قالت الصحف: الدولار يكتسح والمؤسسات الدستورية تستريح
الحوار نيوز – خاص
رغم الإرتفاع غير المسبوق أمس للدولار حيث لامس ال95 الف ليرة للدولار الواحد، قبل أن يعود ليتراجع فجأة لنحو عشرة آلاف ليرة، وعلى الرغم من دولرة الأسواق المترافقة مع تحديد الدولار الجمركي ب 45 الفاً وانعكاس ذلك على السلة الغذائية بصورة جنونية، رغم كل ذلك ما زال هناك من يصر على التعامل مع الاستحقاقات الدستورية من موقع الكيدية المفرطة، محاولا الإستثمار على وجع الناس وانهيار البلاد ليحقق مكاسب داخلية خارج قواعد التوافق والحوار الوطنيين.
كيف تعاطت الصحف اليوم مع هذا الواقع؟
- صحيفة النهار عنونت: الكارثة المتدحرجة: اكتساح الدولرة واحتواء عقيم
وكتبت تقول: بين أخطر تحذيرات بكركي من خطر عزل لبنان عن الدورة المالية العالمية، ووقائع الانهيار الجديدة المتمثلة في صعود ناري لا هوادة فيه في سعر صرف الدولار وما يتصل به بكل السلع، بدا لبنان في أخطر المتاهات لاحتلال المرتبة الأولى بين الدول الفاشلة والأكثر رزوحا تحت أكبر نسب التضخم في العالم. وعلى رغم ان الدولرة التي اصابت النسبة الأكبر من الواقع المالي والاقتصادي والاستهلاكي في لبنان، ليست تطورا حديثا، اذ هي ترقى الى أكثر من عقدين، فان “اكتساحها” بالشكل الشمولي الذي طبع التطورات المالية في الأيام الأخيرة جعل لبنان يقف امام متاهة مخيفة خصوصا في عز افلاس وعجز سياسيين عن أي تحريك لازمة الفراغ الرئاسي الذي تمددت نحو شلل كامل للدولة وللمؤسسات بما دفع دورة الانهيار الحالية الى ان تصبح كرة ثلج من شانها ان تجتاح كل شيء.
ذلك ان الاكتساح او الاجتياح الشمولي للدولرة بات امرا واقعا ثابتا امام مواصلة الدولار تحليقه الناري وتحطيم ارقام قياسية خيالية تباعا، اذ سجل مساء أمس في السوق السوداء رقما قياسيا غير مسبوق قفز فيه فوق التسعين ألف ليرة ولامس 92000 ليرة لبنانية. واكب ذلك للمرة الأولى منذ التاريخ المثبت لتفجر الانهيار في لبنان في 19 تشرين الأول 2019 بدء اعتماد التسعير بالدولار في السوبرماركات اللبنانية، بما يعني “قوننة” فاضحة لمخالفة الدستور، ولو ان الية التسعير تعتمد تحديد السعر بالدولار والدفع بالليرة اللبنانية، ولكن اثر هذا التطور يعد خطيرا وعميقا في مسار توسيع الدولرة الى اخر الدرجات. ويضاف الى هذين التطورين تطور ثالث اشد خطورة أيضا تمثل في رفع قياسي للدولار الجمركي الى 45 ألف ليرة بما يشكله ذلك، على رغم تقييد لائحة المستوردات التي يطالها، من إضافة عامل محموم على الدولرة الشاملة.
على إثر هذه التطورات الدراماتيكية، خرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مساء أمس عن صمته ليعلن تدخل المصرف من اليوم بائعا الدولار على سعر 70,000 ألف ليرة وملبيا كامل الطلب الناتج عن بيع الليرة بما يستعيد تجارب سابقة غالبا ما كانت نتائجها موقتة. وأصدر البيان الاتي:” بناءً على المادتين ٧٥ و٨٣ من قانون النقد والتسليف:
١- سيتدخل مصرف لبنان بائعًا الدولار الاميركي النقدي وشاريًا الليرة اللبنانية النقدية على سعر 70 ألف ليرة للدولار ابتداء من يوم الخميس 2 آذار 2023.
٢- سيلبي مصرف لبنان كامل الطلب الناتج عن بيع الليرة اللبنانية من قبل الشركات والافراد.
٣- تقدم الطلبات عبر المصارف وتسجل عبر منصة Sayrafa وتسدد بغضون 3 ايام عمل.
٤- تحدد السقوف للافراد بمبلغ مليار ليرة لبنانية شهريًا عن كل حساب في كل مصرف.
٥- تحدد السقوف بـ 10 مليارات لكل شركة في كل مصرف.
٦- لا يطبق هذا الإجراء على مستوردي المحروقات.
٧- يحدد سعر منصة Sayrafa على 70 ألف ليرة للدولار.
٨- تدفع معاشات وتعويضات القطاع العام لشهر شباط على سعر sayrafa 45 ألف ليرة للدولار في 1 آذار 2023
٩– يعمل بهذا القرار إبتداءً من ٢ اذار ٢٠٢٣ ويستمر العمل به حتى اشعار آخر.
١٠- تتوقف المصارف عن شراء دولارات لزبائنها بسقف ٣٠٠دولار بالشهر الى اشعار آخر.
١١- يستمر العمل بالتعميم ١٦١ لمعاشات القطاع العام.
١٢- يستمر مصرف لبنان بتسديد الدولارات النقدية التي باعها قبل هذا البيان والتي لم تسدد لحينه”.
وبعد صدور تعميم سلامة سجل تراجع فوري في سعر الدولار الى سقف ال 79 الف ليرة.
- صحيفة الجمهورية عنونت: الدولار يسرّع الإنهيار.. الحراك الديبلوماسي: لا شيء.. واشنطن لتعطيل تمويل الحزب
وكتبت “الجمهورية” تقول: لم يكن في ذهن أي لبناني أن يصل الى ما وصل إليه من سوء وبؤس واهتراء، لم يكن في ذهنه أن يصبح يوماً، كما هو حالياً مشروع مَيت، يشعر انّه قد خسر عمره، وآخرته قد دنت. لم يكن في ذهنه يوماً أن يصل، كما هو حاله اليوم، الى لحظة يعتبر فيها أنّ العدو الخارجي أرحَم على لبنان واللبنانيين من عدوّ داخلي يخطف البلد وأهله، ويُمعن بسياسته الخرقاء وأنانياته الحاقدة وارتهاناته المجرمة، عبثاً وتخريباً وفتكاً بلبنان، الذي وصل مع هذا العبث التدميري إلى آخر مراحل انزياحه من مكانه على خارطة الوجود.
الآثار التدميرية لتلك السياسات صارت مُعمّمة على البلد من أدناه الى أقصاه، كوارث تتوالى من الاخطر الى الافظع، والمواطن اللبناني كأنه مسلوب الإرادة، مشلول العقل والتفكير، لا يعرف ما الذي يزرع في نفسه الصّبر والتحمّل حتى الآن، بات يشعر أنّه اقترب من آخر المشوار؛ لا مناعة، لا حصانة، لا سياسة، لا اقتصاد، لا مال، لا أمان، وآلة التدمير شغّالة على مدار الساعة، عاهدت نفسها على ربط الشعب اللبناني البائىس بإطلالة يومية على كارثة جديدة، وحَبسه في نفق الدولار الذي بدأ يطرق باب المئة الف ليرة، وتركه فريسة مشلولة لا حول لها ولا قوة، بين أنياب عصابات التشليح.
الصورة الداخلية فلتان شامل من دون إعلان، دولار السوق السوداء سكين يذبح بالنّاس، ورفع الدولار الجمركي الى 45 ألف ليرة، شرّع الباب واسعاً امام هيستيريا الاحتكار والاسعار، مسار مكمّل الى الأسوأ، فيما هنود السياسة الحمر يتبادلون أنخاب التعطيل على موائد الممدودة على طول وعرض حساباتهم ومصالحهم، فوق جثة البلد.
فلتان العصابات، يقابله فلتان سياسي أطلق العنان لرقصة متواصلة حول نار الأزمة، وليس من بين الراقصين من يحاول ان يلقي عليها قطرة ماء لإطفائها. في هذا الفلتان ضاعت رئاسة الجمهورية، وشلَّ المجلس النيابي، وحكومة تصريف الأعمال بالكاد تفرض نفسها بدلاً عن ضائع. أما معطّلو الحياة في لبنان، فأثبتوا انهم النقيض للدولة، ومجموعة أسافين مغروسة عنوة في الهيكل اللبناني مصدّعة لأسسه، وفاقوا نظراءهم في كل دول العالم، حتى في ما توصف بأنها الدول الأكثر ظلما وتخلفا، بأنّهم الأكثر جدارة في التراخي واللامبالاة، والنفاق والتكاذب والغش، وتخدير الناس بشعارات مهما زيّنت وجمّلت بديباجات ومضامين برّاقة، لا تنفي حقيقة انهم عراة بالكامل، بينهم وبين الشعور الوطني، والحس بالمسؤولية مسافات زمنية طويلة.
في هذا الجو، ما من شك أنّ القيامة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، فالدولة في موت سريري على شفير موت حقيقي، وليس من يردع عصابات التشليح والافقار التي لم تعد أمامها أي محرّمات. وليس ما يجمع، او من يجمع، بين مكونات التعطيل ويقودها طوعاً أو كرهاً الى ضفة العقل والتسهيل. وهو الأمر الذي يُخشى أن يؤسّس لمنحدرات أكثر خطورة وعمقاً مما نشهده في هذه المرحلة، وهو ما اشارت اليه تحذيرات متجدّدة أطلقتها المؤسسات المالية الدولية من «انّ عدم انتظام الواقع السياسي في لبنان، بانتخابٍ عاجل لرئيس الجمهورية وتشكيل حكومة مهمّات واصلاحات، سيعجّل بالانهيار الشامل فيه ما يجعل الواقع في لبنان امرا ميؤوسا منه بالكامل، وتتعاظم فيه مأساة الشعب اللبناني».
وكشفت مصادر مالية موثوقة لـ»الجمهورية» ان التقرير أعدّته مؤسسة مالية دولية حول الدول الأكثر تأزماً في العالم، قاربَ وضع لبنان بسلبية غير مسبوقة، حيث أدرج هذا البلد تحت خانة «خطير جدا»، وألقى باللائمة على السياسيين «في مماطلتهم امام متطلبات الازمة في بلدهم، ومفاقمتهم الظلم على الشعب اللبناني، ومراكمة الاسباب الدافعة الى الانهيار المتسارع في لبنان»، وينتهي الى خلاصة شديدة الخطورة مفادها «انّ لبنان بلغ الوقت الصعب جدا، وبات مهددا بواقع كارثي في المدى المنظور، يحتل فيه مرتبة الدولة الأشد فقراً في العالم».
شهر الانهيار
وسألت «الجمهورية» مسؤولا كبيرا عما إذا كان في الامكان المبادرة الى اي خطوة جدية تمكنّنا من الصمود، فجاء جوابه محبطا، حيث قال: «الوضع السياسي صفر مكعّب، فلا شيء جديداً على الاطلاق، لا يريدون الحل، ولا يريدون انتخاب رئيس الجمهورية، بل لا يريدون جمهورية ولا يريدون مؤسسات تعمل، يريدون كل شيء معطلاً. المشكلة عندنا، وارادة التخريب عندنا وليس في اي مكان آخر».
- صحيفة الأنباء عنونت: فوضى أسعار الصرف تنذر بارتفاع نسبة الفقر.. لا حلّ من دون استقرار وخطة انقاذ
وكتبت تقول: لا صوت يعلو على الدولار في صعوده أو هبوطه بسحر ساحر، فهو الحاكم الأول بأمره وبيوميات اللبنانيين ولقمة عيشهم، حتى باتت حياتهم مربوطة بمشيئته وتحكّمه بكل القطاعات دون استثناء، لا سيما وقد تم تشريع الدولرة رسمياً في تسعير السوبرماركت بدءا من يوم أمس.
رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر صوّر المشهد القائم بالكارثة التي تصيب لبنان نتيجة تخبط المسؤولين وانشغالهم بإجراءات غير مدروسة وردود فعل كيدية أوصلت البلاد الى هذا المنحى الخطير.
وبرأي الأسمر فإنَّ ما نشهده اليوم هو نتيجة السياسة الخاطئة التي اتبعت لتمويل الزيادات في القطاع العام، معتبراً في حديث لجريدة الأنباء الالكترونية أنَّنا كنا من الأساس ضدّ هذه الزيادات وفرض الضرائب، واعداً بالتحرك بطرق علمية ومدروسة لمواجهة الأزمة على أن تأتي بثمارها المرجوة بعيداً عن تسجيل المواقف.
وفي المقابل، لفتَ الأسمر إلى أن أسئلة كثيرة تطرح لا بد من التوّقف عندها، مشيراً الى قطاعات عدّة متوقفة عن العمل، ومن بينها القطاع التعليمي رغم محاولة الوزير الدؤوبة إلّا أن لا تغيّر في المشهد ما قد يهدّد السنة الدراسية، هذا بالإضافة إلى اضراب القطاع العام المُستمر منذ أكثر من ستة أشهر دون أيّ نتيجة.
واستطرد الأسمر قائلاً: لذلك قلنا ان هذه الاجراءات التي اتخذت لم ترضِ جزءً من القطاع العام، لأن المشكلة تكمن بتمويل الخزينة، متسائلاً كيف لدولة ان تستمر ومصادر تمويلها معطلة ومتوقفة عن العمل، فلا دوائر عقارية ولا نافعة ولا مصلحة تسجيل سيارات ولا تربية ولا صحة ولا معاينة ميكانيكية ولا جباية ضرائب.
واعتبر الأسمر أنَّ هذا النموذج من الاضراب لا يؤدي مفاعيله، مبدياً تخوفه من الدعوة للإضراب والنزول الى الشارع دون الوصول الى النتيجة المتوخاة، ومعرباً عن خشيته من انفجار أمني في ظل الأوضاع السائدة، فالتفلت السياسي القائم يمكن أن يؤدي الى تفلت أمني، واعداً بأن قرار تصحيح الأجور سوف يصدر في الجريدة الرسمية هذا الاسبوع.
أمّا في موضوع الدولرة وارتفاع الدولار الجمركي، أشار الخبير المالي والاقتصادي انطوان فرح في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية الى أن سعر الدولار في السوق السوداء مصطنع وهو أدنى من سعره الحقيقي، خاصة عندما كان مصرف لبنان يتدخل دائماً للحد من ارتفاعه، وكيف تدخل بقوّة في كانون الأول 2022 للجم الدولار عن الارتفاع بسرعة، لكنه ما لبث وانكفأ من السوق وبدا الدولار يرتفع بسرعة ليأخذ سعره الحقيقي في السوق السوداء، وهذا ما حصل مؤخراً.
وربطاً بموضوع رفع الدولار الجمركي الى 45 ألف ليرة، ولو كان هذا الكلام غير شعبي، أشارَ فرح إلى ان الحقيقة عندما كان الدولار الجمركي 15 الفاً كان سعر الدولار في السوق السوداء يتراوح بين 30 الى35 الفاً بما معناه ان الدولار الجمركي يساوي50 % من سعر الدولار الحقيقي، أمّا اليوم مع رفعه الى 45 الفاً وسعر الدولار وصل الى 90 الفاً، قبل انخفاضه مجدداً، وقد يرتفع الى 100000 ألف، فإنه ما زال بمعدل50 % من سعر الدولار، وبالتالي النسبة ما تزال هي نفسها، علماً أن الأسعار بالدولار لا ترتفع، لكن الأسعار بالليرة سترتفع حتماً والمواطن الذي يتقاضى بالليرة ولا تزال رواتبه بحدود الدنيا لا شك انه سيعاني من تراجع اضافي في قدراته الشرائية وسوف يزداد منسوب الفقر في البلد.
وعليه هذا المشهد الأسود والتلاعب بأسعار الصيرفة لن يتغير ولن تبدأ مسيرة وقف الانهيار الا عندما نصل الى خطة انقاذ والى مشهد سياسي واقتصادي مستقرّ، وفق فرح، الذي أكّد أنّه عندها فقط يمكن أن نأمل أننا بدأنا الخطوة الأولى من مسافة الالف ميل للإصلاح الاقتصادي.