غير قانونية وغير شرعية أتاحت للمصارف تحديد حجم السحوبات اليومية والأسبوعية والشهرية للمودعين. لعلّ أغلب المودعين غير مسموح لهم بسحب أكثر من 1000 دولار شهرياً مهما كانت أرصدة حساباتهم. كما لا يمكن أي مودع إجراء أي عملية تحويل إلى الخارج حتى لو كانت مبرّرة. هنا المصرف يستنسب. ورغم الكثير من القرارات القضائية الشجاعة التي فرضت على المصارف وقف هذه القيود، إلا أن عمليات استئناف القرارات تأخذ وقتاً يوحي بأن هناك قضاة متواطئين مع المصارف.
في النتيجة، الذين يسحبون الجزء اليسير من أموالهم بالدولار النقدي، باتت خياراتهم بعد هذا التعميم محدودة: أن يمن عليهم المصرف بإعطائهم بعضاً من دولاراتهم نقداً، أو يبلغهم عدم توافر الدولارات النقدية لكن يمكنهم الاستفادة من هذا التعميم. عملياً، المصارف كلّها، ومع الوقت، ستوقف ضخّ الدولارات النقدية (هناك عدد كبير من المصارف أوقف تسديد الدولارات النقدية أصلاً) ولن تترك الخيار للمودعين سوى سحب ليرات بسعر السوق. من يحدّد سعر السوق؟ إنها المصارف بالتنسيق مع الصرافين ومصرف لبنان!
العصابة تقرر بالغطاء نفسه
إذاً، العصابة نفسها ستأخذ كل القرارات. الغطاء السياسي هو عنصر غير ملحوظ في العصابة. فلن يكون هناك من يحاسب المصارف أو مصرف لبنان. لن يكون هناك من يوقف التنكيل بالمودعين. ولن يكون هناك من يوقف خرق القوانين. فهذا التعميم يعني أن مصرف لبنان يضرب سلامة النقد اللبناني المنصوص عليها في المادة 70 من قانون النقد والتسليف، من أجل فرض خيار سحب الودائع بالليرة وبسعر بخس، بعد التنسيق مع جمعية المصارف. كيف ذلك؟ التعميم يستند إلى المادتين 70 و174 من قانون النقد والتسليف. الأولى تشير إلى أن مهمة مصرف لبنان هي: "المحافظة على سلامة النقد اللبناني، المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي، تطوير السوق النقدية والمالية".
والثانية تنص على أن "للمصرف المركزي، خاصة بعد استطلاع رأي جمعية مصارف لبنان، أن يضع التنظيمات العامة الضرورية لتأمين حسن علاقة المصارف بمودعيها وعملائها. كما أن له أن يحدّد ويعدّل كلما رأى ذلك ضرورياً، قواعد تسيير العمل التي على المصارف ان تتقيد بها حفاظاً على حالة سيولتها وملاءتها".
التعميم يضرب "سلامة النقد اللبناني". هذا يعني أن مصرف لبنان والمصارف اتفقا على ضرب سعر صرف الليرة من أجل تنظيم العلاقة بين المصارف ومودعيها. كيف كانت هذه العلاقة أصلاً في الأشهر الأخيرة؟ كانت علاقة السالب بالمسلوب. فالمصارف حجزت ودائع الناس وضعت، وبشكل استنسابي وعشوائي، قيوداً وضوابط على عمليات السحب والتحويل، قبل أن تسلب اليوم قيمتها الفعلية.
وقف التداول بالدولار
على أي حال، إن أهداف التعميم واضحة، لأنه يأتي بعد سلسلة تعاميم لا يمكن تفسيرها سوى أن مصرف لبنان يتّجه تدريجاً نحو تكريس القيود والضوابط الاستنسابية التي فرضتها المصارف على عمليات السحب والتحويل وصولاً إلى منع التداول بالدولار. هذا الأمر واضح في التعميم 13215 الذي ينص على إغلاق الحسابات التي لا تفوق 5 ملايين ليرة أو 3 آلاف دولار مقابل تسديدها بسعر السوق، أي تحويل الليرات إلى دولارات بسعر مصرف لبنان ثم تحويلها مجدداً إلى ليرات بسعر السوق الذي حدّده مصرف لبنان بالتنسيق مع المصارف والصرافين بقيمة 2600 ليرة للدولار الواحد.
وينسجم هذا الامر مع تعميم يتعلق بمنع المؤسسات المالية غير المصرفية التي تقوم بعمليات تحويل الأموال عبر الوسائل الالكترونية من تسديد قيمة التحويلات الواردة بالعملة الأجنبية، بل عليها أن تدفعها بالليرة اللبنانية بسعر السوق (المحدّد بقيمة 2600 ليرة) وعليها أن تبيع الدولارات لمصرف لبنان. سلامة يسلب دولارات المغتربين أيضاً، أي تلك الدولارات الطازجة التي أتيح للمصارف تسديدها للزبائن نقداً أو تحويلها إلى الخارج مقابل إعفاءات من الاحتياط الالزامي (كما ورد في التعميم الأساسي الرقم 150 الصادر في 9 نيسان 2020). يثير هذا الأمر تساؤلاً واسعاً: فهل إذا كانت الرواتب التي يتقاضاها الأجراء بالدولار بات لزاماً عليهم أن يتقاضوها بالليرة اللبنانية حتى لو كانت عبارة عن تحويلات خارجية طازجة؟ كيف يكون هناك تمييز بين مودع وآخر؟ المودعون الذين صرفت أموالهم وتبخّرت سيعاقبون، فيما المودعون الذين يجلبون أموالاً طازجة سيكونون مميزين؟ على أي أساس وبأي معايير؟
من يدفع ثمن شطب الخسائر؟
أهم ما يكمن في التعميم الأخير والتعاميم السابقة أن مصرف لبنان سيقوم بأمرين:
- في جهة الأصول في ميزانيته، حيث توجد الاحتياطيات بالعملات الأجنبية المتآكلة والتي لم يبق منها سوى 22 مليار دولار، فإن استحواذ مصرف لبنان على دولارات المغتربين سيتيح له تغذية هذه الأصول وزيادتها للتخفيف من حدّة الضغوط التي يتعرض لها بسبب الخسائر المتراكمة البالغة 42.8 مليار دولار.
- في جهة المطلوبات/ الالتزامات، فإن المسألة مبنية على أن ودائع الناس بالدولار هي موظّفة لدى مصرف لبنان وهي تبخّرت. لذا، فإن كل دولار تسدّده المصارف للمودعين بالليرة اللبنانية، يتيح لمصرف لبنان أن يشطب دولاراً من خسائره المتراكمة بالعملات الأجنبية. وفي المقابل، سيدفع مصرف لبنان ثمن هذا الشطب، عبر طبع المزيد من الليرات لإمداد المصارف بسيولة تكفي لتسديد الودائع. المودع، سيدفع الثمن مباشرة عبر "هيركات" مباشر على وديعته يمثّل الفرق بين سعر الصرف السوقي المحدّد من مصرف لبنان بقيمة 2600 ليرة، وسعر الصرف الفعلي في السوق البالغ 3250 ليرة. نسبة الهيركات ستبلغ 20% وربما تزداد مع الوقت، بما أن الليرات المسحوبة من المصارف ستشكّل طلباً إضافياً على الدولار، ما يؤدي إلى ارتفاع إضافي في سعر الصرف.
كذلك سيدفع المستهلك الثمن بشكل غير مباشر بسبب التضخّم الذي سينتج عن الليرات الإضافية التي يطبعها مصرف لبنان ويضخّها في السوق للتداول. أبرز مثال على هذا التضخم، أنه في كانون الثاني 2019 كانت الكتلة النقدية المتداولة بالليرة اللبنانية 5561 مليار ليرة، ثم اتّسعت لتبلغ 15163 مليار ليرة في 15 نيسان 2020. خلال أقلّ من 16 شهراً تضاعفت هذه الكتلة بمقدار 2.7، وازدادت بقيمة 9600 مليار ليرة. في المقابل، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة من 1507.5 ليرات وسطياً لكل دولار إلى 3250 ليرة، أي إن الفجوة بين سعر الصرف المعمول به لدى مصرف لبنان والمصارف، وبين السعر الفعلي في السوق تفوق 115%. هذا الأمر ليس تفصيلاً في بلد تبلغ خسائره 83 مليار دولار ويطالب فيه رئيس جمعية المصارف ببيع أملاك الدولة لتوزيعها على المصارف وكبار المودعين. هذا هو لبّ معركة توزيع الخسائر التي يجري تحميلها لمداخيل الناس وقدراتهم الشرائية. نسبة التضخّم التي تتوقعها وزارة المال ستصل إلى 27% في نهاية 2020. إنه رقم قياسي يعني المزيد من الخسائر التي تتحمّلها الفئات الأضعف في المجتمع.
• صحيفة "نداء الوطن" عنونت:" السلطة تسنّ القوانين والثورة تسنّ أسنانها" وكتبت تحت هذا العنوان:" كل "أدوات التعقيم" لن تقوى على أن تبيد جرثومة الفساد المستشرية في مفاصل السلطة ولا أن تبدّد صبغتها الفاسدة في نظر الناس، وما التحركات الشعبية التي أحاطت بمشهدية الأونيسكو أمس سوى خير دليل على كون محاكاة الدولة لعب أدوار بطولية في استعادة دورة العمل المؤسساتي، لم تعد ذات قيمة ولا وزن بنظر اللبنانيين الثائرين على منظومة حاكمة أوصلتهم والبلد إلى أسفل سافلين على مختلف مستويات معيشتهم المالية والمصرفية والاقتصادية والاجتماعية. باختصار بات لبنان مقسوماً بين صورتين، الأولى تبدو فيها سلطة مكابرة في قراءة المتغيرات ومتكبّرة على أوجاع المواطنين فتحاصر استقلالية القضاء وتحاضر في "سنّ القوانين"، لتمرّر ما تقتضيه مصلحة "لويا جيرغا" الأحزاب والطوائف والكارتلات، بينما الصورة الثانية توثّق معالم ثورة "تسنّ أسنانها" وتشحذ همم شعب مسحوق منهوب يقاتل في سبيل قوت يومه، بعدما قضى أهل الحكم على شتى أنواع طبقاته المتوسطة والمستورة وحتى الميسورة، بعدما أفرغوا الخزائن والجيوب وقطعوا الأرزاق والأعناق تحت مقصلة هدر المال العام ونهب المال الخاص.
بالأمس، التأم شمل المجلس النيابي وحكومة 8 آذار على مسرح قصر الأونيسكو هرباً من محاذير الكورونا، لكنّ أفواج الثورة السيّارة تحدّت هذه المحاذير ونظمت طلعات تحذيرية تؤكد أنّ الحساب آتٍ وكورونا لن يَجُبّ ما كان قبله من انتفاضة شعبية، هزت عروشاً وزلزلت الأرض من تحت الكراسي الرئاسية والسياسية حتى احتمى المتربعون عليها خلف الجدران، وتواروا وراء جحافل أمنية وعسكرية وميليشيوية لتحول بينهم وبين غضب الناس. وهذه الانتفاضة تؤكد كل المعطيات أنها تتحضر لتعود بزخم أكبر من العوز والطفر والبطالة، بعدما انتهك تحالف "السلطة – كورونا" آخر مقدرات معيشة اللبنانيين ولم يعد هناك ما يخسرونه أكثر من الذي خسروه من أموال وأعمال.
وإمعاناً في سياسة إفقار الناس، تواصل الحكومة تخبطها وخطواتها العشوائية من دون أي خطة إنقاذية واضحة المعالم حتى الساعة، سوى أنها منذ أن آثرت سحب مشروع "الكابيتال كونترول" واعتمدت المناورة في قضية "الهيركات"، لجأت إلى "خطة" التلطي خلف "فرمانات" حاكم المصرف المركزي، التي تصدر بين حين وآخر على صورة تعاميم متتالية بغطاء من الرؤساء الثلاثة لتنظيم "هيركات مقنّع" على الودائع، حسبما وصفتها أوساط اقتصادية لـ"نداء الوطن"، موضحةً أنّ هذه التعاميم وإن كانت في ظاهرها توحي باتخاذ قرارات تقضي بتحرير أموال المودعين، فإنها في جوهرها "تسرق" دولاراتهم بالمعنى الحرفي للكلمة، ومن جهة ثانية تقتطع من أرصدتهم جزءاً من جنى عمرهم وهو ما يتمثل بفارق سعر الصرف بين المصارف والصيارفة. وأردفت: "على سبيل المثال فإنّه من أصل كل ألف دولار يريد المودع سحبها من حسابه، سيضطر لدفع "خوة" إلى الدولة تناهز النصف مليون ليرة لبنانية نتيجة التفاوت الحاصل في أسعار صرف الدولار، هذا عدا عن واقع السطو على كل الإيداعات السابقة بالعملة الصعبة وتجييرها إلى البنك المركزي".
وإذ لفتت إلى أنّ الأمر نفسه ينطبق كذلك على مسألة "الاستيلاء" على التحاويل المالية بالعملة الأجنبية من الخارج، أوضحت المصادر أنّ التعميم الأخير الصادر عن حاكم المصرف المركزي بهذا الخصوص وإن كان يقضي بتسليمها للمستفيدين بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف الصيارفة، لكنه في واقع الحال يسطو على دولاراتهم مقابل تدفيعهم فرق سعر السوق لشراء الدولار، الذي كان محوّلاً إليهم في الدرجة الأولى واستولى عليه المصرف المركزي، بحيث سيكون على المستفيد من حوالة نقدية بالدولار أن يدفع فرق سعر الصرف مبيعاً وشراءً كي يستحصل على القيمة نفسها بالعملة الخضراء، وإلا فإنه مجبر على الرضوخ إلى "لبننة" حوالته بقوة "تعاميم" سلطة الأمر الواقع.
وأمام توالي "تعاميم" السطو الممنهج على أموال الناس، لم تستبعد المصادر عينها أن تبلغ وقاحة الطبقة الحاكمة بشقيها السياسي والنقدي درجة الاستيلاء حتى على الـ"Fresh Money" في المراحل اللاحقة، عبر تعاميم جديدة تفرض لبننة الحوالات المصرفية الواردة بالعملة الصعبة من الخارج، وسألت: "أليست الحوالات عبر المؤسسات المالية غير المصرفية تُعتبر "Fresh Money" وتم الاستيلاء عليها؟ إذاً ما الذي يمنعهم من إلحاق الحوالات المصرفية بها؟".