قالت الصحف: حراك للحراك أم للتغيير؟
الحوارنيوز – خاص
ركزت الصحف في افتتاحياتها اليوم على الأجواء "المشتعلة" في الشارع اليوم لمنع إنعقاد جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة البيان الوزاري لحكومة "مواجهة التحديات" والتصويت على الثقة للحكومة.
وانحصرت الإفتتاحيات بالحديث عن الحراك وتعطيل المؤسسات الدستورية دون ملامسة السؤال الطبيعي: ماذا بعد في ظل تشتت وعدم وضوح في البرامج البديلة؟
صحيفة "النهار" عنونت:" اشتعال عشية الثقة و28 يوما للإستحقاق الأول" وكتبت تقول:" مع ان سيناريو "جلسة الثقة" قد لا يختلف كثيراً عن سيناريو جلسة الموازنة التي انعقدت قبل اسبوعين الا بازدياد كثافة اعداد المتظاهرين كما القوى الامنية والعسكرية، فان الانظار ستتركز على وسط بيروت وساحاته ومحيطه اليوم وغدا حيث ستجري وقائع المبارزة الجديدة بين السلطة والانتفاضة على وقع الخطب النيابية التي ستشهدها جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة في اليومين المحددين لها نهاراً ومساء وصولاً الى التصويت على الثقة بالحكومة.
ولم يكن غريباً ان ترتفع بوصلة مقاطعي الجلسة او حاجبي الثقة عن الحكومة وسط مناخات ملتهبة زادت الشكوك في التعهدات التي تضمنها البيان الوزاري وخصوصاً في ملفي معالجة الكارثة المالية – المصرفية والكهرباء، علماً انه يتوقع ان يحظى هذان الملفان بالحيز الاكبر من المواقف والانتقادت والنقاشات التي ستشهدها الجلسة. واذا كان بعض الاوساط النيابية والسياسية يعتقد ان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد يحاول تقليص فترة الجلسة لجعلها تنتهي في يوم واحد، فقد تبين ان لا سبيل الى اختصارها، وان تكن ثمة فرصة لانهائها ظهر غد اذا استجابت الكتل لالتزام تحديد نائبين عن كل منها للكلام.
أما نسبة الثقة المتوقعة للحكومة، فربما كانت مرشحة لان تكون من النسب القياسية في الانخفاض منذ تعاقب الحكومات بعد الطائف. ذلك ان مجمل "البوانتاجات" التي أجريت في الساعات الاخيرة وبعدما حددت الكتل مواقفها نهائياً، باتت متقاربة جداً من حيث استبعاد ان تتخطى الثقة سقف الـ63 أو الـ64 نائباً، بعدما انضم نواب من تحالف قوى 8 آذار مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي الى مقاطعي الجلسة وحاجبي الثقة عن الحكومة.
وليس خافياً ان مناخ الاحتجاجات الشعبية الذي يلعب دوراً مركزياً في تحديد نسبة الحضور النيابي، بالاضافة الى تأثيره على بعض الاتجاهات السياسية، سيكتسب اليوم وغداً أثراً أقوى من مناخات جلسة اقرار الموازنة نظراً الى التداعيات الغاضبة التي تصاعدت بقوة في الايام الاخيرة بسبب الاجراءات الامنية المتشددة والتعقبات القضائية لناشطين في الانتفاضة، كما بسبب اشتداد وطأة التضييق التصاعدي في اجراءات المصارف على معاملات المودعين.
وتحت عنوان " توافق أميركي – سعودي: اتهيار لبنان أفضل" كتبت الأخبار:" القرار الأميركي بترك لبنان ينهار يبدو أنه قيد التنفيذ. السعوديون انضموا إلى الفكرة نفسها. وهم أكثر حماسة من الأميركيين أيضاً. وبينهما تقف فرنسا في وضع صعب. لا هي تريد مواجهة واشنطن والرياض، ولا هي قادرة أصلاً على فرض نفسها كلاعب يمكن للبنان الاتكال عليه. أما بقية أطراف المنطقة، فتبدو في حالة إرباك كبيرة، وسط ارتفاع منسوب التوتر الداخلي، وعجز كبير لدى القوى السياسية عن إنتاج صيغة جديدة لإدارة الأزمات كافة.
جلسة الثقة المقرّرة اليوم لن تحل المشكلة. لا الحراك قادرٌ بوضعيته على قلب النظام أو إطاحة السلطة، ولا القوى البارزة قادرة على تقديم حل يُرضي الناس. والنتيجة أن الانهيار يتواصل ومعه انكسار اجتماعي ونفسي ومعيشي يصيب غالبية الناس، الذين سينتقلون حكماً إلى مرحلة مختلفة من الغضب، وسط غياب المؤشرات على قيام قوى جديدة قادرة فعلياً على وضع برنامج لا يعمل ولا يتقاطع مع حسابات اللاعبين الكبار في لبنان والخارج.
وإذا كانت قوى السلطة قد جعلت من الحديث عن المؤامرة الخارجية نكتة سمجة غير قابلة للتصديق، فإن العاملين في خدمة الخارج من السلطة ومن قوى الحراك، نسجوا أيضاً حكايتهم التي باتت أيضاً غير قابلة للتصديق، وخصوصاً عند كتلة بارزة من الكوادر الذين يبدو أنهم "امتهنوا" صفة الثوار، فصارت وظيفتهم ومنها يعتاشون.
في الخارج، سافر موفدون تنفيذيون من جديد، وخصوصاً إلى الولايات المتحدة. سيمضي أسبوعان على الأقل، قبل أن يضجّ لبنان بالأخبار عن الخطط الأميركية التنفيذية المتصلة بالوضعين المالي والاقتصادي. لكن قبل وصول رُسل الشؤم، فإن وقائع كثيرة يمكن رصدها في محاولة فهم صورة الأسابيع المقبلة:
- فجأة تقرر تأجيل أو إلغاء زيارة كانت قيد التحضير لمسؤول أميركي كبير إلى بيروت (تردد أنه مستشار الرئيس جاريد كوشنير) والسبب ليس في عدم وجود ما يقوله، بل بناءً على نصائح – بعضها لبناني – بأن ينتظر تطورات كثيرة في لبنان، أساسها استعادة زخم الحراك الشعبي، وانطلاق حملات متتالية تحت عنوان إسقاط الحكومة الجديدة، ورفع مستوى المطالبة بسقوط رئيس الجمهورية ومجلس النواب معاً.
- جدول أعمال المسؤول الأميركي كان حافلاً بما يتصل بما تفترضه الولايات المتحدة حصة لبنان من "صفقة القرن"، وفيه استفاقة أميركية على حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والضغط على الحكومة اللبنانية للشروع في خطوات رسمية تهدف إلى تعديل الوضع المعيشي والسكني للاجئين الفلسطينيين، وإلغاء القوانين التي تمنع عليهم الحقوق المدنية العادية. وتستهدف هذه الاستفاقة إلغاء المخيمات ومنع أي وضع أمني أو عسكري خاص لهؤلاء.
- كذلك يريد الأميركيون إيصال رسالة واضحة بأن المشكلة مع سوريا متواصلة؛ وأنه لا يمكن للبنان السير في أي خطوات تطبيعية مع الحكومة السورية؛ والتركيز على ملف النازحين السوريين من باب أن لبنان سيكون مسؤولاً عن أي كارثة تصيب من يعود منهم إلى سوريا الآن. وبالتالي، دعوة لبنان إلى وقف عمليات إرسالهم إلى سوريا وتعزيز واقع إقامتهم في لبنان وتشريع فرص العمل والعلم لهم.
- يؤكد الأميركيون بأن مشكلة لبنان الرئيسية تتصل بوجود المقاومة وسلاحها. وأن الغرب سيكون إلى جانب إسرائيل في أي عمل يهدف إلى ضرب البنية الصاروخية للمقاومة في لبنان إن لم يبادر الجيش اللبناني إلى وضع اليد عليها، والتشديد على أن الحكومة اللبنانية معنية بكبح جماح نشاط حزب الله خارج لبنان بكل الطرق.
- تشدد واشنطن على أن الوضع المالي للبنان لن يكون قابلاً للعلاج إلا بمقدار التزام لبنان بالشروط الواضحة للدول المانحة ولتوصيات المؤسسات المالية والنقدية الدولية، وأن ذلك يكون من خلال قبول الوصاية الدولية على إدارة الدولة اللبنانية، والإشراف الضمني على الأصول بما فيها ملف النفط والغاز.
عقوبات باسم الفساد
على أن الخطوات الأميركية لن تكون مقتصرة على رسائل التحذير فقط. بل يبدو أن فريقاً غير ضعيف في واشنطن يميل إلى خيار زيادة مستوى الضغوط على لبنان. واذا كان وكيل وزير الخارجية ديفيد هيل يمثل التيار الذي يحذر من خطوات تجعل لبنان كله في قبصة حزب الله، فإن مساعد الوزير، ديفيد شينكر، يهتم حصراً بكيفية منع أحد من القيام بخطوة من شأنها جعل لبنان يرتاح سياسياً أو اقتصادياً أو مالياً. وقد يكون مناسباً عرض بعض الوقائع حيال هذا الأمر.
صحيفة "الجمهورية" عنونت:" التياران متوتران .. الحراك "على الطرقات" والحكومة إلى "الجلد" وكتبت:" بصرف النظر عن الإلزام الدستوري بعقد جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة والتصويت على الثقة بها، ومهما كان حجم الصخب الذي سيرافقها إن من داخلها عبر مداخلات النواب وما تتضمنه من جَلد للجسم الحكومي الجديد، او من بعض مكوّنات الحراك، التي قرّرت ان تُزامِن الجلسة بخطوات تصعيدية متتالية تبقي الحكومة في حال عدم استقرار وتمنع عليها النوم على حرير تأليفها بالطريقة التي حصلت فيها – وقد بدأتها بالأمس عبر بعض المسيرات الراجلة والسيّارة في بيروت وبعض المناطق، بالتزامن مع استقدام باصات من المحتجّين من الشمال تحديداً، تمهيداً لقطع الطرقات وإغلاق مداخل مجلس النواب اليوم – فإنّ هذه الجلسة هي جلسة تحصيل حاصل، وفي أحسن الاحوال لزوم ما لا يلزم، ونتيجتها محسومة سلفاً، والثقة التي ستنالها بات متّفقاً عليها بأنها هزيلة بامتياز.
هذه المحطة الإلزامية للحكومة، التي توجِب عليها الاستحصال من مجلس النواب على سِمة الدخول الى ميدان العمل التنفيذي، تبدو وقائعها وما يحيط بها جليّتان قبل انعقاد الجلسة، من حيث الاجراءات الامنية الاستثنائية التي ستتخذ في محيط المجلس تمكيناً لوصول النواب الى ساحة النجمة، وقد أعلنت قيادة الجيش عن اتخاذ وحداته إجراءات أمنية استثنائية في محيط المجلس والطرقات الرئيسية والفرعية المؤدّية إليه، ودعت المواطنين إلى التجاوب مع التدابير المتخذة وعدم الإقدام على قطع الطرقات إنفاذاً للقانون والنظام العام، وحفاظاً على الأمن والاستقرار، مؤكّدة على دورها في حماية مؤسسات الدولة والاستحقاقات الدستورية، كما على أحقّية التظاهر والتجمّع السلمي في الساحات العامة".
أربعون حتى الآن
وتبدو وقائع الجلسة جلية أيضاً من حيث المداخلات النيابية، التي قارب عدد طالبي الكلام في الجلسة الـ40 نائباً، وهو عدد قابل للارتفاع، كما للانخفاض ايضاً. ومعظم هذه المداخلات انهمك أصحابها عشيّة انعقاد الجلسة في تضمينها أنياباً للنَهش في جسم الحكومة انطلاقاً من بيانها البيان الوزاري وما يعتريه من ثغرات مَشكو منها بوصفها مُسبباً، وعاملاً مُفاقماً للازمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها، والتي قدّمت من خلالها اشارة شديدة السلبية لبعض فريق اللون الواحد الذي ألّف الحكومة، قبل معارضيها، وأحاط بالتشكيك الاسم الذي أطلقته على نفسها: حكومة مواجهة التحديات!
"لسعٌ" كهربائي
واذا كان الشق الاقتصادي والمالي سيشكل نقطة مركزية تلتقي عندها المداخلات النيابية الموالية والمعارضة، لناحية تشخيص الازمة ومخاطرها والمستوى الانحداري الذي بلغته، مع إلقاء كرة المسؤولية على الحكومة لابتداع الحلول التي تضع البلد على سكة الانفراج، الّا انّ الشق الكهربائي كما هو وارد في البيان الوزاري، هو أشبَه بـ"سلك مُزلّط"، سيلسَع الحكومة من الجانبين الموالي والمعارض لها. امّا سبب "اللسع"، فلأنّ الحكومة سقطت في أول اختبار، حينما حادت سريعاً عن الخط الاصلاحي التي قالت انها ستسلكه بأداء جديد جدي ونوعي، وخضعت راضية او بالإكراه وتحت الضغط لمشيئة مستويات رفيعة في الدولة وأحزاب محسوبة عليها، وتبنّت خطة الكهرباء بكلّ علّاتها، كما أقرّت في عهد الحكومة السابقة، لتستفزّ بذلك، ليس المعارضة فقط، بل بعض أهل الحكومة، وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي صَرّح علناً برفضه هذه الخطة لأنها محمّلة على ظهر "بواخر الكهرباء"، و"إن ارادوا السير بها، فمن الآن نقول انّ هذه البواخر لن تصل الى الجنوب حتى لو سَهر الجنوبيون لياليهم على القناديل".