رأي

“بو تمكين” أو غريغوري لبنان(حيان حيدر)

 

د.حيان سلیم حیدر- الحوار نيوز

 

إذ نحن في خضم الحرب في أوكرانيا وبشكل خاص في محيط شبه جزيرة القرم، يأخذني الأمر إلى ما كان في غابر الأيام، قد ذهب مثلا تحت عنوان قرية بوتمكين Potemkin Village

 

والحدث يشير إلى مجسم لقرية نموذجية (مركبة ومتنقلة) أقيم على ضفاف نهر دنيبر Dniepr في العام 1787 لسبب واحد ألا وهو لإثارة إعجاب الأمبراطورة الروسية كاترين الثانية Catherine II من قبل عاشقها السابق غريغوري بوتمكين Grigory Potemkin وذلك خلال رحلتها إلى جزيرة القرم. وتضيف القصة أنّه كان يتم تفكيك مجسم القرية وإعادة بنائه في موقع آخر بشكل مغاير، أعلى النهر في مواكبة مستمرة لرحلة المعشوقة وذلك فقط لغايات تأثيرية إضافية. وذهبت القصة مثلا أدبيا وسياسيا عالميا.

 

أما في السياسة وفي الاقتصاد وغيرها من المجالات، أصبح بناء قرية بوتمكين يشير إلى أيّ بناء (بالمعنيين الحرفي أو المجازي يكون له غاية وحيدة ألا وهي الإبهار من طريق تأمين واجهة مخادعة لبلد (موضوع عمل شيء هو فاشل فعليًّا، بغية إيهام الغير من الناس، أن البلد الموضوع، العمل، الشيء) بألف خير … ولا يهمك… وهل يذكركم الأمر ببلد ما؟

 

لا شك أن هذا المثل أصبح مثالاً يعتمد ويتكرّر في كل بلد وبشر وبيئة وحالة وزمن وموضوع. أما في بلدك لبنان… الكبير … الفريد… الغير شكل (تلفظ باللكنة المناطقية المناسبة)؟

 

لقد فهمنا الموضوع على أنه بلد بو تمكين ،أي “أبو” “تمكين” من الأبوات، من التمكن، فالتمكين المطلق من الشيء. فهو أداة لتمكين أي حاكم غريغوري بأي موضوع، فئة جهة، قطاع، مشروع… ويمكن للقارىء إضافة أي شيء يفكر فيه وسهينا عن ذكره.

ونبدأ

كل طائفة بات لديها قرية نموذجية تعرض من خلالها “مفاتنها، ومعها كل حزب وكل زعيم وحسب وصف الشاعر: زعيمها جلادها وأمينها جاسوسها ” (“) …

 

كل قطاع أيضا ريعي، إنتاجي، إحتكاري… بمعنى: “… إن ساد أحمقها وعز خسيسها ” (“)

 

وكل مشروع أصبح له قريته النموذجية : إنمائي، إنتمائي خارجي، كُن فيديرالي (فيكون) تقسيمي… كما كل مفهوم دولة له مدينته الفاضلة جماهيري، نسبي، برلماني دستوري قانوني.

 

وكل مما سبق ذكره وذكرهم يحكمه غريغوري ولهان متشوق لاستقبال كاترينه الثانية: دول إستعمارية بنوك وصناديق وإستثمارات دولية خارجية، على أنواعها، أعضاء مجالس أجنبية….

 

وهل يحتاج الشرح إلى إستفاضة؟

 

ونعاجلكم بالخلاصة: من أهم إستعمالات القرية ألبو” “تمكينية هذه ما بات يعرف بواجهات من نوع بناء الصورة Image building والتي تبرع في تقديمها الشركات “ذات الاختصاص” للتغطية على الفساد في كل وقت ومجال وموضوع، حيث يرفع الفاسد واجهة قريته النموذجية أمام المراقب والمستثمر والمحاسب والناس، وسرعان ما يفككها ليبنيها من جديد، على شكل أجمل، في مجال أنفع … بحلة أفسد حتى أنه يخال لكم أن الشاعر قد قصدهم بالقول:

 

” هبطوا الجحيم فَرَدَّهم بوابها

إذ خاف من إبليسهم إبليسها ” (“)

هنيئا لكم “بو تمكيناتكم” يا غريغوريو لبنان.

 

بيروت، في 26 تموز 2023م.

 

حيان سليم حيدر

 

(1) من قصيدة الشاعر الأخطل الصغير (بشارة الخوري)، ألقاها في رثاء صديقه وديع عقل في صالة التياترو الكبير في العام 1933 أيام الإنتداب الفرنسي.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى