سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف: العنف المفرط لحماية السلطة فاسدة

 

الحوارنيوز – خاص
عنونت "النهار":" 72 ساعة حاسمة" وكتبت تقول:قد لا تكون ثمة مغالاة في القول إن مهلة الساعات 72 التي حددها رئيس الوزراء سعد الحريري لـ"شركائه" في السلطة من أجل اجتراح الحل الكفيل بوقف تداعيات إحدى أخطر الازمات الداخلية التي يواجهها لبنان والتي تنتهي عملياً مساء الاثنين، تكتسب طابعاً مصيرياً تماماً ويتوقف عليها واقعيا استشراف الوجهة التي سيسلكها لبنان وسط عصف تحرك شعبي احتجاجي هائل. ذلك ان اليوم الثاني من الانتفاضة الشعبية التي انطلقت مساء الخميس شهد تطورات على الارض اثبتت بما لا يقبل جدلا ان هذه الانتفاضة باتت تصنف كأضخم تحرّك بعد "ثورة الارز" في 14 آذار 2005 مع فارق انها تكتسب طابعاً اجتماعياً واقتصادياً، في حين ان انتفاضة 14 آذار كانت ذات طبيعة سيادية واستقلالية غالبة.

ولا تقلل هذا الفارق الاهمية الكبيرة للتحركات الاحتجاجية المستمرة في ظل تضخم حجم المشاركة الشعبية فيها والتي برزت أمس بقوة من خلال انخراط مئات الالوف من المواطنين في التحركات والتظاهرات والاعتصامات التي عمت المناطق اللبنانية، وان تكن الانظار بدت مشدودة دوماً الى وسط بيروت حيث جرت لليوم الثاني موجات التعبير الكبيرة والتي لم تسلم من مواجهات بين الحشود وقوى الامن الداخلي، خصوصاً في ساعات المساء والليل، علماً ان قوى الامن الداخلي اعلنت ان 24 من رجالها اصيبوا بجروح بسبب هذه المواجهات.

كما ان صدامات حصلت في طرابلس ومناطق أخرى، في حين طرأ تطور سلبي للغاية تمثل في قطع طريق مطار رفيق الحريري الدولي مرات عدة الامر الذي اضطر الجيش الى تنظيم عمليات نقل المسافرين بآليات عسكرية من المدينة الرياضية. وبدا اسوأ التطورات مع تعرض مجموعات من المتظاهرين ليلا تكراراً لقوى الامن الداخلي كما مع الاعتداءات على ممتلكات عامة وخاصة واضطرت القوى الامنية الى مطاردتهم واطلاق قنابل غاز مسيل للدموع لتفريقهم.

اما العامل السلبي الاخر الذي سجل أمس، تمثل في تعميم ظاهرة قطع الطرق الرئيسية بين مختلف المناطق الامر الذي شل حركة التنقل وتقطعت السبل بعشرات الالوف من الاشخاص المحتجزين منذ الخميس.

أما التداعيات الرسمية والسياسية لهذه الانتفاضة، فبلغت ذروة من التوهج في ظل الكلمة التي القاها الرئيس الحريري من السرايا مساء أمس والتي اتخذت طابعاً مصيرياً ودراماتيكياً واتسمت باهمية كبيرة نظراً الى المضامين التي طبعتها باطار لم يسبق له مثيل لجهة وضع الحريري جميع الافرقاء السياسيين الشركاء في الحكومة والسلطة امام اختبار حاسم ضمن مهلة الساعات 72 التي فاجأ بها الجميع وكانت بديلاً أخيراً وواضحاً من اقدامه على تقديم استقالة حكومته وقلبه الطاولة بنفسه، فتريث في الخطوة لثلاثة ايام فقط.وبنبرة مصارحة علنية غير مألوفة تجاه شركائه، اعتبر الرئيس الحريري "أن ما رأيناه منذ الأمس هو وجع حقيقي للبنانيين، أساسه مستوى السلوك السياسي في البلد، الذي هو السبب وراء المماطلة بالحلول والتردد بالقرارات وتعطيل الدولة أمام كل مشكل صغير وكبير، فيما كان الناس ينتظرون من الحكومة وكل الطاقم السياسي جدية في العمل، لكننا لم نقدم لهم إلا العراضات السياسية والسجالات". وقال: "عندما أتينا إلى الخطوة المباشرة وحاولنا التنفيذ، لم تبق هناك مماطلة أو فركوشة إلا وضعت في وجهي، إن كان في موضوع الكهرباء أو خفض العجز أو تعيينات المجالس والهيئات الناظمة، التي هي أولى خطوات الإصلاح. كانت كلها تُعطل وما في شي بيمشي".
بدورها عنونت "الأخبار":" السلطة الى القمع المفرط .. بعد المس بمصرف" وكتبت تقول:" هل يكون زجاج واجهتَي مصرفين في وسط بيروت أمس كـ"بلاطة" حائط فندق "لوغراي" في المنطقة عينها عام 2015؟ حينذاك، كان سقوط "البلاطة" الشرارة التي أطفأت التحرّكات التي انطلقت إثر أزمة النفايات. الأجهزة الأمنية التي تعاملت مع المتظاهرين أول من أمس بمستوى منخفض نسبياً من القمع، لجأت أمس إلى العنف المفرط، في مواجهة من تسمّيهم "المشاغبين" الذين كسروا زجاج واجهتَي مصرفين، ما يُنذر بإمكان اللجوء إلى القمع في وجه التحركات! قبل ذلك، كانت القوى المكوّنة للحكومة تتقاذف مسؤولية الأزمة التي فجّرت الغضب الشعبي، بصورة كرّرت فيها ما تُجيده: المزيد من الكذب

لم تعُد البلاد مُستعصية على الثورات. انتفاضة شعبية يشهدها لبنان من أقصاه إلى أقصاه، فجّرتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة، بفعل تمادي السلطة في سياسة التجويع وفرض إجراءات ضريبية، لا هدف لها سوى تركيز الثروة في يد القلة من اللبنانيين. للمرة الأولى منذ التسعينيات، لم يعُد الشارع فسيفساء من الانتماءات الطائفية المُتناحرة. خرج منذ يومين بهوية وطنية جامعة لا ولاء فيها للطوائف، ليقول للطبقة الحاكمة "كفى"، ولا يزال مستمراً في تحركه، فاتحاً الباب على مصراعيه أمام الأحزاب والتيارات السياسية التي أثبتت يومَ أمس أنها تغرق في حالة من الإنكار التام. فأمام زخم الغضب الشعبي والغليان الذي قُطع معه عدد كبير من الطرق التي تربط المناطق في مختلف المحافظات، واصل المسؤولون تقاذف مسؤولية الفشل والإخفاق والوعود الكاذبة، كما لو أنهم أمام أزمة سياسية عادية كتلكَ التي تُحلّ على طريقة "تبويس اللحى". وليلاً، لجأت السلطة إلى العنف المفرط، لتفريق المتظاهرين، بذريعة ملاحقة "المشاغبين الذين اعتدوا على الأملاك الخاصة والعامة". صدف أن استخدام قدر كبير من العنف، من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي، بدأ بعد تكسير واجهتي مصرفين في وسط بيروت.

وحتى يوم أمس، لم يكُن أهل السلطة قد استوعبوا بعد أن القصة ليسَت قصّة رغيف ولا زيادة أسعار المحروقات والدخان وأزمة دولار، ولا حتى فرض رسوم على تطبيق "واتسآب"، بل قصة كيل طفح بمكيال الكذب والإفقار والظلم وحجم البطالة والركود الاقتصادي ونظام المُحاصصة. إذ حاولت أغلبية القوى المشاركة في الحكومة ركوب موجة التحركات الشعبية، وخلق شارع مقابِل شارع عبر تبادل الاتهامات، لكنها فشلت في ذلك. الكل بدأ يتحدث كما لو أنه في موقع المعارضة ولا علاقة له بكل الإجراءات التي اتُّخذت في المرحلة السابقة.


هذه اللعبة بدأها النائب السابِق وليد جنبلاط من خلال تحريك شارعه للتصويب على "العهد" في محاولة لتمييز نفسه. ولحق به رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي جاءت مواقفه وجنبلاط مشجّعة لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ورمي كرة النار بين يدي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله. الأمر الذي دفع برؤساء الحكومات السابقين للتضامن مع الحريري ورفضهم الاستفراد به. فيما كان لافتاً وواضحاً ارتباك كل من حركة أمل وصمت حزب الله. أما التيار الوطني الحرّ فقد حاول رئيسه الوزير جبران باسيل الاستثمار في غضب الناس لصالحه. الأخير خرج بعدَ لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون وعدد من وزراء التيار ليخاطب الناس. وقف على منبر قصر الرئاسة في بعبدا، ليلقي كلمة موجهة إلى اللبنانيين، كما لو أنه متحدث باسم الرئاسة. قال بأنه "يتفهّم" غضب الشارع، معتبراً أن "ما يحصل هو لصالحنا وليسَ ضدنا"، مكرراً معزوفة الإصلاحات التي يريد العهد تطبيقها، لكنّ أطرافاً أخرى تمنعه من ذلك. علماً أن هذه الإصلاحات التي يتحدّث عنها باسيل وغيره ممن هم في الحكومة، من المستقبل الى القوات الى الاشتراكي ليست ذات منفعة، بل هي إجراءات ستزيد من حجم المشكلة وتأخذ البلاد نحو الانهيار. وراح باسيل يرمي الوعود كعادته من نوع تأمين الكهرباء، قائلاً إنه ضدّ الضرائب، مع أنه هو نفسه الذي شارك في اقتراحها وفي إقرارها.

وفيما كان الرصد طوال يوم أمس لإطلالة الحريري، طُرح سؤال حول إمكانية إسقاط حكومة الأخير في الشارع، استناداً إلى المشهد الراهن الذي أعاد لبنان إلى ما سبقَ واختبره في أيار عام 1992، حين أدّت التظاهرات إلى إسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي. غيرَ أن الرئيس الحريري لعب الدور نفسه الذي سبقه إليه كل من باسيل وجعجع وجنبلاط، محاولاً إظهار نفسه بمظهر الضحية. رئيس الحكومة، رأس السلطة التنفيذية، حاول تبرئة نفسه، بتحميل شركائه فيها مسؤولية الانقلاب على الإصلاحات والاتفاق، معطياً مهلة 72 ساعة وإلا "سيكون هناك كلام آخر".

"نداء الوطن" عنونت " السلطة تستمهل المحتجين نهارا وتقمعهم ليلا .. سقط القناع .. التفاهم الرباعي يعزل القوات والاشتراكي" وكتبت تقول: كابروا، ناوروا وثابروا على التنكّر للحقيقة واستنزاف الوقت… لا المكابرة باتت تنفع ولا المناورة باتت تشفع أمام مرآة الناس والواقع: فشل العهد وفشلت حكومته وسقط القناع عن القناع وسقطت معه ورقة التوت عن عورات "التسوية"، فصار لزاماً أن تكون هي "كبش المحرقة" لإنقاذ البلد… لكن على من يقرأ الشعب مزاميره؟ على سلطة منحت نفسها 72 ساعة لتنقذ نفسها ولم تمنح الناس أكثر من 24 ساعة لتعبّر عن نفسها؟ سلطة اعتادت تدبيج المطالب الاجتماعية ضمن ديباجات حزبية وطائفية ومذهبية وشعبوية، تحاضر بمطالب الناس وتحاصرهم إن هم رفعوا الصوت بمطالبهم، سلطة امتهنت التدجين والتدجيل واحترفت تخدير الآلام والآمال ولا تعرف دواءً لكيّ الوجع سوى القمع.


جاءت "تعليمة" الليل السلطوية لتمحو انتفاضة النهار الشعبية، وبقدرة قادر على إعادة الانتظام لسطوة النظام، قُمع المتظاهرون بلمح البصر وشُطفت الساحات وشُقت الطرقات الرئيسية واندثرت الجموع، واعتُقل من اعتُقل ممن بقي على قيد التظاهر بشكل مهين على قارعة الطريق. إنها سلطة القمع وقد فردت سوطها وفرضت سطوتها بالقوة، ومن لم يسعفه الحظ بأن قمعته المؤسسات الرسمية باغته مسلحون حزبيون لا سيما على الطرقات الجنوبية، ليتولوا مهمة إجبار المحتجين على الانسحاب من الشارع تحت طائل التهديد الميليشيوي الموثّق بالصوت والصورة.

وإذا كان في ظاهر المشهد السياسي، تحسّس للرقاب وتقاذف لكرة المسؤولية وتبادل للأدوار في لعبة كسب الوقت وحشر الحلفاء والخصوم في زاوية التلكؤ عن الإصلاح، فإن في الجوهر ثباتاً على وحدة المسار والمصير بين قطبي "التسوية" مع مهلة الـ72 ساعة المتقاطعة بين بعبدا والسراي، والتي استمهل بها الناس رئيس الحكومة سعد الحريري وأمهل بها أفرقاء الحكومة لحسم توجهاتهم، بينما الأدهى والأكثر إنباءً عن المستور جاء على لسان رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، الذي تحدث عن "تفاهم رباعي" مع الحريري و"حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري، من شأنه أن يتمظهر ويتبلور تباعاً خلال الساعات القليلة المقبلة أكثر فأكثر، ليأخذ صورة أكثرية حاكمة داخل الحكومة (23 وزيراً) والمجلس النيابي (أكثر من 80 نائباً) تهدف إلى تمرير القرارات والقوانين بشكل يعزل أي صوت معارض ويعطل مفاعيله، لا سيما على جبهة "القوات" – "الاشتراكي".

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى