قالت الصحف: الشارع.. من انتفاضة الرسوم إلى تغيير النظام الطائفي
الحوارنيوز – خاص
صحيفة "النهار" عنونت لإفتتاحيتها:" انتفاضة الضرائب في كل لبنان" وكتبت تقول: هل هي انتفاضة الضرائب أم انتفاضة "الواتساب" أم طليعة انتفاضة أوسع وأعم تعكس عمق التأزم والاعتمال الشعبي في لبنان حيال أوضاع متآكلة ومخاوف من الانهيارات واحتقانات نتيجة أحوال معيشية وخدماتية مزرية؟
استعدت الحكومة لانجاز البحث في موازنة 2020 في جلسة مجلس الوزراء اليوم التي يفترض أن تكون نهائية ولكن من غير ان يعني ذلك ضمان مواكبة هذا الاستحقاق بأجواء ايجابية تنتفي معها التعقيدات المحتملة من داخل مجلس الوزراء أو من خارجه، خصوصاً بعدما برزت ليلاً ملامح التحركات الاحتجاجية في الشارع منذرة بانتفاضة غير مسبوقة ضد الضرائب وبكرة ثلج رافضة على المستوى الشعبي لرزمة الرسوم والضرائب التي سترافق احالة الموازنة على مجلس النواب.
وكان ينقص المشهد المحتدم بين مناقشات الحكومة وخلوات الوزراء من جهة، والمناخ الشعبي الرافض لفرض ضرائب أو رسوم جديدة، ان ينفجر فجأة أحد أغرب الاقتراحات الضريبية المتمثلة في الاتجاه الى فرض رسم 20 سنتاً على خدمة "الواتساب" في الهواتف الخليوية على كل أول اتصال يومياً، الامر الذي أثار موجة غضب عارمة ترجمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أولاً ومن ثم عبر الاعتصامات والمسيرات التي بدأتها مجموعات من الناشطين من المجتمع المدني مساء في وسط بيروت تنقلوا في قطع الطرق بين شارع المصارف وساحة رياض الصلح وجسر فؤاد شهاب والصيفي وساحة النجمة احتجاجاً على فرض ضرائب جديدة.
واتخذت التظاهرة طابعاً حاداً لدى وصول المتظاهرين الى محيط مجلس النواب حيث صادف مرور موكب إحدى الشخصيات التي ذكر لاحقاً انها الوزير أكرم شهيب، إذ أطلق المرافقون الرصاص في الهواء للتمكن من فتح الطرق أمام الموكب فأثار ذلك استياء المتظاهرين الذين ردّوا بهتافات تنادي بـ"الثورة". وأبلغ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في وقت لاحق "النهار" انه "طلب من شهيب تسليم الذين أطلقوا النار في الهواء، لكن شهيب ليس من يتحمل مسؤولية التدهور الاقتصادي في البلد. نحن تحت القانون ولكن نطلب تحقيقاً شفافاً ونرفض الاعتداء على أي كان". وأضاف: "على جميع الوزراء ان يتضامنوا حول أهمية الاصلاحات الحقيقية وقد نكون أمام فرض بعض الضرائب التي لا مفر منها من أجل تمرير الموازنة وهناك أمر غريب نحن أمام صدور موازنة أو نتجه الى انهيار. كفى مزايدات من بعض الأفرقاء في الحكومة".
بدورها صحيفة "الأخبار" عنونت:" الحكومة تهتز.. هل فات الأوان؟ وكتبت تقول:" بدا قرار فرض رسم على "واتساب" بمثابة الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات على كل السياسات الحكومية الممعنة في إفقار الفقراء وضرب أي فرصة لبناء الدولة. طار القرار مساء لكن الاحتجاجات تمددت، لتهدد مستقبل الحكومة أكثر من أي وقت مضى
لم يصمد قرار وضع رسم على اتصالات تطبيق "واتساب" طويلاً. في اليوم التالي لإقراره، سقط في الشارع. تنقّل وزير الاتصالات من شاشة إلى أخرى ليعلن سحب القرار من التداول واعتباره كأنه لم يكن. مع ذلك لم تنته القضية. أعداد المتظاهرين كانت تتزايد باستمرار إلى ما بعد منتصف الليل. قرار "واتساب" كسر حاجز الصمت والتردد، فكانت مروحة الاعتراض الواسعة كفيلة بزعزعة التحالف الحكومي للمرة الأولى منذ تأليف الحكومة.
كيف سيكون المشهد اليوم؟ ينعقد مجلس الوزراء في جلسة يفترض أن تكون الأخيرة لمناقشة الموازنة. ونظراً لحساسيتها وحساسية الأوضاع، تقرّر بعد اتصال الرئيس ميشال عون بالرئيس سعد الحريري مساء أمس، نقلها من السرايا الحكومية إلى قصر بعبدا. ولأنها الجلسة الأخيرة، فقد رُحّلت إليها كل "الإجراءات الموجعة" التي وُعد بها اللبنانيون، وأبرزها الرسم على البنزين والضريبة على القيمة المضافة. لكن هذه المرة، وخلافاً لكل الاجتماعات التي سبقت، كل قرار سيتخذ لن يكون معزولاً عن الاحتجاجات التي شهدتها كل المناطق أمس. والقرارات هنا لم تعد من فئة الضرائب والرسوم، فقد اتخذت الجلسة، مع كلام النائب وليد جنبلاط أمس، منحىً أكثر "استراتيجية". كان الحديث مباشراً عن مصير الحكومة. وكان جنبلاط حريصاً على عدم تحميل سعد الحريري المسؤولية منفرداً. قال: "كلنا مسؤولون عما وصلت إليه الأمور، وكلنا فشلنا في إدارة الأزمة الاقتصادية". كذلك ذهب، في حديثه إلى "أل بي سي آي"، إلى حد نعي حكومات الوحدة الوطنية. قال إنه لن يشارك في أي حكومة من هذا النوع. وعلى المنوال نفسه، طالب النائب فيصل كرامي ممثل اللقاء الوزير حسن مراد بالاستقالة والنزول إلى الشارع. وليلاً، أجرى الحريري سلسلة اتصالات لاستطلاع آراء شركائه الحكوميين، وتحديداً لمعرفة إن كان أيّ منهم في صدد الانقلاب عليه. تيقّن من أن المكونات الرئيسية لمجلس الوزراء لن تتركه (وحدها "القوات" قالت إنها تنوي الاستقالة)، فخرجت وزيرة الداخلية ريا الحسن لتقول إنه لن يستقيل.
باختصار، الحكومة في مأزق. والائتلاف الذي يشكلها في مأزق. وتفصيلاً، الموازنة دخلت في المجهول، لكن الأكيد أن إجراءات من نوع زيادة الضريبة على القيمة المضافة وفرض رسوم على البنزين، لن يكون إمرارها سهلاً. المعارضة ستكون هذه المرة من داخل المجلس، وإن كان حزب الله قد كرّر أنه لن يوافق على أي موازنة تضم إجراءات تطال الفقراء، فإن جنبلاط ذهب أمس أبعد من ذلك. دعا إلى فرض الضريبة التصاعدية الموحدة وتساءل عن سبب اتفاق الجميع على تحصين الأملاك البحرية. لن يكون أحد اليوم قادراً على رفع يده مؤيداً لأي ضريبة تطال الفقراء. فرض الناس أجندتهم على الحكومة، او هم يكادون يفرضونها في حل استمرّت التحركات واتجهت نحو العنوان الصحيح. والائتلاف الحكومي عليها أن تفكر في مستقبلها، خاصة أن كرة الاعتراض تكبر، وتكشف أن القوى السياسية – الطائفية لم تعد قادرة على ضبط "شوراعها". الاتحاد العمالي أعلن الإضراب العام اليوم والتظاهر، ووزير التربية أعلن أن اليوم عطلة للمدارس والجامعات نظراً للأوضاع الراهنة. فيما يتوقع أن ينزل حزب الله إلى الشارع، في 29 تشرين الأول الحالي، دعماً لتحرك الاتحاد العمالي.
وعنونت صحيفة الجمهورية:" السلطة تشعل الشارع ودعوات لإستقالة الحكومة" وكتبت تقول:" أضرمت السلطة النار في الدولة، في مشهد يعيد إلى الأذهان صور الحرائق والطرق المقفلة عشيّة استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 1992. بَدا واضحاً أنّ السلطة أبت إلّا أن تشعل فتيل الشارع، وعلى نحو ليس في الإمكان تقدير المدى الذي سيبلغه. وبَدا واضحاً أيضاً، من خلال التحركات الشعبية التي لفّت مختلف المناطق اللبنانية، ان طفح كيل المواطن من "سلطة الأزمة" التي وضعت البلد على كفّ عفريت وفتحته على شتّى الإحتمالات الصعبة، أقلّها الفوضى. وما قد تحمله هذه الفوضى من تهديدٍ للدولة والكيان اللبناني عموماً. كما انه بَدا واضحاً أنّ السلطة بمكابراتها وعنادها أثبتت بما لا يقبل أدنى شك بأنها منفصلة عن الناس وهمومهم، ولا ترى سوى بعين مصلحتها وخدمة لمحاصصاتها ومحاسيبها، وهو الأمر الذي أدى إلى هذا الوَرم الذي تفجّر في الشارع، وقرر أن يوجّه صرخته في وجه السلطة على كلّ مستوياتها. ما حصل في الأمس نقل البلد من ضفّة إلى أخرى، وهروب السلطة من مسؤولياتها وقراراتها العشوائية بزيادة الاعباء على الناس من دون أن تقدّر وجعهم منها، ألقى بها على حافة السقوط، والذي بَدا مع تحرّكات الأمس، أنّه قد أصبح وشيكاً. والسؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح: أيّ سلطة وأيّ حكومة ستكون بعد الذي حصل؟ وهل انّ الدعوات الى استقالة الحكومة على لسان بعض مكوناتها، كرئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، ستلقى استجابة لدى رئيس الحكومة؟ وهل ستلقى دعوة النائب فيصل كرامي لممثل اللقاء التشاوري في الحكومة الوزير حسن مراد الى الاستقالة استجابة منه؟ وماذا لو استقالت الحكومة فعلاً؟ وماذا بعد؟
إهتزّ لبنان، وترنحت الحكومة، بل الدولة بكل أركانها، بدءاً من مساء أمس بفِعل الغضب الشعبي الذي تدحرج الى مختلف شوارع بيروت وضواحيها وعدد من المناطق، رفضاً لفرض ضرائب جديدة في إطار موازنة 2020 التي يدرسها مجلس الوزراء تمهيداً لإرسالها الى مجلس النواب قبل انتهاء المهلة القانونية الثلاثاء المقبل.
وفيما ردّد المتظاهرون هتافات ضد السلطة ودعوات الى إسقاط الحكومة والنظام، عَمد بعضهم الى تحركات عنيفة، كما حصل في وسط بيروت حينما حاول المتظاهرون اقتحام السراي الحكومي الكبير. وكذلك في النبطية حينما حاول متظاهرون اقتحام منزل النائب ياسين جابر ومحاولة إحراقه، اضافة الى محاولة اقتحام مكتب النائب هاني قبيسي، وكذلك مكتب رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد.
وفيما غَزت البلاد موجة واسعة من الاشاعات عن "تَوجّه رئيس الحكومة الى الاستقالة، وتَوجّه "حزب الله" الى اعلان استقالة وزرائه"، دخل جنبلاط من دون إنذار مسبق على الخط ليتهم أفرقاء وجِهات لم يسمّها بأنها تريد إسقاط الحكومة وتَسَلّم الحكم. الأمر الذي نقل الازمة الى مكان آخر يتخطى الموازنة والضرائب والاوضاع الاقتصادية والمالية المأزومة، الى مصير الحكومة، وكذلك الى ما يحصل إقليمياً ودولياً.