قالت الصحف: الدولار الأميركي يحرق وسط بيروت
الحوارنيوز – خاص
كل الإجراءات التي أعلن عنها نهارا لم تقنع غالبية اللبنانيين الذين نزل بعضهم أمس ليرفع من وتيرة الإحتجاجات التي بلغت أمس حرق عدد من المحال التجارية والأبنية الفارغة.
كيف عكست الصحف أجواء أمس وماذا في معلوماتها؟
• صحيفة "النهار" عنونت:" الحاكم رهينة والاحتياط ينزف" وكتبت تقول:"على رغم "المهابة" التي حاول أركان السلطة إظهارها في مشهد الاستنفار الرسمي غير المسبوق لمواجهة أزمة الارتفاع الناري لسعر الدولار الأميركي ازاء الليرة اللبنانية غداة اشتعال الشارع غضباً وقلقاً واحتجاجاً على تفلت الواقع المالي فإن خلاصات، هذا الاستنفار ونتائجه لم تقدم جديداً حاسماً فعلاً من شأنه ضمان احتواء الأزمة، أقله على مدى متوسط، كما لم تسقط الصراع السياسي الذي اختبأ وراء الاستنفار الذي دار حول مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وبرزت في هذا السياق معطيات جدية عن سيناريو ارتسمت معالمه منذ يومين وبدا معه أن ثمة اتجاهاً لدى العهد وقوى سياسية أخرى في الحكومة الى إقالة حاكم مصرف لبنان كثمن للتدهور الأخير لسعر الليرة، في حين أن هذا الاتجاه كان يرتبط عملياً بما وصف بإكمال عملية السيطرة لتحالف سياسي أحادي على حاكمية مصرف لبنان بحيث يُسقط الحاكم بعدما حوصر بالتعيينات المالية الأخيرة التي جاءت بأربعة نواب من ألوان سياسية مناهضة لسياساته كما للقوى التي تدعمه داخلياً وخارجياً. وتشير هذه المعطيات الى أن توقيت انفجار تطورات ارتفاع سعر صرف الدولار غداة صفقة التعيينات التي ظهرت عبرها السلطة في أسوأ صورها إطلاقاً أمام الرأي العام الداخلي كما الدولي رسم علامات شبهة كبيرة حيال هذه "المصادفة"، وإن يكن أركان الحكم والحكومة حاولوا أمس رمي كرة الانهيار الجديد الواسع لسعر الليرة ازاء الدولار على "مجهولين" من خصوم السلطة.
لكن الوقائع المتوافرة تكشف أن محاصرة حاكم مصرف لبنان وتصاعد حملة التهويل الاعلامية التي سبقت انعقاد جلستي مجلس الوزراء في السرايا قبل الظهر وفي قصر بعبدا بعد الظهر كانت لها الى مفاعيل بالغة السلبية انقسمت معها القوى الممثلة في الحكومة بعدما تصاعدت المخاوف من ارتدادات سلبية اضافية يصعب التكهن بحجمها الواسع في حال الاقدام على إقالة سلامة وتعريض الواقع المالي والنقدي والمصرفي لهزة خطيرة وعميقة لن تقف تداعياتها عند الحدود الداخلية بل ستتجاوزها الى أصداء خارجية قد تكتسب طابعاً شديد الخطورة أيضاً. لذا تراجعت مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء الثانية كل الحملة والايحاءات التي كانت مركزة على حاكم مصرف لبنان، علماً أن وزراء تحدثت معهم "النهار" قبل الجلستين كانوا أفصحوا عن مخاوفهم من "كلمة السر" لإطاحة سلامة في الجلسة الثانية أي في قصر بعبدا وليس في السرايا. لذا شكّل الموقف الذي تعمد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يعلنه من بعبدا بالذات بعد الاجتماع الثلاثي الذي عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس بري ورئيس الوزراء حسان دياب بيضة القبان الحاسمة في نزع موضوع إقالة سلامة من التداول كما في تهدئة الأسواق المالية ونزع الرهانات على ارتفاع جديد للدولار من المشهد المحتقن. وأعلن بري الاتفاق بين الرؤساء على "أولاً: خفض قيمة الدولار ازاء العملة اللبنانية ابتداء من اليوم (امس)، ولكن حقيقة سيبدأ ذلك من الاثنين، الى ما دون 4000 ليرة للدولار، وصولاً الى 3200 ليرة لبنانية للدولار. هذا الامر سوف يحصل. الموضوع الثاني الذي اتفق عليه، هو مخاطبة صندوق النقد الدولي بلغة واحدة، برعاية المجلس النيابي".
• صحيفة "الأخبار" كتبت:" حزب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة هو الحزب الأقوى في لبنان. بمجرّد أن تنفّس أحد ما بنقاش إقالته، استنفر الجميع، الرافضون من عوكر إلى «بيت الوسط»، والراغبون يتمنّعون خوفاً من انهيار آتٍ، بوجود سلامة أو غيابه
هكذا هو الحال إذاً، في بلد أنجح حاكم مصرف مركزي في العالم: العملة تنهار، والاقتصاد ينهار والدولة تنهار والشعب يجوع ويئنّ ويموت، ويبقى رياض سلامة واقفاً، ويقول للجميع: «لا فيكم تشيلوني، لا فيكم تخلّوني».
إنها معادلة الاقتصاد «المدولر» والمنتفخ بلا زراعة ولا صناعة ولا تنمية مستدامة، تلك التي تُوصل موظّفاً، مرضياً عليه أميركياً، أو مُودعاً من واشنطن على رأس القطاع المصرفي اللبناني، أحد أكبر مراكز التأثير الاقتصادية الأميركية في لبنان والمنطقة. فالذين يعتقدون أن دولارات سلامة الممنوعة، تفعل فعلها في لبنان وحده، مخطئون. إنه «أثر الفراشة» يرتدّ عبر المصارف اللبنانية من بيروت إلى أربيل ومن دمشق إلى عمّان، على أعتاب نهاية عصر وبداية عصرٍ جديد. فرياض سلامة ليس شخصاً، بل دَور.
قبل يومين، صعد الدولار إلى 7 آلاف ليرة في السوق، الجامد أصلاً، في ارتفاع مدمّر لأي قدرة للبنانيين على الصمود ربّما لأسابيع مقبلة، فانفجر الشارع ولم يهدأ من وقتها، ولن يهدأ. وبالأمس، امتد مسلسل الاحتجاجات وقطع الطرقات وتطوّر الأمر في بيروت وطرابلس إلى حرق مصارف ومبانٍ في وسط مدينة بيروت، وكرّ وفرّ مع الجيش اللبناني. ووسط هذا، تُنهك المؤسسة العسكرية من شارع إلى شارع على مساحة لبنان، وهي الواقعة بين ضرورتَي حفظ الأمن وضبط الانفلات الأهلي بكلّ أشكاله، وبين غضب الناس المتألمين من فقدان أبسط مقوّمات الأمن الغذائي والاجتماعي والسياسي مع كمّ يسير من اليأس. وصار القلق على المؤسسة مضاعفاً، من قوى الداخل وبعض قوى الخارج، التي تخشى تراجع قدرة الجيش على لجم الفوضى مع تطوّر الأزمة وامتدادها وتأثر مداخيل العسكريين.
الوقائع السياسية في اليومين الماضيين، عادت لتؤكّد أن «حزب سلامة» هو الحزب الأقوى في البلد. فعلى الرغم مما قيل عن قرار بإقالته، وانقسامات حوله بين الكتل السياسية، فإن أحداً لم يطرح مطلب إقالة سلامة، بل كلّ ما جرى هو مشاورات حول الطريقة التي من الممكن فيها إيقاف انهيار الليرة وارتفاع الدولار، ومن ضمن هذه المشاورات، احتمال الإقالة. وبحسب المعلومات، فإن الرئيسين ميشال عون وحسان دياب والوزير السابق جبران باسيل أجروا قبل أيام اتصالات بالرئيس نبيه بري وحزب الله وآخرين للتشاور حول آليات وقف انهيار الليرة، وجرى السؤال إن كان بإمكان هذه الخطوة أن تجمّد الانهيار. وجاء ردّ حزب الله وبرّي محدّداً أن كل الخيارات مفتوحة، لكن يجب أن تكون هناك بدائل وضمانات بأن لا يتم رفع سعر الدولار بشكل متسارع وتنهار الليرة بأضعاف، ما يفجّر فوضى شاملة في البلاد.
وليل الخميس – الجمعة، تمّ الاتفاق بين القوى الرئيسية على تأجيل البتّ بمصير سلامة والضغط عليه لضخ دولارات في السوق لتهدئة الليرة وإعادتها إلى حدود أدنى، وعقد اجتماع بين الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا قبل جلسة مجلس الوزراء.
وعدا عن مداخلة وزيرة العدل ماري كلود نجم النارية ضد سلامة خلال الجلسة، فإن نقاش الإقالة لم يُطرح خلال الجلسة، بخلاف ما جرى الحديث في الإعلام في ساعات بعد الظهر.
لكنّ حزب سلامة ممتّد محليّاً ودوليّاً، وبمجرّد أن شعر الحاكم بأن نقاشاً حول إقالته قد فتح، حتى استنفر حزبه للدفاع عنه والتهويل بانهيار الليرة. طبعاً، لا يمكن أن تترك السفيرة الأميركية دوروثي شيا سلامة من دون دعم متجدّد. وإن كان عدم إعادة تعيين نائب الحاكم السابق محمد بعاصيري في التعيينات الأخيرة، قابلته ضغوط أميركية انعكست كجزء من أسباب ارتفاع سعر الدولار، فإن أي تفكير في إقالة سلامة شبّهته شيا بطريق من دون «خط رجعة» وتكفّل جماعة السفارة بنشر التهديد هنا وهناك، مقابل لباقة ودبلوماسية مفرطة أمام عون في بعبدا قبل يومين، مع تبريرات بشأن ما نُشر عن مشروع لمعاقبة حلفاء حزب الله، أبرزهم بري وباسيل.
ومع أن سلامة خضع أمس لضرورة ضخ دولارات في السوق لتهدئة انهيار الليرة، إلا أنّه تراجع عن قراره بالرفض سابقاً، بأن هذا الإجراء مؤقّت وأن السعر سيعود إلى الارتفاع مجدداً وسيضطر لضخ المال مجدداً.
• صحيفة "الجمهورية" عنونت:" صدمة الخميس تربك السلطة فتستعين بضخ الاحتياط … والشارع لإسقاطها" ،وكتبت:" صار من الصعب معرفة اتجاه الرياح السياسية والاقتصادية والمالية في لبنان؛ كرة النار تتدحرج على طول المشهد الداخلي وعرضه، الشعب اللبناني بكل فئاته في منتهى الغضب والهريان المعيشي، والبلد يفتقد الضابط لايقاعه والكابح لاندفاعته الانحدارية نحو المصير المجهول. اما السلطة واهلها، فكمن على رؤوسهم الطير في حالة صدمة وذهول، وبنك الحلول والمخارج الجذرية مفلس مثلها، تغطيه بالتذاكي على اللبنانيين بعلاجات مؤقتة، كمثل ضخ دولارات احتياط المصرف المركزي، وهو الامر الذي يُخشى معه ان يكون مصير الاحتياط كمصير ودائع اللبنانيين التي تسعى الى السطو عليها.
لم يعد ينفع الاختباء خلف الإصبع، او دفن الرؤوس في رمال الأزمة ووحولها، فلبنان كلّه صار على المنحدر، ولحظة السقوط المريع في الهاوية المميتة توشك أن تحين؛ وحده اللبناني يدفع الثمن غالياً جداً، من سياسات سلطة مصالحها ومكاسب اتباعها فوق سائر فئات الشعب، ولا تجسّد الانتماء الى الواقع، والى ما يعانيه، بل تجّسد الشراكة الكاملة في الجريمة التي تُرتكب بحق البلد، بتقمّصها أدوار، ما وصفتها هي بـ"السياسات السابقة المسبّبة للأزمة"، وانتهاجها سياسة الافقار الجماعي بأداء خلا من الصدقية، مرتكز على نرجسيّة متورّمة لدى بعض مستوياتها، وعقلية استعلاء وغرور واعلى درجات الاستهتار بالشعب اللبناني الجائع، وعجز تغطّيه بإصدار شيكات تخدير بوعود واكاذيب وهرتقات وديباجات لغوية من درر الكلام، وكلها شيكات مرتجعة بلا رصيد.
إرباك السلطة
ما حصل في اليومين الماضيين، لم يكن مجرّد جرس إنذار، بل كان النتيجة الطبيعية لتلك السياسات، واثبت انّ السلطة لا تتحرّك الاّ تحت وقع الصدمة، لتبدأ بعد وقوع الواقعة في البحث عن الخطوات الوقائية.
وإذا كان ارتفاع سعر الدولار بالشكل الجنوني الذي حصل امس الأول، قد أحدث صدمة كبرى على المستوى الشعبي، عبّرت عنها التحرّكات في الشارع في اكثر من مكان، إلاّ أنّه شكّل في الوقت نفسه عاملاً ارباكياً للسلطة على كلّ مستوياتها، والسرايا الحكومية عاشت ليل الخميس – الجمعة لحظات صعبة وحرجة جداً، على حد توصيف مطلعين على الاجواء الحكومية، وهو الامر الذي حرّك اتصالات مكثفة على الخطوط الرئاسية كلّها، واكثر من مرة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب. وايضا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وبحسب المعلومات، فإن تشخيص المستويات الرئاسية لما جرى، تقاطع عند فرضيّة وجود مؤامرة خبيثة لزعزهة استقرار لبنان سياسياً ومالياً، جرى التعبير عنها الخميس بالرفع المريب لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، بالتوازي مع استغلال نزول المواطنين الى الشارع، لترويج سيناريوهات خطيرة لا تمّت الى الواقع بصلة، كمثل الحديث عن إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، او إستقالة الحكومة والذهاب الى حكومة وحدة وطنية، او الى حكومة عسكرية.
وفيما اكّدت مصادر سياسية مطلعة لـ"الجمهورية"، انّ طرح تشكيل حكومة الوحدة الوطنية او غيرها من الحكومات، ساقط سلفاً، كون استقالة حكومة الرئيس حسان دياب ليست واردة او مطروحة، وكذلك الامر بالنسبة الى طرح تشكيل حكومة عسكرية، الذي لا ينطبق اساساً على الواقع اللبناني"، بدا جلياً انّ طرح حكومة عسكرية ليس مستساغاً لدى "الجهات المعنية"، بل هو طرح مرفوض جملة وتفصيلا، باعتباره طرحاً مشبوهاً، ودعت الى "عدم زجّ المؤسسة العسكرية في أمور لا تعنيها".
وتؤكّد المعلومات انّ تشخيص المستويات الرئاسية خلص الى "ادراج احداث الخميس، في سياق مسلسل الاستهداف المباشر للحكومة، الذي دأبت عليه بعض الجهات الداخلية، من دون إغفال العامل الخارجي الراعي لهذا الإستهداف".
وتشير المعلومات، الى اتصالات مكثفة حصلت في الساعات الماضية بين السرايا الحكومية والمراجع العسكرية والأمنية على اختلافها، والهدف الاساس هو منع انفلات الشارع، إلا أنّ الاساس في هذه الاتصالات كان الطلب المباشر بضرورة التقصّي لتحديد المتلاعبين المباشرين وغير المباشرين بالدولار، وكذلك المروجين لهذا الارتفاع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت مصادر امنية مسؤولة لـ"الجمهورية": انّ لدى الاجهزة الامنية على اختلافها، صورة واضحة ودقيقة حول كل ما جرى، وكل المتلاعبين بالدولار باتوا معروفين وبالاسماء، وستتخذ الإجراءات القانونية العقابية في حقهم.
ورداً على سؤال عمّا يمنع الكشف عن اسماء المتلاعبين، اكتفى المرجع بالقول: "كل شيء في وقته حلو".
وحول صحة ما يُقال عن انّ جانباً اساسياً من ازمة الدولار الخميس مرده الى دور سوري في تكثيف الطلب على الدولار عبر بعض السماسرة والصيارفة قالت المصادر: "لا نستطيع ان ننفي ذلك".