قالت الصحف: الفقراء جائعون واللصوص نائمون والحكومة وحيدة
الحوارنيوز – خاص
استهداف المصارف كقطاع ساهم في لعبة المديونية العامة الكبيرة للبنان بالشراكة مع المصرف المركزي وبغطاء من الحكومات والعهود السابقة، كان العنوان الأبرز للإنتفاضة الشعبية.
هل للإنتفاضة برنامج سياسي ورؤى واضحة أم أنها ثورة للثورة، ما يفتح شهية الشوارع للعب والإنقلاب على الأهداف المشروعة والمحقة للناس؟
إفتتاحيات الصحف توزعت بين من حمّل الأزمة للمحور الإيراني السوري وتجاهلت السياسات المالية والإقتصادية السابقة ،وبين من يرى في تحميل هذا المحور المسؤولية جزء من "الشيطنة" المقصودة واستغلال جوع الناس!
• صحيفة "النهار" عنونت لإفتتاحيتها:" الانتفاضة ثورة جياع تحرق المصارف أولا" وكتبت تقول:" الجوع كافر. عبارة صحيحة قد تجد تجلياتها الكاملة قريبا في الشارع اللبناني المنتفض بقوة قد تجنح الى العنف والفوضى، فما كان بالأمس محسوباً، وربما مبرمجاً، وما اعتبرت القيادات السياسية ان في امكانها الامساك به تارة، او ترهيبه تارة اخرى لضبطه، لن يكون كذلك غداً مع ازدياد الغلاء المعيشي، واستمرار الدولار في الصعود في مقابل سقوط الليرة اللبنانية من دون القدرة على ضبط انهيارها، وتعثر المؤسسات وقطاعات الاعمال المختلفة، في ظاهرة عالمية، وقعها الأشد على الدول الاكثر فقراً، او التي في ازمات خانقة، ومنها لبنان.
امس كان يوماً حارقاً، اشتعلت فيه نيران الغضب الشعبي فأحرقت المصارف اولا، واليات للجيش والقوى الامنية ثانيا، في مشهد جديد سقطت معه المحرمات والخطوط الحمر، ما ينذر بتصعيد يذكر ببدايات الحرب الاهلية العام 1975 وما قبلها بأعوام، عندما بدأ الفلتان الامني يتسلل الى كل المواقع والاماكن.
طرابلس كانت امس قبلة الانظار، لكنها ليست الوحيدة، ولن تكون كذلك، مع تمدد حالات الفقر تباعا الى كل المناطق. لكن الانفجار بدأ في الاحياء الاكثر فقرا، والتي لن يكون ضبطها ممكنا في الايام المقبلة. وبرز خوف من الانزلاق الى الشارع المحترق، ما لم توفر السلطة السياسية الحلول الانسب للمرحلة المقبلة. ويتحدث وزير سابق لـ"النهار"، وقد التقى اخيرا، وقبيل اقفال المطارات، مسؤولين اميركيين، فيحذر من موجة عنف مقبلة على لبنان، ويتخوف من ان يؤدي الامر الى مواجهات حقيقية مع الجيش تهدف الى اغراقه في المستنقعات، وبالتالي اضعافه، كما يحصل حاليا مع مصرف لبنان وحاكميته، بعد الانقضاض على القطاع المصرفي، لضرب كل اسس التركيبة والصيغة والنظام الاقتصادي للبنان، لدفعه الى المحور الاخر الايراني – السوري. ويعتبر ان هذه المعطيات والتي بلغت البطريرك الماروني، هي ما دفعته الى موقفه التصعيدي الاخير، محذرا من ممارسات هدفها ضرب النظام لتغييره في ظل عدم تكافؤ في القوى مرحليا، ما يدفع البلد الى احضان "حزب الله" وشركائه الاقليميين. ويرى ان تصريحات رئيس الحكومة عن موت النظام الاقتصادي الذي قام عليه لبنان يحمل في طياته هذا المعنى، سواء كان مقصودا منه بالمعنى السياسي ام غير مقصود.
ويمكن تسمية امس بـ"يوم الغضب على المصارف" التي تشكل مرآة السياسات التي دفعت الى الواقع الراهن وعلى تماس مباشر مع المواطن، خصوصا بعد سريان "اخبار" او "شائعات" عن تهريب المصارف في الاشهر الاخيرة نحو خمسة مليارات دولار بعضها بالتحويل المصرفي، وبعضها الاخر نقدا عبر مرفأ سياحي في العاصمة، وامتناعها عن اعطاء المودع القليل من دولاراته المؤتمنة عليها. وتتطلب هذه الشائعات التي يتناقلها المواطنون توضيحات صريحة وواضحة من جمعية المصارف، تماما كما سيفعل مبدئيا حاكم مصرف لبنان رياض سلامه اليوم، اذ لم تثمر الضغوط عليه لتأجيل مؤتمره الصحافي، في ظل اتصالات ووساطات عمل عليها اكثر من طرف، ابرزها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم.
واكدت المصادر المطلعة لـ"النهار" قيام ابرهيم بمسعى بين رئيس الحكومة والحاكم، وان استئناف المسعى للقاء بينهما ترك الى ما بعد إطلالة سلامة اليوم عبر الفيديو وما سيقوله.
وفق المصادر ان ابراهيم زار رئيس الحكومة مرتين والاتصالات جارية على مدار الساعة لمعالجة ذيول الازمة التي نشأت بعد كلام دياب من بعبدا، وهو يطلع رئيس الجمهورية على تفاصيل الاتصالات.
وعلم من المصادر ان الحاكم لن يصعد في رده التوضيحي بل سيعرض بالارقام كل ما تم إنفاقه بناء على طلبات الحكومات المتعاقبة التي كانت تنفق من دون موازنة قبل العودة الى اقرار الموازنات، ومن خلال سلف الخزينة التي كانت تطلبها ويصادق عليها مجلس النواب. وانه كان يطلع المسؤولين على كل السياسات المالية التي اتبعها للحفاظ على استقرار سعر الليرة حتى في ظل ازمات سياسية انعكست سلباً على الاستقرار المالي.
وفي موضوع خروج ودائع من المصارف الى خارج لبنان، تقول المصادر المطلعة ان هذه مسألة لا يمكن لحاكم المركزي ان يوقفها لأن القانون يسمح للمصارف بنقل ودائع من فروعها في بيروت الى فروع لها خارج لبنان.
وبالعودة الى الانتفاضة برز امس موقفان بارزان الاول لممثل الامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي غرد بعد لقائه الرئيس ميشال عون أن "الحوادث المأسوية في طرابلس والتي تواجه فيها المتظاهرون غير السلميون مع الجيش اللبناني وأدت إلى استشهاد متظاهر ووقوع إصابات من الطرفين، ترسل إشارة تحذير الى القادة السياسيين في لبنان".
بدورها، غردت السفيرة الأميركية درورثي شيا قائلة " ان احباط الشعب اللبناني من الازمة الاقتصادية امر مفهوم كما ان مطالب المحتجين مبررة. لكن حوادث العنف والتهديدات وتدمير الممتلكات تبعث على القلق العميق ويجب ان تتوقف. نحن نشجع على السلوك السلمي وضبط النفس من الجميع وكذلك على اليقظة المستمرة في التباعد الاجتماعي في مواجهة جائحة كورونا."
وسياسيا، كان لافتا تلقي رئيس مجلس الوزراء حسان دياب اتصالا من وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان، أعرب فيه الاخير عن "تأييد فرنسا لبرنامج الحكومة الإصلاحي، واستعدادها لمساعدة لبنان مع صندوق النقد الدولي". كما شدد لودريان على "نية فرنسا عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان فور انتهاء إجراءات الحظر المتعلقة بوباء كورونا".
• صحيفة "نداء الوطن" تابعت سياق صحيفة "النهار" وعنونت:" ثورة الجياع انطلقت والسلطة تشهر سلاح المندسين… دياب يستسمح سلامة ويوسط إبراهيم … والحكومة تعمل على تثبيت سعر الصرف" وكتبت تقول:" على دارج عادة الأنظمة القمعية التي ما أن تستشعر تعاظم غضب الناس حتى تسارع إلى التلطي خلف مصطلحات خشبية، تبرر لها قمع شعوبها فتضع المنتفضين منهم إما في مصاف "الجراثيم" أو "المتآمرين" أو "المندسين"… وعلى هذه الخطى تسير السلطة الحاكمة في لبنان وتدفع أكثر فأكثر نحو "لعبة الدم" من خلال الإمعان في تسليط الجيش والقوى الأمنية على التصادم مع أفواج المتظاهرين المتنقلة والمتمددة بين المناطق والأحياء، بذريعة التصدي لـ"مندسين" يعيثون خراباً وتخريباً في الأملاك العامة والخاصة، فكانت النتيجة خلال الساعات الأخيرة أن سالت دماء المواطنين في طرابلس على مذبح دفاع القوى العسكرية عن طبقة حاكمة فاسدة، تتوارى خلف حكومة "ماريونيت" تُحرّكها عن بُعد وتستخدمها مطيةً لتخدير أوجاع المواطنين وتدجين مطالبهم. غير أنّ مجريات الأمور ميدانياً بيّنت أمس أنّ "ثورة الجياع" اندلعت لتبدأ معها أمواج "النهر الجارف" بالتشكل وستأخذ مداها خلال الأيام المقبلة، لتبلغ امتدادات عابرة للطوائف والمناطق على مستوى الخارطة الوطنية.
وتحت وطأة تسارع عمليات الكر والفر في العاصمة ومختلف المناطق بين الجيش والثوار، تعمد الحكومة إلى تسريع خطواتها الآيلة إلى وضع خطتها الإصلاحية على السكة التنفيذية، تمهيداً لإقرارها على طاولة مجلس الوزراء غداً الخميس، مستهلةً بسلسلة تدابير اتخذتها أمس على الطريق نحو "مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة"، وفق الآلية التي وضعتها وزارة العدل وترمي إلى البدء في تطبيقاتها الأسبوع المقبل، في حين سيعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة استثنائية في السراي لاستكمال دراسة الورقة الإصلاحية المالية ووضع اللمسات الأخيرة عليها عشية جلسة بعبدا غداً. وكشفت مصادر وزارية لـ"نداء الوطن" أنّ هذه الورقة ستتضمن توجهاً نحو إعادة تثبيت سعر صرف الليرة عند حدود لا تتجاوز الـ3000 ليرة للدولار، لافتةً إلى أنّ المساعي المبذولة في هذا المجال تطمح إلى الوصول بسعر الصرف إلى مستويات أقل قد تصل إلى ما يقارب الـ2600 ليرة للدولار، بغية إحداث صدمة إيجابية في الشارع تبرّد أرضية الأزمة المستفحلة مع الالتزام بوضع جدول زمني تطبيقي لذلك لا يتخطى العشرة أيام، وأشارت إلى أنّ هذا الموضوع يتم التنسيق بشأنه بين الحكومة والمصرف المركزي وجمعية المصارف، التي تولّت لجان تقنية منها خلال اليومين الماضيين عقد اجتماعات مع فريق رئيس الحكومة حسان دياب، لوضع ملاحظاتها على الورقة الإصلاحية المالية المنوي إقرارها، على أن يزور وفد من الجمعية برئاسة سليم صفير اليوم السراي للاجتماع مع دياب للغاية نفسها.
واليوم، تتجه الأنظار عند الساعة الثانية عشرة ظهراً إلى الكلمة المتلفزة التي سيلقيها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، لوضع الرأي العام أمام حقيقة مسببات الهدر والخسارة في خزينة المصرف، مفنداً بالأرقام والوقائع الأسباب السياسية التي أوصلت الوضع النقدي في البلد إلى ما وصل إليه، من شغور رئاسي وتعطيل للمؤسسات وتوظيفات عشوائية وقرارات شعبوية كبدت الخزينة أعباء مضاعفة أبرزها سلسلة الرتب والرواتب. وعشية إطلالة سلامة حاول أركان الحكم استمالته عبر وسطاء دخلوا على خط إعادة تفعيل التواصل بينه وبين دياب الذي سعى، بحسب مصادر مواكبة لهذه الاتصالات، إلى إيصال رسائل "تستسمح" حاكم المركزي عما بدر من رئيس الحكومة من هجوم لفظي عليه إثر جلسة مجلس الوزراء في بعبدا، وتطلب منه عقد لقاء بعيد من الإعلام في السراي لشرح حقيقة الموقف وإيضاح الأسباب التي دفعته إلى ما قاله، غير أنّ سلامة آثر عدم اللقاء مع دياب قبل إطلالته المتلفزة اليوم بينما نجحت الاتصالات والوساطات في ضبط هذه الإطلالة تحت سقف "الخطاب التقني"، علماً أنّ المصادر أكدت لـ"نداء الوطن" أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لعب دوراً محورياً في هذا المجال، وهو سيزور السراي الحكومي اليوم لوضع دياب في حصيلة المشاورات التي أجراها في سبيل إعادة قنوات التنسيق الحكومي مع سلامة.
وفي السياق نفسه، أكد مصدر سياسي رفيع لـ"نداء الوطن" أنّ الحكومة صرفت النظر عن موضوع إقالة حاكم المصرف المركزي، وقد تقاطعت الرسائل بهذا الخصوص للتأكيد على كون رئيس الحكومة اكتشف مدى فداحة الخطأ الذي ارتكبه في استهداف واتهام سلامة، في حين تولى "التيار الوطني الحر" إيصال رسالة إلى الأميركيين يؤكد فيها أنه لم يعد معنياً بعملية الإطاحة بالحاكم، وكذلك فعل "حزب الله" الذي أبلغ المعنيين عبر وسطاء بأنه لم يكن وراء هذه الفكرة أساساً، إنما كل ما يصبو إليه هو تعديل الأداء في سياسات المصرف المركزي النقدية، وكشف المصدر أنّ الحكومة قطعت وعوداً بأن تشهد الفترة المقبلة إعادة وضع ملف تعيين نواب حاكم مصرف لبنان والتعيينات المالية الأخرى، على طاولة مجلس الوزراء لإقرارها.
وفي الغضون، لوحظت خلال الساعات الأخيرة "طحشة" غربية باتجاه إعادة تصويب بوصلة الحكومة نحو عملية الإصلاح ومكافحة الفساد بعيداً من المنزلقات السياسية الكيدية والانتقامية، وفي هذا المجال برز الدخول الأميركي والفرنسي بقوة على خط التواصل مع الحكومة لدفع عجلة الإصلاح قدماً، فكانت النصيحة الفرنسية بتسريع الاتصال والتنسيق مع صندوق النقد الدولي لمساعدة الدولة اللبنانية على وضع الأسس السليمة للخروج من أزمتها الاقتصادية والمالية، في وقت استرعت الانتباه زيارة السفيرة الأميركية إلى السراي الكبير حيث اجتمعت مع دياب على مدى ساعة من الوقت. وحول مجريات اللقاء، أكدت مصادر السراي لـ"نداء الوطن" أنّ الاجتماع تناول موضوع حاكم مصرف لبنان، فشرح رئيس الحكومة ملابسات هذا الموضوع وما رافقه إعلامياً، بينما ركزت السفيرة الأميركية في أسئلتها على ملف الخطة الإصلاحية والرؤية المالية للحكومة والموعد المقرر لإقرارها"
• صحيفة "الاخبار" القت الضوء على جانب من الهندسات المالية وعنونت:" هندسات سلامة لم تقتصر على المصارف: المال العام في خدمة محظيين" وكتبت تقول:" من المنتظر أن يطل حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في كلمة متلفزة اليوم، يتحدّث فيها عن واقع مصرف لبنان، والاحوال النقدية والمالية. الكلمة تأتي تحدياً لطلب رئيس الحكومة حسان دياب، الذي اتهم الحاكم بانتهاج سلوك مريب وغامض إزاء تدهور سعر صرف الليرة. وقياساً على إطلالاته السابقة، من المتوقع ان يُكثر سلامة من استخدام الأرقام والمصطلحات التي "تضيّع" المشاهد. كما من المتوقع ان يتحدّث عن كلفة سلسلة الرتب والرواتب، وعن الدين العام، والعجز في ميزان المدفوعات، وأثر الحرب السورية على الاقتصاد اللبناني، وتراجع السياحة، والأزمات السياسية والامنية التي أثّرت سلباً على لبنان واقتصاده وماليته العامة ومصارفه… ربما سيأتي على ذكر كلمة فساد. لكنه بالتأكيد سيبتعد عن لبّ الأزمة في مصرف لبنان، أي، منهجه وطريقته في إدارة الأمور، والتعامل مع المال العام المؤتمن عليه كمال خاص يوزّعه كيفما يشاء، وعلى من يشاء.
الهندسات المالية التي اشتهرت في السنوات الأخيرة، لم تكن سوى واحدة من عمليات إعادة توزيع الثروة، عبر تحويل المال العام، وأموال المودعين، إلى أرباح تصب في جيوب أصحاب المصارف وكبار المودعين. جرت تلك العمليات بذرائع عدة:
- الدفعة الأكبر كانت بذريعة اجتذاب دولارات يحتاجها الاقتصاد اللبناني لتمويل الاستيراد، ومنَح بموجبها المصارف أكثر من 5 مليارات دولار كأرباح (راجع "الأخبار"، 13 كانون الثاني 2017).
- الدفعة الثانية كانت بذريعة الحفاظ على مصارف مهددة بالإفلاس، وجرت على مدى سنوات طويلة ("الأخبار"، 21 شباط 2017).
- الدفعة الثالثة كانت لتمويل عمليات توسّع لمصارف، انتهت بتوزيع أرباح على مالكيها (راجع "الأخبار"، 4 نيسان 2017).
كُل تلك "الهندسات" كان يجريها سلامة مع مصارف. لكن الجديد الذي كشفته وثائق حصلت عليها "الأخبار"، تكشف أن "هندسات" سلامة لم تقتصر على القطاع المصرفي، بل تعدّته إلى شركات مالية. يكفي ان يكون صاحب الشركة من المحظيين لدى سلامة، ليمنحه قرضاً من مصرف لبنان، يشتري به سندات خزينة (أي أن الشركة تقترض من مصرف لبنان مالاً لتقرضه إلى وزارة المال). وتحقق الشركة نتيجة لذلك ربحاً صافياً، من دون أي جهد. تدفع الشركة لمصرف لبنان فائدة سنوية قدرها 5 في المئة، وتحصّل من الخزينة العامة فائدة على السندات تبلغ 7.11 في المئة (بحسب معدلات الفوائد عند تنفيذ هذه "الهندسة"). هذه العملية تحقق ربحاً صافياً للشركة قدره 2.11 في المئة، من المال العام. وفي الوثائق التي حصلت عليها "الأخبار"، تقريش هذه النسبة من الربح تعني نحو مليار ليرة سنوياً. ما الدافع وراء ذلك؟ لا وجود لأي دافع قانوني. لا مصلحة عامة تُرتجى. ثمة حاكم يمارس ألعاباً تشبه "السحر"، تجعل المحظيين أثرياء على حساب دافعي الضرائب.
الوثائق التي حصلت عليها "الأخبار" كناية عن عقد موقع بين مصرف لبنان، وشركة "اوبتيموم إنفست"، ممثلة برئيس مجلس إدارتها – مديرها العام انطوان سلامة. والاخير معروف في الأوساط المالية والمصرفية باسم طوني سلامة، وبأن شركته تتولى جانباً من عمليات تسويق سندات اليوروبوندز.
وفي هذا العقد، لا يخفي سلامة الهدف المكتوب بوضوح: "بما أن المقترض بحاجة إلى سيولة لتغطية بعض الالتزامات المتوجبة عليه". وبناءً على ذلك، قرر منحه اعتماداً بقيمة 48 ملياراً و600 مليون ليرة لبنانية، "لشراء سندات خزينة من فئة 84 شهراً". وينص العقد على ان يتعهّد المقترض بأن يرهن لصالح مصرف لبنان، عندما يطلب الأخير، السندات التي سيشتريها، ضماناً لتسديد القرض وفوائده.
هذا العقد الموقع في 21-6-2017، يستند إلى مواد من قانون النقد والتسليف، اهمها الفقرة الاولى من المادة 102، التي تنص على الآتي: "يمكن المصرف (مصرف لبنان) ان يمنح قروضا بالحساب الجاري بشكل فتح اعتمادات لمدة اثني عشر شهرا قابلة التجديد في حالات الضرورة لمرة واحدة على ان تكون مكفولة بسندات تجارية لا تتجاوز مدة استحقاقها السنة، او بذهب او بعملات اجنبية او بسندات قيم". لكن اللافت ان العقد لا ينص على كفالة، بل على تعهّد بالرهن، فضلاً عن ان المتعهَّد برهنه هو سندات تستحق بعد 84 شهراً، لا بعد مدة سنة التي تنص عليها المادة القانونية.
ولا بد من الإشارة إلى ان ما حصلت عليه "الأخبار" ليس وثائق بكل "الهندسات" التي اجراها سلامة. بل هي هندسة واحدة، من أصل عدد مجهول، وسيبقى مجهولاً إلى ان يجري تدقيق جدي في كل ما ارتُكِب في مصرف لبنان المركزي، على مدى 27 عاماً من حُكم سلامة. فالدافع وراء العقد، والوارد في عبارته الاولى "بما أن المقترض بحاجة إلى سيولة لتغطية بعض الالتزامات المتوجبة عليه"، يكشف طريقة عمل الحاكم. سلامة تصرّف مع اموال مصرف لبنان كما لو انها مال خاص. فحاجة المقترض إلى تغطية التزامات متوجبة عليه، لا تمنح أحداً، أي أحد، حق استخدام المال العام لتغطية تلك الحاجة.