حرب غزةسياسة

التعيينات في قيادة الجيش الإسرائيلي تسعّر الصراع بين أطرف المستوى السياسي(حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى من غزة:

تتزايد التقارير عن خلافات تحتدم في الحلبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في ظل الحرب على غزة. ويعود جزء من هذه الخلافات إلى اختلاف الرؤية بشأن المستقبل، وبعضها إلى تباين تقديرات الواقع وأفق المستقبل، وبعضها إلى اختلاف التكتيكات في سبيل تحقيق الأهداف. وبصرف النظر عن ذلك فأن أبرز الخلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم وبينه وبين المؤسسة العسكرية،هي حول التعيينات القيادية الأخيرة والموقف من اجتياح رفح مع ما يعني كل منهما للمستقبل.

ولا بد أولا من ملاحظة أن العلاقة بين المؤسستين السياسية والعسكرية بنيت تاريخيا على أساس تقاسم وظيفي يكمل أحدهما الآخر، ويحفظ دوره وعلى أرضية استقلالية المؤسسة العسكرية بوصفها حامي الكيان بكل مكوناته. وقد مُنحت المؤسسة العسكرية دورا مركزيا في تحديد سياسات الدولة مستقبلا من خلال تفويض شعبة الاستخبارات العسكرية بمسؤولية توفير التقدير الاستراتيجي السنوي للكيان. ويمكن القول إن التاريخ شهد بعض الخلافات بين المؤسستين، ولكن ليس بالشكل القائم الآن، والذي بدا فيه ضعف المكون العسكري نتيجة إخفاقه في 7 أكتوبر.

وإلى جانب ذلك فإن إسرائيل تأسست على يد ما كان يُعرف باليسار، وهي الآن في قبضة اليمين الذي يحاول إعادة تشكيل أجهزة القضاء والإعلام والجيش فيها. وليس صدفة أن بنية الجيش القيادية صارت وبشكل تدريجي تشهد توسع من يعرفون بأبناء الصهيونية الدينية فيها، بعد أن كانوا تقريبا بعيدين عن هذه البنية. وهذا ما يفسر الصراع الذي نشب بشأن التعيينات القيادية والذي كان عنوانه سموتريتش وبن جفير ضد غالانت ورئيس الأركان. ويمكن القول إن هذا الصراع بدأ أصلا بإصرار سموتريتش على أن يكون وزيرا ثانيا في وزارة الدفاع، وأن يكون صاحب قول فصل في كل ما يتعلق بالضفة الغربية والاستيطان فيها وايضا بالتعيينات القيادية.

في كل حال، وكما سلف، كثرت الأنباء عن تزايد الخلافات مؤخرا وخصوصا بين المؤسسة العسكرية ورئيس الحكومة، وهذا ما أدخل الأمر في مستوى آخر لم يكن ظاهرا من قبل. ولعبت رفح دورا بارزا في هذا الخلاف جراء إعلانات نتنياهو المتكررة بأن اجتياح رفح هو ما سيحقق “النصر المطلق”، وأن من يمنع دخول رفح يمنع الجيش الإسرائيلي من تحقيق هذا النصر. وسبق لنتنياهز أن أعلن أن موعد العملية في رفح قد تحدد، بل أن ربط ذلك بصفقة التبادل كان مؤقتا وضمن وقت قصير “لا يسمح لحماس بالمماطلة”. وظهر لوقت ما نوع من التناقض بين ما يقوله نتنياهو وما يقوله غالانت وقادة الجيش بشأن رفح. وبين هذا وذاك كان مقربون من نتنياهو يتهمون الجيش ووزارة الدفاع بإفشال قرارات نتنياهو.

وحسب المراسل العسكري ل”يديعوت” يؤآف زيتون فإن الصدع بين الطرفين تزايد مؤخرا حيث “يطالب كبار المسؤولين الأمنيين نتنياهو باتخاذ قرار بشأن خمس قضايا استراتيجية ضرورية لإنهاء الحرب، لكنه بحسبهم غير قادر على اتخاذ القرار. وأوضحت مصادر رفيعة المستوى في جهاز الأمن أن كل هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض، وزعمت أن نتنياهو امتنع عن اتخاذ قرار، وبالتالي منع الجيش الإسرائيلي من التصرف بطريقة من شأنها دفع تحقيق أهداف الحرب.”

ويشير زيتون إلى أنه “في ما يتعلق بصفقة التبادل والدخول إلى رفح، تطالب المؤسسة الأمنية الحكومة بأن تقرر ما إذا كانت ستوقف الحرب لفترة زمنية غير معروفة من أجل السماح بصفقة شاملة. الجيش الإسرائيلي، ربما بدعم من الشاباك، يقول لنتنياهو إنه سيكون قادرا على هزيمة حماس، سواء استمرت الحرب وكان هناك دخول إلى رفح، أو تم تأجيله إلى تاريخ ما. ويدّعي الجيش منذ أشهر أن هناك خطة لإخلاء النازحين من رفح، ومناورة بها على مراحل لتفكيك كتائب حماس والجهاد الإسلامي. وقد وافق رئيس الأركان هاليفي بالفعل على الخطط عدة مرات – سواء في ما يتعلق بإجلاء النازحين أو بالعملية العسكرية – لكن نتنياهو، تحت ضغط من إدارة بايدن، لم يُصدر الأمر بعد.”

 

وبحسب “يديعوت” يعترف الجيش بأن هذا ليس قرارا سهلا، سواء بسبب الخوف على مصير الأسرى، الذين من المحتمل أن يكون قسم كبير منهم في رفح، أو لأنهم يدركون أهمية الضغط الدولي. غالانت ورؤساء الأركان المشتركة مقتنعون بضرورة دخول رفح لمنع حماس من استعادة قوتها في نهاية الحرب، والسيطرة مرة أخرى على المعابر المؤدية إلى سيناء التي تستطيع من خلالها العودة للتسلح، لكن الجيش الإسرائيلي يعتقد أن المناورة في رفح يمكن تأجيلها بشرط اتخاذ قرار استراتيجي بشأن تحرير المختطفين.

 

كما انتقد الجيش الإسرائيلي بشدة نتنياهو الذي لم يأمر بعد بإجلاء النازحين من رفح نحو الملاجئ التي أقاموها. ولاحظ الجيش والشاباك أن حماس تتعرض لضغوط من التحرك المحتمل، وادعوا ذلك وكان ينبغي زيادة الضغط من خلال البدء في إجلاء النازحين، وهي خطوة من المفترض أن تستمر عدة أسابيع.

         وكتب المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل “: يبدو أن التنبؤات المتفائلة مرة اخرى كانت سابقة لأوانها. ايضا الجولة الحالية من المفاوضات حول صفقة المخطوفين ربما تنتهي بالفشل. الوسطاء الامريكيون يلقون التهمة بالاساس على حماس، التي رئيسها في قطاع غزة يحيى السنوار، ويمكن أن يرد سلبا على العرض المصري الجديد. ولكن الخلاف الشديد داخل الحكومة الاسرائيلية يظهر ايضا الانتقاد الداخلي لاعتبارات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ويمكن أن يسرّع تفكك الائتلاف، على الاقل بالصيغة الحالية.

         رد السنوار يتباطأ في هذه الاثناء. ولكن حسب معظم التقديرات هو سيكون سلبيا أو سيشمل ما فيه الكفاية من التحفظات كي يعتبر هكذا. الولايات المتحدة تؤكد على أن العرض الذي تم تقديمه لحماس سخي جدا، كما يبدو من خلال نية الضغط على السنوار كي يتنازل. مشكوك فيه أن ينجح ذلك، وبصورة غير مباشرة ، الادارة الامريكية تقدم لنتنياهو ادعاء دفاع مثاليا امام الانتقاد الداخلي.

         ايضا في هذه الحالة الاشارات التي تأتي من اسرائيل غير مشجعة. كان يمكن الفهم الى أين تهب الرياح منذ بداية الاسبوع عندما ردت ابواق نتنياهو في وسائل الاعلام رسائل تدين الصفقة الخطيرة. رئيس الحكومة نفسه التقى يوم الثلاثاء اعضاء من منتديين حريديين ووطنيين لابناء عائلات مخطوفين وثكالى. في نهاية اللقاء اصدر نتنياهو، الذي لا يلتقي الآن مع عائلات المخطوفين الذين ليسوا من المصوتين لليمين، ، بيانا حازما حول نيته احتلال رفح.

 ومضى هارئيل إلى أن “سمفونية التقييد تستمر. بعد تصريحات حازمة للوزيرين سموتريتش وبن غفير، التي سمعت في جزء منها كتهديد مبطن لنتنياهو، انضمت صباح يوم الاربعاء الى هذه الضجة ايضا اوريت ستروك، وزيرة الاستيطان والمهمات الوطنية، وهي الشخصية المثالية للتضامن اليهودي والانساني، واعلنت في مقابلة مع “صوت الجيش” بأنه “لا يوجد لحكومة تلقي في سلة القمامة كل شيء من اجل اعادة 22 أو 33 مخطوفا أي حق في الوجود”. 22، 33، ماذا يهم؟ (ستروك قالت دفاعا عن نفسها بأنها تهتم بحياة المخطوفين الآخرين الذين سيتم تركهم وهم ينتظرون النبضة القادمة). على أي حال، يبدو أن نتنياهو يستمع للاقوال وهو مستعد لتقييد نفسه مرتين: رفض الصفقة (التي يبدو في الاصل أن حماس ترفضها) وعرض احتلال رفح كحل لكل مشكلاته.

 

         هذه هي المرة الاولى التي يتصرف فيها نتنياهو وشركاؤه بهذا الشكل. نفس الصفقة بصيغ مختلفة، ولكن بدون أي تغيير بارز، موضوعة على الطاولة منذ ثلاثة اشهر على الاقل. العائق الرئيسي بقي على حاله. حماس تبحث عن طريق آمنة لوقف اطلاق نار كامل وطويل يضمن بقاء حكمها. الحكومة الاسرائيلية ترفض لأنه بذلك ستنتهي الحرب دون أن تحقق اهدافها المعلنة. مجال المرونة، اذا كان موجودا، يتعلق بصيغة يتم فيها ترتيب الانتقال من وقف نار مؤقت في النبضة الاولى لاطلاق سراح المخطوفين، الى اتفاق طويل الأمد في النبضة القادمة. ولكن مرة تلو اخرى رئيس الحكومة يصدر تصريحات عنيفة ويقيد نشاطات طواقم المفاوضات بشكل يقلص اصلا مسبقا احتمالات النجاح. ايضا السنوار، لاعتباراته، يضع العقبات من الجانب الآخر.

 

         حول احتلال رفح، يكررون في اليمين الشعار القديم، وكأن  الضغط العسكري فقط هو الذي سيحقق اهداف الحرب – التفكيك المطلق لحكم حماس وقدراتها العسكرية واعادة المخطوفين. ولكن حتى الآن لم يتم اثبات هذا الادعاء. ايضا النجاح المؤثر للجيش الاسرائيلي في هزيمة كتائب حماس في شمال ووسط القطاع يفقد بالتدريج التأثير لأن حكومة نتنياهو – سموتريتش رفضت مناقشة أي عمل سياسي يستكمل الانجاز العسكري، ولم تسمح حتى بمحاولة ظهور أي بديل سلطوي في هذه المناطق. في حين أن السبب الرئيسي في موافقة حماس على صفقة المخطوفين الاولى في تشرين الثاني الماضي، كان كما يبدو بسبب الحرج الدولي الذي وجدت فيه نفسها عندما قام رجالها بتوثيق انفسهم وهم يذبحون وينكلون بالمدنيين الابرياء في مذبحة 7 اكتوبر. الضغط العسكري بالتأكيد كان له دور، ولكن يبدو أن السنوار قرر التنازل بعد ذلك عما اعتبر عبئا، وهو اكثر من 100 مخطوف معظمهم من النساء والاطفال، لأنه بقي لديه ما يكفي من المخطوفين الآخرين كورقة مساومة.

         وخلص هارئيل إلى أنه “في رفح بقيت اربع كتائب لحماس، التي يبدو أنها ما زالت تعمل بشكل معقول. ومن اجل تفكيكها فان الامر سيستغرق اشهرا، لأن الجيش الاسرائيلي سيحتاج الى العمل من اجل تدمير شبكة الأنفاق والحصون تحت الارض لحماس في المدينة. وبدون الاضرار بها بشكل كبير فإنه لا يوجد أي تحييد حقيقي لسلسلة القيادة والسيطرة التي تشغلها حماس. في مدينة غزة، رغم المناورة البرية الواسعة والعنيفة للجيش الاسرائيلي، منظومة القيادة والسيطرة لحماس بدأت في النهوض في اعقاب انسحاب القوات. هذه جهود يجب ادارتها وصيانتها لسنوات كي تصل الى نتائج حاسمة ولفترة طويلة. لذلك فان احتلال رفح لن يؤدي الى هزيمة حماس، رغم أنه للوهلة الاولى اسرائيل ستستكمل بذلك احتلال كل القطاع لسبب بسيط، وهو أنه طوال الحرب لم يسيطر الجيش الاسرائيلي في نفس الوقت على كل المناطق في القطاع (حتى في المناطق التي تم احتلالها حيث العدو يمكنه مواصلة حرب العصابات).

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى