سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف :أجواء التفاؤل تسابق الانهيار الاقتصادي

الحوار نيوز – خاص

أجواء التفاؤل والإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة تسابق الانهيار الاقتصادي،وهو ما عكسته الصحف الصادرة صباح اليوم السبت،وسط الكثير من الأسئلة الحائرة.


• كتبت "النهار" تقول:اذا كان لحصيلة يوم الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري، امس في مجلس النواب، ان ترسم المعالم الأولية لمسار انطلاق عملية تأليف الحكومة، فيمكن القول انها بالتصريحات والشكليات على الأقل، اتسمت ببدايات حذرة لتبديل المناخ المشدود، وهو ما أظهره معظم المعنيين، كما معظم الكتل النيابية، في الحرص على تبديد الأجواء التشاؤمية الضاغطة في البلاد. واذا كانت التصريحات والشكليات والصور الباسمة لا تكفي حتما للتكهن بمسار مسهل في تأليف الحكومة، فان ذلك لا يحجب في المقابل الأثر الإيجابي الذي اعقب تكليف الحريري والرهانات المعقودة على تأليف سريع لحكومة اختصاصيين ذات صفة انقاذية بدليل التراجع الملحوظ المطرد في سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي سجل قفزة تراجعية بارزة امس الى ما دون سقف الـ 7 الاف ليرة وراوح ما بين 6800 و6900 ليرة . ولعل العامل اللافت الذي برز بعد 24 ساعة فقط من تكليف الحريري وإنجاز الاستشارات النيابية للتأليف امس في مجلس النواب، تمثل في عزم الحريري على استعجال الزخم الذي ينبغي ان يرافق تكليفه بحيث يبدو وفق المعلومات التي توافرت لـ"النهار " ان الرئيس المكلف سيسرع خطوات التأليف بمنحى مخالف لكل تجارب التأليف السابقة بما يعكس انه قد يكون انجز وضع تصوره لمسودة حكومة الاختصاصيين التي عاود التشديد امس على عزمه تشكيلها. ولم يكن ادل على اعتزام الحريري عدم التأخير في تأليف الحكومة من إعلانه مساء عقب انتهاء الاستشارات في ساحة النجمة انه سيزور قريبا رئيس الجمهورية ميشال عون للتشاور في نتائج الاستشارات التي اجراها.


اما العامل الاخر الذي اكتسب دلالات مهمة فبرز في تشدد الحريري في تكرار تعهداته المتصلة بالتزام الإصلاحات الواردة في المبادرة الفرنسية بحذافيرها. وهو وإذ وصف لقاءاته بالكتل والنواب بانها "كانت إيجابية" وجرى خلالها التركيز على الإصلاحات دعا الى "التعامل مع هذه الفرصة بإيجابية بحيث نضع خلافاتنا جانبا". وشدد مجددا على انه سيشكل حكومة اختصاصيين "تقوم بالعمل وفق الورقة الإصلاحية الفرنسية". وبعدما استعرض الوضع الاقتصادي المتدهور في جميع القطاعات تعهد الا يحيد عن أي اصلاح مذكور في الورقة الفرنسية قائلا "وعدي لكم لن ازيح عن الإصلاحات الواردة في الورقة الفرنسية".


مسار سريع


عمليا ستنطلق في الساعات المقبلة المشاورات التي سيشرع فيها الحريري وسط معطيات تشير الى ان إنجازه للتركيبة الحكومية التي اعد تصورها سيكون سريعا الى حد توقع قيام الحريري اليوم السبت بزيارته الأولى بعد الاستشارات النيابية التي اجراها أمس للرئيس عون والشروع في تداول الأفكار والتصورات التي كونها الحريري حيال الحكومة الجديدة. وإذ يبدو واضحا ان الحريري يعتمد دينامية سريعة واستثنائية لتشكيل الحكومة ستبدأ مسألة اختبار النيات تطرح على المحك مع اثارة الاستحقاق المتصل بنقطتين أساسيتين يبدو انهما طرحتا امس في عدد من اللقاءات التي اجراها الحريري مع الكتل: موضوع حجم الحكومة التي يميل الحريري الى ان تكون مصغرة وربما من 14 وزيرا فيما يرجح ان يلقى ذلك معارضة رئيس الجمهورية الذي يفضّل تركيبة من 24 وزيرا على غرار حليفه "حزب الله "وأخرين. وموضوع تسمية الوزراء وكيف ستكون آلية التوافق على تعيينهم وتوزيع الحقائب بين الرئيس المكلف والكتل النيابية في وقت يتمسك الحريري بتركيبة اختصاصيين.


هذا الاستحقاق سينطلق عمليا في الساعات المقبلة. وقد سلطت الأضواء امس على اللقاء الأول منذ استقالة الحريري قبل عام الذي جمعه ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل على رأس وفد "تكتل لبنان القوي" والذي وصفته الأوساط القريبة من باسيل بانه كان وديا، فيما وصفه باسيل نفسه علنا بانه تناول حديثا "منفتحا ومسؤولا ما يؤكد الا مشكلة شخصية ابدا". وقال "نحن إيجابيون الى اقصى الحدود وهمنا تشكيل الحكومة بأسرع وقت"، لافتا الى ان "لا شروط لدينا سوى معايير واحدة للجميع ونطالب بان تكون الحكومة تكنوسياسية وننتظر ما سيقرره الرئيس عون والرئيس الحريري". وإذ برز شبه اجماع نيابي على المطالبة بتسريع تشكيل الحكومة شددت "كتلة الوفاء للمقاومة" على "ضرورة التفاهم مع كل الكتل لسرعة تنفيذ القرارات" ونصحت بان يكون لكل وزير حقيبة "والا نذهب الى حكومة مصغرة بل ان تكون من حوالي 24 وزيرا". وفي المقابل حضت كتلة "اللقاء الديموقراطي" على تشكيل حكومة اختصاصيين داعية "البعض الى عدم عرقلة تأليف الحكومة". اما كتلة "الجمهورية القوية" فأعلنت انها لا تطلب شيئا وشددت على حكومة مستقلين اختصاصيين ونبهت الى محاذير متاهة توزيع الحقائب على الافرقاء السياسيين .


• وكتبت "الاخبار" تقول:غلبت "الإيجابية" على الاستشارات النيابية غير المُلزمة لتأليف الحكومة، بعد أسابيع من المُناوشات بين القوى السياسية، ولا سيّما على جبهة التيار الوطني الحرّ – تيار المستقبل. فجأةً، الجميع يُريد "التوافق"… حول تقسيم الحُصص داخل الحكومة. فيما الأساس يكمن في إعلان كلّ فريق حقيقة موقفه من الإصلاحات المالية – النقدية: هل سيُضحّى مرّة جديدة بمصالح المواطنين والأملاك العامة لحساب أصحاب المصارف وحلفائهم السياسيين؟


أمّا وقد انتهت مرحلة التكليف، مع ما يُرافقها من مُشاورات نيابية غير مُلزمة لتَعرض الكُتل النيابية طلباتها في السوق، يُمكن العودة إلى النقطة الأساس في كلّ الحديث عن تأليف الحكومة الجديدة. الموقف المُطالبة به الكُتل النيابية الوازنة، ليس نزاعها حول "حصّتنا وحصّتهم" و"حقوق الطائفة" وغيره من العناوين التي لا تؤدّي سوى إلى السباحة في البُحيرة المُوحلة نفسها. فـ"القيمة" الحقيقية لكلّ النقاش تكمن في عَرض الكُتل صراحةً لبرامجها الاقتصادية – المالية، وكيف ستُقاتل لفرضها، إن كانت تُريد فعلاً إيجاد حلّ مُستدام، قوامه وضع استراتيجية حماية اجتماعية – اقتصادية، تُوفّر الأمان لكلّ الفئات المُتضرّرة من الانهيار، والبحث ليس فقط عن تعويم الاقتصاد، بل كيفية إعادة تحريك النموّ عبر رفد القدرات الاستهلاكية للمواطنين. كيف ستتعامل الحكومة الجديدة، برئاسة سعد الحريري، مع خيار صندوق النقد؟ وهل ستُمزّق خطّة التعافي المالي التي أقرّتها حكومة الرئيس حسّان دياب؟مقالات مرتبطة تهدئة من اليمن إلى سوريا والعراق ترخي بظلالها على بيروت: ولادة سريعة لحكومة "الأضداد"؟ ميسم رزق


الحريري: لنُحيّد كلّ اختلافاتنا السياسيّة ولنكن إيجابيّين (هيثم الموسوي)


في السنة المُنصرمة، قامت لأول مرّة حكومة لبنانية بتحديد المسؤوليات في الأزمة المالية والنقدية. عرضت الخسائر وأسبابها، ولا سيّما في القطاع المصرفي، مُقترحةً حلّاً لكيفية تسديدها. في الخطّة "إيجابيات" يُبنى عليها، ولو أنّها تضمنت "فخاخاً" عدّة، تُوجز بالـ"صندوقين": برنامج مع صندوق النقد الدولي غير مضبوط، وإنشاء الصندوق السيادي لتشغيل أملاك الدولة وعقاراتها لتسديد جُزء من الخسائر. وعلى الرغم من مُشاركة كلّ "الحاضنة السياسية" لحكومة دياب، في وضع الخطّة، إلا أنّها عادت وضُربت من "بيت أبيها". قوى مثل حركة أمل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، تُسقط "خطة التعافي المالي" من حساباتها، وكأنّها لم تكن. قوى أخرى، سمحت لبعض النافذين داخلها بأن يكونوا مطيّة لإسقاط الخطة، وتحديداً التيار الوطني الحرّ عبر النائب ابراهيم كنعان، الذي مثّل "خير حريص" على مصالح المصرف المركزي والمصارف التجارية في وجه مصالح المودعين واللبنانيين، مُشرّعاً أمامهم مجلس النواب، علماً بأنّه بعد فترة، عاد رئيس "التيار"، جبران باسيل لـ"يكتشف" خطأ إسقاط الخطة الحكومية من دون وُجود بديل لها. وبين الاثنين، يوجد فريق ثالث يُمثّله حزب الله. الأخير لم يُدافع علناً عن "التعافي المالي"، لكنّه عبر مُمثّله في لجنة "تقصّي الحقائق" النيابية، النائب علي فيّاض، كان الوحيد الذي دافع عن أرقام الخسائر الواردة فيها.


بعد سنة من دفع البلد أكثر فأكثر نحو الانهيار، عبر رفض الخطّة وإقرار مشاريع القوانين المُرتبطة بها، ثمة فريقان فقط يُظهران "إيجابية" تجاهها: حزب الله والتيار الوطني الحرّ. التحدّي الرئيسي في الأيام المُقبلة يكمن في هذا الشقّ: ما هو المشروع الاقتصادي – المالي – النقدي؟ كيف ستُحدّد الخسائر؟ من سيلتزم تعويضها؟ هل ستُستخدم الممتلكات العامة؟كيف ستُحمى الفئات الاجتماعية؟ تحديد الموقف من هذه المسائل ليس "ترفاً"، فالبلاد أمام مُعضلة، وحلّها لا يتمّ عبر "فدائها" بحصّة من هنا، و"تعاون" من هناك.


ما يُعقّد الأمور أكثر، أنّه في ظلّ موازين القوى الحالية، يوجد صعوبة – أو شبه استحالة – للإتيان بحلّ ثالث، ما يضع البلاد أمام خيارَين فقط. الأول، عُبّر عنه بـ"خطة المصارف" التي وَجدت من يُهلّل لها في مجلس النواب، وفكرتها الرئيسية هي سلب أملاك الدولة ومؤسساتها، ووضعها في صندوق لاستخدامها في تغطية خسائر أصحاب المصارف – وليس تعويض أموال المودعين التي حوّل أصحاب المصارف جزءاً منها إلى أرباح لهم وبدّد مصرف لبنان جزءاً آخر منها – والسطو على جزء منها. هدف المصارف من ذلك، عدم استخدام أموالها الخاصة في إطفاء الخسائر، وعدم الدفع من الفوائد والأرباح التي جنتها لعشرات السنوات من الأموال العامة. والخيار الثاني هو الاتفاق على خطة مع صندوق النقد تكون مبنية على خطة "التعافي المالي" التي حدّدت الخسائر والمسؤولين عنها، وتحميل المُساهمين في المصارف مسؤولية تعويضها. لا يسلم هذا الخيار من السيئات أيضاً، ليس في ما خصّ اشتراط صندوق النقد تحرير سعر الصرف، فهو أصلاً مُحرّر حالياً، بل في إنشاء صندوق سيادي توضع فيه الأملاك العامة، والخصخصة، وفرض ضرائب على الاستهلاك. كلّ هذه السيئات تتضمّنها ورقة سعد الحريري التي قدّمها في تشرين الأول 2019، ووافقت عليها غالبية الكتل النيابية. الخطر يكمن في إعادة تعويمها بحُجج مختلفة. للمُفارقة، أنّ الجميع يتحدّث عن أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قاعدة أنّه "فاتحة" الدولارات التي ستتدفق إلى البلد، ولكن تيار المستقبل – حركة أمل – التقدمي الاشتراكي – "جناح" داخل التيار الوطني الحرّ، يُدركون أنّ الجهات المانحة لن توافق على خطة إلا وفق الأرقام التي تضمنتها ورقة "التعافي المالي"، فكيف سيُوفقون بين مصالحهم وطلبات رُعاتهم الماليين، وبين "المجتمع الدولي"؟حزب الله: لكلّ وزير حقيبة، وإلا حكومة من نحو 24 وزيراً


النقاشات في المجلس النيابي أمس لم تصل إلى هذه المسائل، رغم أولوياتها، بل كانت مُناسبةً للتبريكات، والتأكيد على "الإيجابية في التعاطي"، تبقى عبرتها في مفاوضات التشكيل. الأبرز كان لقاء كلّ من الحريري – باسيل مع وفد تكتّل "لبنان القوي"، بعد "المقاطعة" بينهما. فأعلن باسيل أنّهم "إيجابيون إلى أقصى الحدود، ويهمّنا تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن لتقوم بمهمة الإصلاحات المطلوبة. لدينا خوف أساسي بأن تتمكّن الحكومة من تنفيذ البرنامج الإصلاحي المُتّفق عليه، والوارد في المبادرة الفرنسية، ويبدأ بتنفيذ التحقيق الجنائي، باعتماد قانون لضبط التحويلات المالية، وبإجراءات فاعلة بمحاربة الفساد". بحسب باسيل، "لا نطرح أي مطلب أو شرط سوى أن تكون هناك معايير واضحة وواحدة محددة وموحدة ككل الأطراف وكل المكونات. نحن نطالب بأن تكون حكومة تكنوسياسية. سننتظر الأمر الذي سيعتمده الحريري بالاتفاق مع الرئيس ميشال عون حتى نقرر كيفية تعاطينا مع عملية التشكيل، دائماً بايجابية كبيرة وتعاون".


أما كُتلة "الوفاء للمقاومة"، فقد أعلن رئيسها النائب محمد رعد، أنّه "نصحنا بأن يكون لكلّ وزير حقيبة، وإلا نذهب إلى حكومة مُصغّرة… وأكّدنا أولويات تتعلّق بالمرحلة وخصوصاً بعد ارتفاع أعداد الإصابات بكورونا، في الوقت الذي ينبغي أن يُعزّز القطاع الصحي". وبعد انتهاء الاستشارات، أعلن الحريري أنّ الحكومة "ستكون حكومة اختصاصيين، لكي نقوم بالعمل السريع بحسب الورقة الإصلاحية الفرنسية وعلى أساس برنامج مع صندوق النقد"، مُقترحاً "أن نُحيّد كلّ اختلافاتنا السياسية ونكون إيجابيين لكي نستعيد الثقة بين المواطن والدولة أو بين الدولة والمجتمع الدولي".


• وكتبت "الجمهورية" تقول:مع انتهاء الاستشارات النيابية غير الملزمة التي اجراها الرئيس المكلّف سعد الحريري في المجلس النيابي أمس، يدخل تأليف الحكومة مرحلة السباق بين التسهيل والتعطيل. هذا السباق، سيضع القوى السياسية على اختلافها امام لحظة الاختيار لواحد من الأمرين، اللذين لكلّ منهما ارتداداته على مجمل الوضع الداخلي.


نظرياً، تُظهر المواقف المعلنة من غير اتجاه سياسي، انّ تأليف الحكومة يحتل صفة الإستعجال لديها، للدخول في أسرع وقت ممكن في مرحلة الإستثمار الحقيقي للفرصة المتاحة عبر المبادرة الفرنسية، والشروع في تنفيذ مندرجاتها الإصلاحية والإنقاذية.


التجارب لا تشجّع


إلاّ أنّ التجارب اللبنانيّة وبشهادة الداخل والخارج في آن معاً، لا تشجّع، بل تشهد على أنّ السمة السياسية العامة، كانت فقدان الصدقيّة، وأنّ كل ما كان يُقال قلّما كان يقترن بما يترجمه من خطوات واجراءات علاجية جدّية، بل كان يضيع في سوق المزايدات، وخلف متاريس المكايدات والتناقضات وتضارب المصالح السياسية التي حكمت لبنان على مدى سنوات طويلة، واوصلته الى ازمته المستعصية.


اسئلة؟


واذا كان تكليف الرئيس سعد الحريري قد تجاوز حقل الألغام السياسية التي زُرعت في طريقه، فإنّ الندوب والتفسّخات والتهشّمات التي خلّفها في الجسم السياسي، تُطرح امام فريق التأليف وكلّ المكونات السياسية: كيف سيتمّ تجاوزها، وكيف لتأليف الحكومة أن يعبر من خلالها؟ وهل ثمة من الاطراف السياسية من سيسعى الى ابقائها على تورّمها، بما يشكّل عامل تعطيل للتأليف؟ وهل ستبرز إرادة مشتركة لتنفيسها بما يشكّل عامل تسهيل لهذا التأليف فتولد الحكومة في القريب العاجل؟


تدوير زوايا


القراءات السياسية لمرحلة ما بعد التكليف، تتقاطع عند اعتبار أنّ الوضع المضطرب سياسياً كما هو سائد حالياً، لا يبشّر استمراره بالذهاب الى تأليف سلس للحكومة، رغم الحاجة الماسة اليها.


وتعطي هذه القراءات لكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، الدور الاساس في فكفكة الالغام السياسيّة. وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً ونوعيًّا من كليهما لتدوير زوايا التناقضات السياسية وتنفيس احتقاناتها وتضييق الفجوات بين بعض الأطراف، وذلك حتى لا تتورّم أكثر وتسدّ معبر تأليف حكومة، يُراد لها أن تقوم على أرض صلبة وبالحدّ الأعلى من التحصين والتفاهم الداخلي.


الوضع قابل للتبريد


إلاّ انّ هذا الوضع وعلى صعوبته، وكما يؤكّد مرجع سياسي لـ"الجمهورية"، ليس عصياً على امكان تبريده، فمرحلة ما قبل التكليف كانت مرحلة انفعالات، ولكل طرف اسبابه، أما ما بعد إتمام التكليف، فصرنا أمام لحظة الحقيقة وأمر واقع جديد، صار الجميع محكومين بالتعاطي معه، خارج اطار انفعالات ما قبل التكليف.


وقال المرجع: "لنكن صريحين، كل الاطراف محشورون، وهوامش المناورات صارت في اضيق حدودها لدى كل الاطراف من دون استثناء اي منها، خصوصا أنّ هذه الاطراف لا يملك أيّ منها مفتاحاً للحل، وبالتالي مهما ارتفعت الاصوات والاعتراضات ومهما علت النبرات، ستصطدم بحقيقة أنّ أحداً لا يستطيع أن يهرب من الفرصة الإنقاذية التي توفّرها المبادرة الفرنسية، والكلّ مدركون أنّ لا مصلحة في تأخير ولادة الحكومة، وأنّ اللبنانيين متعلقون بهذه الفرصة، وضياعها معناه انتقال لبنان الى وضع كارثي، فهل هذا هو المطلوب".


ويلفت المرجع المذكور الى ما يصفها بـ"بارقة أمل" تلوح في أجواء الرئيسين عون والحريري، "فكلاهما متمسّكان بتلك الفرصة، واجواؤهما تعكس رغبة مشتركة في التعاون الى أبعد الحدود، وصولاً الى الاتفاق على صيغة حكومية تعبّر عن تطلعات اللبنانيين بالإنقاذ والإصلاح".


رغبة في التعاون


وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ هذا التعاون بين عون والحريري جرى التأكيد عليه في "اللقاء الثلاثي" الذي عُقد بعد استشارات التكليف في القصر الجمهوري بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري. والذي وصفت اجواؤه بالمريحة جدًا.


وتشير المعلومات، الى انّ رئيس المجلس، سمع من الرئيسين عون والحريري "كلاماً دافئاً جداً من كليهما تجاه بعضهما البعض، واظهرا الرغبة الجدّية بالتعاون بينهما، وهذا ما شجّعه على أن يدلي بتصريح مقتضب بهذا المعنى على باب القصر الجمهوري".


وبحسب المعلومات، فإنّ الاولويّة لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، هو ان تُشكّل الحكومة الجديدة في وقت قياسي، وهو في هذا الاتجاه سيشكّل في المقابل عاملاً مساعداً الى اقصى الحدود للولادة الحكومية السريعة، وفي الوقت نفسه عاملاً مساعداً على تبريد الاجواء المتوترة على خط الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل ومن خلفهما تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر". فهذا التبريد إن حصل، من شأنه ان يشكّل قوة دفع الى مزيد من الايجابية وبالتالي الى مزيد من الاستقرار المطلوب في الزمن الحكومي الجديد.


هذا الجو، وكما تقول مصادر معنية بالملف الحكومي لـ"الجمهورية"، "يمكن البناء عليه لإنجاز الحكومة في اقرب وقت ممكن خلافاً للاجواء السابقة لتكليف الحريري، والتي أوحت بأنّ معركة التأليف ستكون حامية الوطيس بين عون وفريقه من جهة، وبين الحريري وفريقه من جهة ثانية".


حكومة 14


وعلمت "الجمهورية"، انّ تفاهماً شبه نهائي أمكن التوصل إليه بين الجهات المعنيّة بالتأليف، على تشكيل حكومة مصغّرة من 14 وزيراً. مع الاشارة الى مطالبات نيابية بحكومة اكثر تمثيلاً، ويبرز هنا ما اكّدت عليه "كتلة الوفاء للمقاومة" للرئيس الحريري، بضرورة الذهاب الى حكومة من 24 وزيراً لكل وزير حقيبة فيها.


واكّدت المعلومات انّ التفاهم محسوم بين طرفي التأليف، اي عون والحريري لتأليف الحكومة وفق منطوق الدستور بالتعاون والتشاور بينهما. ولا خلاف على الاطلاق على مواصفاتها التي سبق وحدّدها الحريري بحكومة اختصاصيين من غير الحزبيين.


كيف سيتمّ الاختيار؟


وبحسب المعلومات، فإنّ "التفاهم على حكومة الاختصاصيين اللاسياسية، لا يعني أن تُشكّل الحكومة كيفما كان، بل هو يضع فريق التأليف أمام تحدّي الاختيار السليم لوزراء هذه الحكومة. اذ أنّ المطلوب هو حسن الاختيار، ذلك انّ سوء الاختيار ستكون نتيجته الحتمية الفشل والتداعيات السلبية التي لا يحتملها الوضع اللبناني".


وعلى ما تقول مصادر المعلومات، فإنّ "المطلوب ليس اختيار وزراء من حَمَلة الشهادات فقط، اذ لا يعني ان من يحمل شهادة يكون بالضرورة ناجحاً، وتتوفر فيه مواصفات القيادة والادارة الحكيمة المطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة. بل المطلوب الى جانب تلك الشهادات، وحتى لا نقع بمثل ما وقعت به الحكومة السابقة، هو اختيار شخصيات على مستوى عالٍ من الخبرة العمليّة، تشكّل رسالة ايجابية الى الداخل اللبناني، كما الى المجتمع الدولي، وتؤكّد المضي نحو تشكيل حكومة توحي بالثقة، من اهل الخبرة والاختصاص، بما يخلق مناخاً ايجابياً مريحاً على مستوى الداخل، وتفتح الباب لتدفق المساعدات الخارجية واعادة استثمار المال في لبنان على كل المستويات".


وعلمت "الجمهورية"، أنّ التفاهم بات شبه محسوم، على ان يتمّ اختيار الاصلح والذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة، واهمها الخبرة الاقتصادية والمالية للتوزير في الحكومة الجديدة، لأنّ المتطلبات والتحدّيات كبيرة جداً.


لا خلاف على التسمية


كما علمت "الجمهوريّة"، انّه ومن باب التعجيل في تشكيل الحكومة وعدم وضع اي مطبات من اي نوع امام هذه الولادة، فقد تمّ تجاوز مسألة تسمية الوزراء، حيث اكّدت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، أنّ هذه المسألة لم تعد تشكّل عقدة لدى الحريري او لدى اطراف اخرى، وخصوصاً بالنسبة الى الوزراء الشيعة في الحكومة، التي كانت العائق الاساس امام تأليف حكومة مصطفى اديب.


ولفتت المصادر، الى انّه حيال تسمية الوزراء الشيعة في حكومة الحريري، فإنّ الاجواء المحيطة بها، تؤكّد انّها لن تكون سبباً لاشكالية او لتجاذب حولها. واكّدت في هذا السياق، "انّه لن يكون هناك ايّ مشكل على الاطلاق في ما خصّ تسمية الوزراء، سواء اتت هذه التسمية من قِبل الرئيس الحريري أو من قِبل حركة "امل" و"حزب الله"، ذلك أنّ المطلوب فقط هو اختيار الاصلح وغير الحزبي بمعزل عمن يقترح الاسم".


متى الحكومة؟


الى ذلك، وعلى الرغم من اجماع الاطراف السياسية والمعنية بملف التأليف على ولادة سريعة للحكومة، فليس في الإمكان تحديد سقف زمني لهذه الولادة، لأنّ التجارب اللبنانية السابقة اكّدت انّ المناخ الايجابي إن كان سائداً بالكامل، فلا يُبنى عليه، لأنّ الشياطين كانت تظهر في التفاصيل في آخر لحظة، فتعيد الامور الى نقطة الصفر. ولكن إنْ اكملت "الايجابية" ورغبة التعاون المتبادلة على خطي الرئاستين الاولى والثالثة بالشكل الذي هي عليه حالياً، فيمكن افتراض انّ الحكومة ستكون في غرفة الولادة في القريب العاجل.


عون


فرئيس الجمهورية، وعلى ما يؤكّد قريبون منه لـ"الجمهورية"، يدرك انّ لبنان لا يملك ترف الوقت وتضييع المزيد منه، وهو اكّد انفتاحه على كل ايجابية، وسيكون عاملاً مسهّلاً لتأليف حكومة معبّرة عمّا يطمح اليه اللبنانيون. تشرع فوراً في الخطوات الانقاذية التي تستدعيها الازمة المتفاقمة على كل المستويات.


الحريري


اما الرئيس الحريري، فيؤكّد المقرّبون منه لـ"الجمهورية" على الآتي:


– مصمّم على تأليف الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية.


لن يترك مجالاً لأي محاولة تعطيلية.


– انّ المرونة التي سيعتمدها في مرحلة تأليف الحكومة، ستكون المفتاح الذي من شأنه ان يحلّ اي عقدة يمكن ان تبرز في الطريق.


– انّه يسعى الى حكومة معبّرة عن واقع البلد، وتحت سقف المهمة الانقاذية التي حدّدتها المندرجات الاصلاحية للمبادرة الفرنسية، وبالتالي هو لن يقفل الباب امام احد، لذلك يريد لهذه الحكومة أن تكون محصّنة بالنسبة الأعلى من الثقة بها من المكونات السياسية وبالتأكيد النيابية، وهذا ما يشكّل لها حافزاً وقوة دفع في اتجاه انجاز مهمتها بالنجاح الاكيد.


– يعتبر انّه لا بدّ من انجاح هذه الفرصة، لأنّ فشلها يعني السقوط الكامل، وانهيار كل امل بالإنقاذ الذي ينشده كل اللبنانيين.


– لا يريد الحريري ان يربط ولادة حكومته بأيّ مواعيد او استحقاقات خارجية، فهذا الاستحقاق لبناني، ولبنان لا يحتمل تضييع اي دقيقة تأخير.


– لن يتأخر الحريري في وضع مسودّة للحكومة في وقت ليس بعيداً، والارجحية لحكومة مصغّرة. (ربما خلال الاسبوع المقبل، بعد زيارة قد يقوم بها الى القصر الجمهوري مطلع الاسبوع المقبل للتداول مع رئيس الجمهورية في القواعد والمعايير التي ستُعتمد في عملية التأليف).


استشارات


وكان الحريري قد اجرى استشاراته النيابية غير الملزمة' في لقاءات متتالية مع الكتل النيابية في مبنى المجلس النيابي في ساحة النجمة، كان البارز فيها اللقاء المباشر بين الحريري والنائب جبران باسيل، الذي حضر مشاركاً في الاستشارات مع الرئيس المكلّف، على رأس "تكتل لبنان القوي"، حيث اكّد "انّ لا خلاف شخصياً على الاطلاق مع الحريري"، مطالباً بحكومة تكنوسياسية، معلناً "اننا ايجابيون الى اقصى الحدود"، لافتاً الى "وجوب ان تكون هناك معايير محدّدة وموحّدة لكل الاطراف والمكونات، لأنّ اعتمادها يسهّل تشكيل الحكومة".


وقد وصف اللقاء مع الحريري بأنّه ايجابي، وافيد بأنّ الحريري اكّد على أهمية الإصلاحات وتنفيذ ما ورد في المبادرة الفرنسية، معتبراً أنّها ستشكّل مع صندوق النقد الدولي نقطة أساسية في إستعادة الثقة الدولية.


كما افيد بأنّ الحريري توجّه الى باسيل خلال اللقاء قائلا: "كما تعاونا في السابق يمكننا ان نتعاون في المستقبل لإعادة النهوض بلبنان".


بدوره، رحّب النائب باسيل بحديث الحريري عن الإصلاحات، مشدّداً على أهمية إعتماد معايير موحّدة في تأليف الحكومة.


وبعد انتهاء الاستشارات، قال الرئيس الحريري: "اللقاءات كانت كلها ايجابية، وكان التركيز على الاصلاحات". مشيراً الى انّ الحكومة ستكون حكومة اختصاصيين من اجل العمل سريعاً بحسب الورقة الفرنسية".


واكّد على وجوب ان نتعامل مع هذه الفرصة عبر وضع خلافاتنا السياسية جانباً. وقال: "علينا ان نكون ايجابيين لنستعيد الثقة بين المواطن والدولة وبين الدولة والمجتمع الدولي".


ولفت الحريري الى انّه سيلتقي رئيس الجمهورية في اسرع وقت ممكن للتشاور في شأن تشكيل الحكومة.


ضرورات وتحدّيات


واذا كانت الآراء النيابية التي أُبديت في استشارات الرئيس المكلّف، لم تخرج عن المألوف، ولا سيما لناحية التمثيل في الحكومة، كما لم تخرج عن سياق التأكيد على حكومة سريعة تتصدّى للأزمة، الّا أنّها اقترنت في مكان آخر مع مجموعة ملاحظات، تتقاطع مع ما هو وارد في البرنامج الاصلاحي المحدّد في المبادرة الفرنسية، اكّد عليها خبراء اقتصاديون تحت عنوان الضرورات والتحدّيات التي يُفترض أن تشكّل برنامج عمل الحكومة الجديدة:


اولاً، ضرورة التوافق الداخلي بين المكونات السياسية على تشكيل الحكومة ضمن مهلة قياسية، والشرط الاساس الّا تكون هذه الحكومة صيغة مستنسخة عن النهج السابق. فتشكيل الحكومة بحدّ ذاته، يساهم بشيء من الإنفراج الداخلي حتى قبل ان تشرع الحكومة بتنفيذ برنامجها.


ثانياً، وضع مقاربة اكثر جدية وصرامة حول كيفية التعامل مع تفشي فيروس "كورونا"، لأنّ هذا الأمر ترك آثاراً كارثية على ما تبقى من نشاط اقتصادي.


ثالثاً، البدء فوراً بإصلاحات عميقة وليس اصلاحات شكلية وسطحية تلامس القشور ولا تمس الجوهر. على ان تطال بالدرجة الاولى القضاء وتأكيد استقلاليته، واستعجال تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء والاتصالات والطيران المدني، وعدم تسييس التعيينات الذي يشكل مقتلا لها، ويندرج في هذا السياق الاصلاحي وضع القوانين المعطلة موضع التنفيذ الفوري، والتي تزيد عن 54 قانوناً، وخصوصاً انّ جانباً اساسياً منها مرتبط بالعملية الاصلاحية.


رابعاً، وضع خطة اقتصادية متكاملة، تحاكي ما يعانيه لبنان بصورة دقيقة وليس نظرياً، تُشعر اللبنانيين والمجتمع الدولي بأنّ هناك جهداً جدّياً لإصلاح الخلل في نظامنا الإقتصادي. وهذا يؤدي حتماً الى اعادة انعاش وتشجيع الاستثمار في لبنان وحماية صناعته المحلية.


خامساً، طمأنة المودعين جدّياً على ودائعهم، والشروع فوراً بإعادة تنظيم وهيكلة القطاع المصرفي، بدءًا من مصرف لبنان الى المصارف الخاصة، بعد الانهيار الذي اصاب القطاعين المالي والنقدي، وبعدما سقطت مقولة أنّ المصارف كانت تشكّل للمواطن اللبناني برّ الأمان لقرشه الابيض ليومه الاسود، فإذا بها تظهر على أنّها اكثر سواداً من اليوم الاسود.


سادساً، اعتماد سياسة صارمة لضبط المعابر ومنع التهريب، ووقف الهدر، ورادعة للمتلاعبين بالاسعار، ومافيا التلاعب بالدولار المتحكمة بالسوق السوداء.


سابعاً، استعداد الحكومة الجديدة للذهاب الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، محصّنة من جهة بإجراءات اصلاحية لطالما نادى بها الصندوق والمجتمع الدولي، واكّد انّ حصول لبنان على اي تمويل امر صعب جداً ما لم تنجز الحكومة الإصلاحات المطلوبة والشروع بخطوات وإجراءات مالية ومصرفية، ومن جهة ثانية بتوافق داخلي على صندوق النقد الدولي وبرؤية واحدة وارقام دقيقة وواضحة، وليس على شاكلة فضيحة الاختلاف حول ارقام الخسائر التي سادت مع الحكومة السابقة. فذهاب الوفد اللبناني محصّناً الى المفاوضات مع صندوق النقد، يوفّر على لبنان ما قد يفرضه الصندوق من مطالب وضغوط.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى