قالت الصحف: القرار القضائي بمنع السفيرة الأميركية من تحريض اللبنانيين على بعضهم يلقى تشجيع بعض الصحافة اللبنانية؟
الحوارنيوز – خاص
انقسمت افتتاحيات صحف اليوم بين رافض لقرار القاضي محمد مازح الذي منع الإعلام اللبناني من استضافة السفيرة دوروثي شيا لتحريضها على الفتنة المذهبية والطائفية في لبنان وتدخلها بالشؤون الداخلية تحت حجة الدفاع عن حرية التعبير، وبين مؤيد للقرار نظرا لما يتسببه من تهديد للسلم الأهلي.
كيف عكست افتتاحيات صحف اليوم آخر المستجدات المحلية؟
– صحيفة "النهار" عنونت:" القرار الوقح ضد حرية الاعلام" وكتبت تقول:" ليس الاعتراض على منع السفيرة الاميركية في لبنان دوروتي شيا من الكلام، اذ ان الموضوع يخرج عن اختصاص قاضي امور العجلة في صور أو أي قاض آخر، لان التعامل مع الديبلوماسيين من اختصاص وزارة الخارجية، الا لمن يقرأ القوانين ويحفظها ويعمل بها ويحكم من خلالها. وليس دفاعا عن حقها في التعبير اذ تمثل الدولة الاقوى في العالم، ولا تحتاج الى دفاع محلي. انما الاعتراض على القرار الوقح في حق المؤسسات الاعلامية، والاستقواء عليها، ومحاولة ترويضها، لاستكمال تغيير وجه لبنان بعدما أمعن "حزب الله" وكل المحور الذي ينتمي اليه مع حلفائه، في ضرب كل المقومات الحقيقية لبلد يتمتع بالحرية والتعددية والانفتاح على الغرب، ليدفع به شرقا الى الفقر والاستبداد وقمع الحريات.
ليس صحيحاً ان القاضي محمد مازح سيستقيل، وان كان لوح بذلك، لان الفريق الحاضن له لن يقبل الامر، وسيدعم موقفه الذي صدر على وقع مواقف لنواب في "حزب الله" تؤكد ضرورة اتخاذ مواقف من كلام السفيرة الاميركية، وفي ضوء تحركات في الشارع، وخصوصاً في الضاحية أمس، قد تجعل القاضي الذي تجاوز حدوده، بطلاً كما كثيرين تجاوزوا حدودهم واقترفوا افعالا تخرج على القانون، فاذا بقوى الامر الواقع تمنع عنهم المحاكمة، وتتجند وسائل اعلام الممانعة لتحويلهم رموزاً.
قرار قاضي أمور العجلة في صور، والذي صدر في يوم عطلة، بعدما تأذت مشاعر احداهن، لا يدخل في باب العجلة، لان معظم اللبنانيين يشعرون بالأسى والاسف لكثير من الاقوال والارتكابات، ولم يتحرك القاضي لمعالجتهم، مع ان حالاتهم صارت مزمنة.
وقضى القرار بـ"منع أي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية، سواء كانت مرئية أم مسموعة أم مكتوبة أم الكترونية، من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية (دوروثي شيا) أو إجراء أي حديث معها لمدة سنة، تحت طائلة وقف الوسيلة الإعلامية المعنية، عن العمل لمدة مماثلة، في حال عدم التقيد بهذا الأمر، وتحت طائلة إلزام الوسيلة الإعلامية المعنية دفع مبلغ مئتي ألف دولار أميركي كغرامة إكراهية في حال عدم الالتزام بمندرجات هذا الأمر".
– صحيفة "الأخبار" في المقابل عنونت:" أميركا تهدد السلم الأهلي" وكتبت تقول: السفيرة الأميركية تعرّض السلم الأهلي للخطر. ذلك أمر يتخطّى قرار القاضي محمد مازح، ليتحول إلى حقيقة. أزلام السفارة انتفضوا دفاعاً عن "حق" السفيرة في تحريض اللبنانيين بعضهم على بعض أكثر من انتفاضهم على الجوع الذي يقترب من كل بيت بقرار أميركي
صار الانقسام السياسي أوضح. وصارت قيادة هذا الانقسام تعبّر عن نفسها أكثر. الولايات المتحدة لم تعد توارب في تدخّلها في لبنان. سفيرتها تصول وتجول بين السياسيين ووسائل الإعلام، محرّضة اللبنانيين بعضهم على بعض، من دون أن يقاطعها أحد. حتى الإعلاميون تخلّوا عن الحد الأدنى من واجبهم المهني المتمثل في مناقشة الضيف. تقول السفيرة الأميركية دوروثي شيا إن "حزب الله يُهدد استقرار لبنان ويمنع الحل الاقتصادي"، من دون مقاطعة. لم تسمع شيا يوماً أحداً يقول لها إن حزب الله هو حزب لبناني والممثل الاول للبنانيين، بأرقام صناديق الاقتراع. وحتى لو كانت دولتها تعتبره إرهابياً، فذلك لا يعني تحريرها من موجبات اتفاقية فيينا، التي تفرض على أعضاء البعثات الدبلوماسية "احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة". أما حصانتهم، فتلك مرتبطة بأداء عملهم، وليس بـ"تهديد السلم الأهلي"، وهو الاتهام الذي وجهه القاضي محمد مازح للسفيرة الأميركية.
انقلبت الدنيا رأساً على عقب مع صدور القرار. حوّلت جماعة أميركا الأمر إلى معركة حريات، وقررت السفيرة تحدّي القضاء، كما لو أنها واحدة من الذين يتعرّضون لقمع السلطات. هي السفيرة نفسها التي تُصدر الاوامر للسلطة وللمعارضة، وتتطفل على "المنتفضين" فتحذّرهم من التعرض لعصابة المصارف. بعد القرار عادت دوروثي إلى أحضان "أم تي في" كما "الحدث"، لتعلّق على القرار. وسرعان ما أكدت أن الحكومة اللبنانية اعتذرت منها. تلك عبارة شغلت الرأي العام، إذ لم يصدر من الحكومة أي موقف في هذا الصدد، بل اقتصر الأمر على تغريدة من وزيرة الاعلام أشارت فيها إلى أنها "تتفهّم غيرة القضاء على أمن الوطن من تدخل بعض الدبلوماسيين في شؤونه الداخلية، لكن لا يحق لأحد منع الاعلام من نقل الخبر والحد من الحرية الاعلامية". عبد الصمد نفسها عادت وأعلنت أنها تواصلت مع رئيس الحكومة والوزراء، وتبيّن أن أحداً من الحكومة اللبنانية لم يعتذر من السفيرة الأميركية.
ما الذي حصل إذا؟ السفيرة التي تلبننت، بسلوكها السياسي وفظاظتها وتخطّيها كل الأعراف الديبلوماسية، قالت إن "وزيرة الإعلام لا تعلم"، مشيرة إلى أن مسؤولاً لبنانياً رفيع المستوى اتصل بها وقدّم اعتذاراً بسبب صدور القرار. هنا توضّحت الصورة أكثر. ليس المسؤول الكبير سوى الوزير سليم جريصاتي صاحب الأدوار الإشكالية والمثيرة للقلق.
كل ذلك لم يعد يهم. المرحلة المقبلة ستكون أكثر خطورة. السفارة الأميركية لم تعد تتورع عن أي خطوة في سبيل تنفيذ سياسات بلادها في لبنان. وهي بذلك تؤكد أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها الشعب اللبناني، كما هي ناتجة عن ظروف موضوعية تتعلق ببنية النظام وبسوء إدارة الدولة والقطاع المصرفي، إلا أنها أيضاً أزمة ناتجة عن حصار أميركي للشعب اللبناني، انطلاقاً من فرضية أن هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى الانفكاك عن حزب الله.
المسألة لم تنته بعد. قرار القاضي محمد مازح، بصرف النظر عن مضمونه وحيثياته، إنما جاء ليعرّي كل مدعّي الحرص على السيادة والاستقلال، وهم في الواقع حريصون على تثبيت مصالحهم في وجه خصومهم. وهؤلاء رجال دين واقتصاد وسياسة كلهم وقفوا بالصف لتقديم فروض الطاعة إلى السفيرة الأميركية. حتى استدعاء وزير الخارجية لها اليوم عند الثالثة من بعد الظهر، على خلفية تصريحاتها الأخيرة، وجد من يجد خلفه حزب الله. جوقة 14 آذار جمّعت نفسها وخرجت بمواقف متفرقة تتباكى على اتفاقية فيينا التي دنّسها القرار القضائي، برفضه مساهمة الدبلوماسية الأميركية في تهديد السلم الأهلي.
البطريرك الماروني بشارة الراعي استدعى ملكوت الحرية والسلام ليبدي أسفه على صدور "حكم قضائي مستغرب يمنع شخصية دبلوماسية تمثّل دولة عظمى من حق التعبير عن الرأي، ويمنع جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية من إجراء أي مقابلة معها أو أي حديث لمدة سنة". كذلك هال الراعي أن يصدر القرار في يوم عطلة، مفترضاً أنه يخالف الدستور ويناقض المعاهدات الدولية والاتفاقيات الدبلوماسية.
في المقابل، ردّ حزب الله، عبر النائب حسن فضل الله، على الهجمة التي طالته في معرض الدفاع عن السفيرة الأميركية. وقال إنه "أمام هذه الهجمة الأميركية على لبنان، تبرّع بعض الأصوات اللبنانية بالوقوف على خاطر هذه السفيرة ضد قرار قاض حر انتفض لكرامة بلده، من دون أن يرف لأصحابها جفن وطني لانتهاك سيادة بلدها والمس بمشاعر غالبية اللبنانيين، وهي أصوات تسهم في جعل هذه السفيرة تستبيح البلد وقوانينه أكثر فأكثر. أضاف: إن البعض في لبنان لم يتعلّم من تجاربه الفاشلة ورهاناته الخاسرة على الإدارة الأميركية، ولم ينس خيبته مع جيفري فيلتمان الذي تتقمص السفيرة الحالية شخصيته، لذلك سيقع مرة أخرى في شر رهاناته.
– صحيفة "الجمهورية " وتحت عنوان :" ملامح أزمة دبلوماسية بين السلطة وأميركا" كتبت تقول:" شهدت عطلة نهاية الاسبوع بلبلة على اثر قرار اصدره قاضي الامور المستعجلة في صور محمد مازح، بمنع وسائل الإعلام من نشر تصريحات للسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا وإجراء أي مقابلة معها لمدة سنة.
ويُنتظر ان تتبلور طبيعة ما سيكون عليه الامر بعد اللقاء الذي سيُعقد عند الثالثة بعد ظهر اليوم بين وزير الخارجية ناصيف حتي والسفيرة الاميركية التي استدعاها امس، وتردّد أنّه سيبلغها خلال هذا اللقاء وفق اتفاق فيينا، "لا يجوز لسفير ان يتدخّل في الشؤون الداخلية لبلد آخر، ولا يجوز ان يتضمن كلامها تحريضاً للبنانيين على جزء آخر من اللبنانيين مشارك في السلطة". ولكن حتي نفى ان يكون ادلى بتصريح يوضح فيه ما سيبلغه الى دوروثي.
وعلّقت وزارة الخارجية الأميركية على قرار منع وسائل الإعلام من نشر تصريحات للسفيرة الأميركية وإجراء أي مقابلة معها، متهمة "حزب الله" بـ"بمحاولة إسكات الإعلام اللبناني"، ومعتبرة أنّه "أمر مثير للشفقة". ورأت أنّه "حتى التفكير في استخدام القضاء لإسكات حرّية التعبير وحرية الصحافة أمر سخيف"، مشدّدة على "أننا نقف مع الشعب اللبناني وضد رقابة حزب الله".
وقالت السفيرة شيا في تصريحات متلاحقة لها خلال اليومين الماضيين: "لم أتصور أن ينتج من حديثي معكم كل هذا الجنون". واضافت: "سمعت من الحكومة أنّها ستتراجع عن إسكات الإعلام"، مضيفة أنّ "تقييد الإعلام يحدث في إيران وليس في بلد كلبنان". واضافت: "لا أريد أن أحكم على القضاء وما حصل معي نجم من تصرف فردي"، وتابعت: "ما حدث يثبت ضرورة القيام بالإصلاحات التي يطالب بها الشعب".
وأشارت شيا إلى أنّ ما ذكرته في حديثها مع قناة "الحدث" هو "أنّ كلام الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله التهديدي غير لائق"، وقالت إنّ هجومها "ربما أشعر "الحزب" أنّه مهدد" لانّها سلّطت الضوء على "أفعاله التي أثّرت على الازمة الاقتصادية".
وعن إمكانية تأثير الحادثة على العلاقات اللبنانية – الاميركية، قالت شيا: "إنّها مؤسفة لأنّه ستكون لها تداعيات على الشعب اللبناني الذي يريد أن يسمع القصة الكاملة ليخرج باستنتاجاته الخاصة". ودعت القيادات إلى "التركيز على الاصلاحات الاقتصادية الضرورية للمساعدة في الخروج من الازمة الاقتصادية".